يتكون الإنسان من عنصرين ، الجسد الفيزيائي والجسد الأثيري ، الجسد الفيزيائي وهو كل ما يقع تحت الحواس ، وهو المنطقة التي يفترض أن تكون مكان الخطيئة في الإنسان ، والجسد الأثيري وهو الروح ، والروح هي كل ما لا يقع تحت الحواس ، وهو المنطقة التي يفترض أن تكون المنطقة النظيفة في الإنسان ، ولكن ولأن الإنسان كائن واحد له عدة أبعاد ، البعد الجسدي و النفسي والروحي والثقافي والاجتماعي ، ولأن الإنسان كائن وحيد النشأة ويعيش بأنانيته وليس بإنسانيته ، ولأن الإنسان كائن مسكون بالسلطة ، ولأن الإنسان كائن لا يطمح إلا إلى شيء واحد وهو احتلال مراكز الأشياء ، ولأن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي أعلن الحرب على الطبيعة ، ولأن الإنسان هو الكائن الوحيد في الطبيعة الذي يملك وضعا مورفولوجيا عموديا وذلك عكس كل الكائنات الحية الأخرى التي تملك وضعا مورفولوجيا أفقيا وتتحرك على سطح الأرض زاحفة أو ماشية على أربع ، ولأن الإنسان هو الوحيد من بين الكائنات الذي يدفن موتاه ، ولأن الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على تغيير مسار حركة التاريخ ، ولأن الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على تبرير تصرفاته ، ولأن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يفتقر إلى الوعي بالزمن ، لأنه لو تأمل الامتداد الزمني قبل وجوده والامتداد الزمني بعد وجوده لأدرك حجم العدم الذي يتوارى خلفه وحجم العدم الذي ينبسط أمامه ، وربما أدرك أن وجوده ليس سوى صرخة في فضاء في هذا الزمن السرمدي اللانهائي ، ولأدرك أن صرخة الإنسان عند الموت لا تختلف عن صرخة الطفل عند الولادة ، ولذلك كان الإنسان هو الكائن الوحيد على سطح هذا الكوكب الذي يخون نفسه ، وهو الكائن الوحيد الذي لديه نزعة التأله والسيطرة ، ولذلك كله لا يجب ان يترك الإنسان حرا حتى لا يصبح شريرا ، لأن الإنسان ليس أكثر من ترتيب حيوي في المنظومة الطبيعية للأشياء ، وهو كائن غير متساوق ، انه كائن حر يتركب من خليط ضار من الاندفاعات الحيوانية والميول الإلهية ، ولذلك كان كل ما صنعه الإنسان وكل ما يصنعه الإنسان وكل ما سوف يصنعه الإنسان يرتد ضده ، أسئلة مسكونة بالسؤال وكل سؤال مسكون بالسؤال سؤال حي ، والسؤال ما الحل وما العمل ، وهو سؤال مسكون بالسؤال ، ولكنه سؤال يطرح نفسه وخاصة عندما يصل شعب أي شعب إلى أزمة في وجوده وأزمة في مصيره ، ونحن في فلسطين نعيش أزمة وجود وأزمة مصير ، وهي أزمة ترجع إلى الاستعلاء والاستكبار والاستئثار بكل شيء ، لأن الاستعلاء والاستكبار والاستئثار بكل شيء سوف يؤدي إلى انهيار كل شيء ، وسوف يؤدي إلى غياب الإرادة الجماعية ، وغياب الإرادة الجماعية سوف يؤدي إلى تفكيك الوعي والانتماء ، وتفكيك الوعي والانتماء سوف يؤدي إلى اختراق الحركات السياسية ، واختراق الحركات السياسية سوف يؤدي إلى غياب الأداة العامة على المستوى الوطني ، وغياب الأداة العامة على المستوى الوطني سوف يؤدي إلى تفكيك الأوطان ، لأنه ليس من المنطقي أن ينتج أي شعب أداة عامة على مستوى وطني إذا كان وعيه محكوما بالانتماء الحزبي والفصائلي والطائفي والمذهبي والعشائري ، والفصيل في فلسطين لم يعد فصيلا سياسيا أو فصيلا مقاوما فحسب ولكنه أصبح دين وطائفة ومذهب وعشيرة ، والأمين العام لم يعد أمين عام فحسب ولكنه أصبح نبي ، وهو الوحيد القادر على تحديد مسار التاريخ ، وتفسير حركة التاريخ ، وتوجيه حركة التاريخ ، وتبرير تصرفاته ، ولذلك لا يجب أن يخضع للمنطق وحتى المنطق الإلهي في بعض الفصائل ، والوعي الحزبي والفصائلي والطائفي والمذهبي والعشائري لا ينتج مخارج عامة للازمة العامة حتى وان كان يدرك انه أمام مشكلة عامة لا يمكن الخروج منها إلا بمخارج عامة ، والوعي الفردي لا يمكن ان ينتج أداة عامة حتى وان كان يدرك انه أمام مشكلة عامة لا يمكن الخروج منها إلا بأداة عامة ، وهذا يشير بكل وضوح الى أن فلسفة نهاية التاريخ لم تكن من اختراع المحافظين الجدد في الولاياتالمتحدة الأميركية ، ولكنها فلسفة ترجع إلى بدايات الإنسان ، لأن الإنسان الأول كان يعيش بأنانيته وليس بإنسانيته ، والى بداية اتصال الإنسان بالمجتمع لأن الإنسان في هذه المرحلة التاريخية لم يكن يطمح إلا إلى شيء واحد وهو احتلال مراكز الأشياء ، ولذلك يمكن القول وبدون الخوف من الوقوع في الخطأ أن فلسفة نهاية التاريخ هي استئناف لفلسفة الأصوليات الدينية والإمبراطوريات السابقة التي كانت ترى أن التاريخ قد انتهى عند حدود إيديولوجياتها وفلسفاتها ومصالحها واتجاهاتها ، ولذلك كانت هذه الأصوليات وهذه الإمبراطوريات تعبر عن شوفينيتها بمصطلح الإنسان الأخير ، الإنسان الذي يؤمن بالإيديولوجيات الدينية الفاشية ، والإيديولوجيات الرأسمالية الامبريالية ، والإيديولوجية الصهيونية العنصرية ، وغيرها من الإيديولوجيات التي تحمل نفس المفهوم في الشكل والمضمون مثل إيديولوجية تفوق الرجل الأبيض ، وإيديولوجية شعب الله المختار ، وإيديولوجية صفاء العرق الآري ، والإيديولوجية النازية ، والإيديولوجية الفاشية ، والأحزاب الفاشية والنازية الجديدة في أوروبا ، ونظام الابارتهايد ، ولكن ورغم هزيمة هذه الإيديولوجيات والفلسفات العنصرية وسقوطها وإفلاسها فكرا وأسلوبا إلا ان أتباع هذه الإيديولوجيات والفلسفات لم يعلنوا إفلاسهم كما أعلن فوكو ياما متلطين خلف أكثر من سبب ، ولعل ابرز هذه الأسباب هو السبب الذي يقول أن سبب هزيمة وإفلاس وسقوط هذه الإيديولوجيات لا يرجع الى الفكر ولكنه يرجع الى التطبيق ، وهكذا يكون الذي يتحمل وزر هزيمة وإفلاس وسقوط هذه الإيديولوجيات هم الذين عملوا على تطبيقها ، ولكن فلسفة نهاية التاريخ والإنسان الأخير في فلسطين لم تعد موضوعا فلسفيا فحسب ولكنها وبالإضافة الى ذلك أصبحت موضوعا سياسيا وثقافيا يسيطر على مكونات الفكر الفلسطيني في السلطة والفصائل الفلسطينية ، لأن السلطة الفلسطينية تؤمن أن التاريخ الفلسطيني ينتهي عند حدود فلسفتها وإيديولوجيتها وسياستها ومصالحها واتجاهاتها ، والفصائل الفلسطينية تؤمن أن التاريخ الفلسطيني ينتهي عند حدود فلسفاتها وإيديولوجياتها وسياساتها ومصالحها واتجاهاتها ، ولأن السلطة الفلسطينية استطاعت أن تتحكم بجزئيات القضية الفلسطينية من خلال سيطرتها على القرار والمال والعسكر وبعض الفصائل الفلسطينية بحكم الولاء الوظيفي للسلطة بدافع الحاجة أو بدافع الرفاهية أو بدافع التناقض الايدولوجي حول موضوع وجود الله ، واستنساخ نوع من البشر تزرع فيهم مواصفات مضادة للفصائل الأخرى بدرجات مختلفة وللمقاومة المسلحة بصورة مطلقة ، ولكن لا يمكن ان تعطي هذه الاحتكارات للسلطة التحكم في صناعة الإنسان الذي تريده حسب مواصفاتها ، لأن الاحتكارات فعليا أصبحت بحكم الملغية من خلال تعميم تقنية صناعة الإنسان أولا ، ولأن أي سلطة إذا أرادت أن تصنع بشرا يلبون رغباتها سوف تجد نفسها مكرهة على صناعة نوعين من البشر ثانيا ، نوع الأسياد ونوع العبيد ، بحكم المفاهيم السياسية التي تقوم على ثنائية السيد المنتج والعبد المستهلك ، وهي ثنائية وثنية ، ولذلك نحن نحتاج في فلسطين أول ما نحتاج الى الخروج من دائرة الوثنية السياسية الى دائرة المساواة ، لأن المساواة قاعد العدالة ، والعدالة قاعدة الديمقراطية ، والديمقراطية قاعدة الحرية ، والحرية قاعدة الوحدة الوطنية ، والوحدة الوطنية قاعدة التحرير ، تحرير الوطن من الماء الى الماء، ولا حل غير ذلك ، ومن يدعي غير ذلك يكون كمن يريد ان يعبد الطريق الجوي بين غزة ورام الله .