يُجْرىَ العمل بمصلحة الضرائب على إجراء معاينات متتالية للأنشطة المزمع محاسبتها ضريبياً من سنة لأخرى ، ويكون لتلك المعاينات طبيعة وأهداف ونتائج تختلف وفقاً لاعتبارات متعددة . فعلى سبيل المثال تجري شعبة الحصر معاينة أولية للنشاط المزمع استخراج بطاقة ضريبية بخصوصة ، حيث تتمثل طبيعة تلك المعاينة في أنها معاينة مبدئية وأولية للنشاط ، ويتمثل هدفها في إثبات عدة أمور ، منها مدى الوجود الفعلي للنشاط ، وحالة وحجم النشاط وقت طلب استخراج البطاقة الضريبية ، وتحديد المستغل السابق للعين محل النشاط إن وجد ، وغير ذلك مما عساه أن قد يحدد بشكل أدق تاريخ بداية النشاط .. وهكذا . أما عن نتائج المعاينة التي تجريها شعبة الحصر ، فقد تتبلور بشكل كلي في أن تقدم إلى شعبة الفحص كل ما يمكن جمعه من بيانات أولية للوقوف على حجم النشاط ، حتى يتسنى لهذه الأخيرة تولي مسئولية المتابعة والمحاسبة بشكل أكثر دقة طوال سنوات عمر النشاط . ثم تتوالى على النشاط من بعد ذلك معاينات أخرى تجريها شعبة الفحص على نطاق أوسع ، والتي تختلف في طبيعتها عن طبيعة المعاينة المجراة من شعبة الحصر ، حيث يمكن وصفها بأنها معاينات لحظية متكررة للنشاط من سنة لأخرى ، كما أنها تتميز بكونها نهائية نظراً لتحقق الهدف المتغيا منها على محاسبة النشاط ، ونجد أن طبيعة تلك المعاينات ترتبط بالهدف المتغيا منها ، والذي قد يتمثل في تحديد حجم النشاط ، من حيث الطاقة الانتاجية ونوعية الانتاج وكميته ودراسة الدفاتر والسجلات وما عساه أن يتعلق بها من فواتير وخلافه ، ومن جماع كل تلك المعاينات يتم الوقوف على حجم النشاط الحقيقي خلال سنوات المحاسبة . في حين تتبلور نتائج المعاينات التي تجريها شعبة الفحص ، في تحديد عدد بنود المحاسبة وتقدير إيرادات النشاط إذا كانت المحاسبة تقديرية ، أو إثبات مدى تطابق وصحة الدفاتر إذا كان النشاط مؤيداً بحسابات . ولعل هناك تساؤل يلوح في الأفق على ضوء ما ذكر ، يدور حول مدى جدية تطبيق الفلسفة المذكورة والمقصودة من المعاينات في الواقع العملي ، فهل هناك ترابط حقيقي بين ما يتم ذكره بمحاضر المعاينات وما تتم محاسبة الممول عنه من سنة لأخرى ، فإذا لم يذكر في المعاينة في سنة من السنوات نشاط معين ، كان الممول يزاوله ويحاسب عنه في السنوات السابقة ، هل يستثنى ذلك النشاط من بنود المحاسبة تلقائياً من جانب المأمورية ؟ أم لابد من إثبات الممول ذلك عن طريق الإخطارات والإقرارات الضريبية المقدمة ، أو عند عمل اتفاق مباشر أو حتى لجنة ( داخلية – طعن ) بالملف الضريبي خاصة الممول ؟ لإجابة ذلك التساؤل ، لابد من أن نوضح أن التغيير في حجم النشاط يأتي عادة إما بالزيادة أو بالنقصان ، وذلك على نحو ما يلي :- الحالة الأولى : في حالة تغير حجم النشاط بالزيادة ، أي أنه عندما يثبت في المعاينة وجود نشاط جديد أو تطور وزيادة في حجم النشاط المعتاد ، فإن الفحص لا بد أن يحتوي تلقائياً على بند جديد أو زيادة فى حجم البنود القائمة تجسد المحاسبة عن ذلك النشاط الجديد أو ذاك التطور . الحالة الثانية : في حالة تغير حجم النشاط بالتقلص ، حيث أن الأمر يختلف في حالة تقلص حجم النشاط ، عندما يكون التقلص عن طريق توقف الممول عن مزاولة أحد أو بعض الأنشطة التي كان يزاولها من ذي قبل ، عنها عندما يكون التقلص مع ثبات بنود المحاسبة على ما هي .. وذلك على ما يلي :- أولاً : التقلص عن طريق توقف الممول عن مزاولة أحد أو بعض الأنشطة التي كان يزاولها من ذي قبل : حيث يتوجب على الممول إخطار المأمورية المختصة بذلك التوقف خلال مدة ثلاثين يوم وفقاً لما تنص عليه المادة 79 من القانون 91 لسنة 2005 . إلا أن التساؤل الجد هام هو عندما يستبان من المعاينة أن أحد أو بعض الأنشطة لم يعد يزاولها الممول ، فهل يمكن للمأمورية أن تكف من تلقاء نفسها عن محاسبة الممول عنها ؟ نرى أن ذلك ممكناً ، ولكن بشروط .. وتدور تلك الشروط عادة في فلك الثبوت الفعلي لتوقف الممول عن أحد أو بعض النشاط التجاري . فالمعاينة التي يجريها مأمور الفحص معاينة لحظية في حد ذاتها ، فعندما يستبان أثناء المعاينة عدم وجود أحد الأنشطة فإن ذلك في عقدنا ليس دليلاً بقدر كونه إكتشاف لحالة جديدة طرأت على النشاط ، تحتاج بدورها إلى تحري وتدليل ، فإن إنتهى ذلك التحري وهذا التدليل إلى الثبوت الفعلي للتوقف عن المزاولة ، فما المانع من إلغاء البنود التي تجسد المحاسبة عن ذلك النشاط . لا سيما وأن الفلسفة الأولى للتشريع الضريبي المصري الحالي رقم 91 لسنة 2005 هى بناء جسور من الثقة ما بين الممول والمصلحة . ومن الجدير بالبيان أن توقف الممول عن مزاولة بعض أنواع النشاط قد يستخلص من إنقراض نوعية النشاط وظهور تكنولوجيا أو موضة أو طريقة جديدة في السوق تغني المستهلكين عن الطلب على هذا النوع من النشاط ، كأن يكون النشاط هو بيع وإصلاح وابور الجاز في هذه الأيام في منطقة سكنية لم يعد يمثل لها وابور الجاز أي أهمية ، أو إصلاح أو بيع مصباح الجاز في هذه الأيام ، فمن المعلوم أن هذه الأنشطة لم تعد تمثل أية أهمية تذكر ، لذا لم يعد يطلبها أحد . وقد يستشف أيضاً ذلك عندما ينقسم نشاط الممول إلى جزئين ، أحدهما يعتمد على الكهرباء والأخر لا يعتمد على الكهرباء ، ثم يتضح من الاطلاع بشركة الكهرباء أنه لا توجد مسحوبات أو أن مسحوباته قد تقلصت إلى حد لم يعد يفي بقيام النشاط المعتمد على الكهرباء ، ومثال ذلك الممول الذي يزاول نشاط تصنيع الثلج لنفسه وللغير وبيع حصته في السوق ، حيث يعتمد تصنيع الثلج على الكهرباء ، ولا يعتمد في بيعه عليها ، فإذا توقفت مسحوبات الممول من الكهرباء ، فمن الطبيعي أن نشاطه في التصنيع سواء لنفسه أو للغير يكون قد توقف ، وهنا يمكن تصور أنه يشتري الثلج من السوق بأسعار الجملة ، ثم يعيد بيعه مرة أخرى بسعر التجزئة ، وهكذا يكون القياس .. ومثال آخر على ذلك عند صدور قرار بمنع بيع أو تقديم الخمور في منشأه سياحية كانت تقدمه فيما سبق ، حيث يستحيل على الممول بعد قرار المنع أن يقدم مثل هذه المشروبات في منشأته مرة أخرى ، وكذلك الحال عند إغلاق الممول أحد فروع النشاط . ثانياً : التقلص مع ثبات بنود المحاسبة : هنا حيث يتضح من المعاينة أن كافة أنشطة الممول لا تزال موجودة ، ولكن حجم النشاط قد اضمحل عن ذي قبل ، هنا تدق المسألة إذا لم يكن قد قام بإخطار المأمورية المختصة بتقلص حجم نشاطه ، إذ أن النشاط فعلياً قد تقلص إلا أن الممول لم يخطر بذلك . بادئ ذي بدئ ... إن عبء إثبات تقلص حجم النشاط يقع على الممول وفقا للفقرة رقم 3 من المادة 79 من القانون 91 لسنة 2005 ، ولكن هل تكفي المعاينة وحدها لإثبات ذلك ؟ في الحقيقة إنها لا تكفي ، ولكن يجب النظر إلى إقرار الممول وإلى رقم أعماله المدون بالإقرار ، ومقارنة حجم تعاملاته مع الجهات الملزمة بالخصم والتحصيل خلال سنوات المحاسبة إن وجد ، وبالاطلاع على مسحوباته من الكهرباء إذا كان النشاط يعتمد على الكهرباء ، والبحث في كل ما من شأنه أن يكشف عن الحالة الحقيقة لحجم النشاط ، فإذا ثبت بالدليل القاطع تقلص حجم أعمال الممول ، فلا مانع وقتذاك في عقدنا من خفض تقديرات المأمورية بخصوص صافي ربح الممول . * ولعلنا نستند إلى عدة أسباب تجعلنا نتبنى وجهة النظر المذكورة .. منها أن :- 1 . من أهم الأهداف المتغياة من تكرار معاينة نشاط الممول ، هو متابعة أى تغيرات تطرأ على النشاط ، وبالتالي لابد من أن يكون هناك أثر حتمي عندما يتلاحظ خلال المعاينة أي تغير في حجم النشاط سواء بالزيادة أو النقصان . 2 . من الطبيعي ألا يبقى النشاط كما هو ، طوال سنوات عمره ، بل إن النشاط التجاري يعد في حد ذاته تجربة تحتك بالسوق ، وبالتالي فإن الظروف المحيطة به متغيرة باستمرار ، ومن الطبيعي أن تتغير حالة النشاط تبعاً لذلك إما بالذيادة أو بالنقصان . 3 . التغيرات الملحوظة من معاينة لأخرى خلال سنوات عمر النشاط ، يعد دليل قوى على صحة المعاينات المجراة ، وإلا فإن ثبات محاضر المعاينة من سنة لأخرى يفرغ المعاينة كإجراء كاشف لحقيقة النشاط من مضمونها ، ولا يجوز في عقدنا في ذلك أن نتعلل بكونها معاينة لحظية ، حيث أن النشاط الذي يكون محل شك ، تجب معاينة أكثر من مرة في أوقات مختلفة وظروف مختلفة خلال العام للتحقق من حالته الحقيقية ، ولعدم ظلم الممول أو حتى فوات حق من حقوق الدولة في ذلك . 4 . من الضروري أن يؤثر التقلص الملحوظ في حجم النشاط على حجم صافي الربح المقدر للممول عن محاسبته ضريبيا ، تماماً كما الحال بالنسبة للتأثير الملحوظ عند ملاحظة وجود زيادة ، وذلك دون تزمر من جهة الإدارة الضريبية . 5 . من مقتضيات الثقة فى الجهاز الجبائي للدولة ، وكذلك من مسببات الإلتزام الطوعي في أداء الضريبة أن يشعر الممول بالعدل في الحالتين ، الزيادة والنقصان ، مما يكون له بالغ الأثر في نجاح الإدارة الضريبية في أداء دورها ، كخطوة جديدة على طريق نجاح الدولة المصرية كهدف رئيسي . بقلم : عماد شفيق مصلحة الضرائب المصرية المحامي سابقاً دبلوم الدراسات العليا بالتحكيم الدولي دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد والعلوم المالية ماجستير الدولة في القانون العام باحث دكتوراة