قال أحدهم : لا تسألني عن الخيانة فأنا لا أعتقد أن هناك كلمات قادرة على وصفها.... وقال آخر : إن الخيانة في حد ذاتها ميتة حقيرة.... وحديث الخيانة حديث طويل يمتدّ الى عمق التاريخ في وطننا العربي المريض العليل ، إذ أبتلي الوطن قديما وحديثا واليوم والآن وبعد قليل بالخائن الغدّار والنّذل العميل ، فأصبح تاريخنا عبارة عن سجلٍّ أسود من الغدر والخيانة والتّهليل للأجنبي المحتلّ منذ عام الفيل ... وإليكم بعض التّفصيل ... الحركيّون هم جماعة من الخونة الذين تطوّعوا في صفوف جيش الإحتلال الفرنسي وكانوا أشدّ قسوة من الفرنسسين أنفسهم على المقاومين الجزائريين ومن أبرز هؤلاء من كان يطلق عليهم تسمية الباشاغا وهي تسمية مركّبة من كلمتي باشا وآغا ... ومن أشهرهم على الإطلاق بوعلاّم باشاغا الذي قاد بنفسه عمليات رهيبة إستهدفت المجاهدين الجزائريين وأفنى منهم الآلاف وهو سعيد بفعله ، وقد ألّف كتبا كثيرة يمجّد فيها الإستعمار الفرنسي ككتاب وطني فرنسا وكتاب الحركى في خدمة فرنسا وكتاب الجزائر دون فرنسا وهو صاحب القولة الشهيرة أمام الجنرال شارل ديغول : نحن المسلمون الفرنسيون نريد أن نكون فرنسيين ... فرنسيون نحن وفرنسيون سنبقى... ومن بين هؤلاء أيضا يبرز إسم الباشاغا بن قانة الذي إرتكب عدّة فضائع في حق المقاومة الجزائرية أبرزها قطع أذن 900 مقاتل وتسليمها لأحد جنرالات فرنسا كهدية وعربون وفاء ... ويذكر التاريخ أنه بعد إبرام إتفاقية إيفيان بين دولة الإستعمار والمقاومة الجزائرية وافقت فرنسا على تجريد جميع الحركيّين من أسلحتهم وجرى تسريحهم من الجيش الفرنسي ، بل وأكثر من ذلك فقد منع أغلبهم من مغادرة الجزائر والإلتحاق بفرنسا ، إذ أصدر وزير الحرب الفرنسي بيير مسمر بتاريخ 12 ماي 1962 تعليمات صارمة تقضي بمنع الحركيّين الجزائريين من الوصول الى البرّ الفرنسي ، وتبعه في هذا المنهج وزير الدولة المكلف بالشؤون الجزائرية لوي جوكس الذي أرسل بتاريخ السادس عشر من الشهر نفسه برقية طالبت بإنزال العقوبات بكل من يسهل إنتقال الحركيين إلى فرنسا... وبذلك لم يتمكن من الهرب والنجاة سوى 10% من الحركيين أمّا الباقون فقد تركوا ليواجهوا مصيرهم مع عائلاتهم وكانت النتيجة قتل أكثر من ستين ألف منهم على أيدي الثوّار ... وهذه الحكاية ليست إستثناءا جزائريّا وإنما هي نموذج لحكايات ممثالة حصلت وتحصل في مختلف البلاد العربية ... إذ تقول كتب التاريخ إنّه أثناء الحملة الفرنسية على مصر كتب الجنرال جاك فرانسوا مينو رسالة إلى نابليون بونابرت يقول فيها : إنى وجدت رجلا ذا دراية ومعرفة واسعة وهو الذي يؤدى لنا خدمات باهرة منها تعزيز قوة الجيش الفرنسي بجنود إضافية من القبط لمساعدتنا ... ولم يكن ذلك الرّجل في الحقيقة إلاّ أحد المصريين الملقّب بالمعلّم يعقوب والذي قاد بنفسه فصيلة من الجيش الفرنسي المكلف بهذه الحملة ضد قوة مملوكية في أسيوط واستطاع أن يحقق الانتصار ويهزم المماليك... ومع فشل الحملة العسكرية الفرنسية على مصر قرّر المعلّم يعقوب المغادرة صحبة الجيش الفرنسي فأستقلّ سفينة حربية قاصدا فرنسا ، وفي طريقه أصيب بالحمي والإسهال الحاد فمات وتولّى الفرنسيون إلقاء جثّته في البحر فكان طعاما لذيذا للأسماك ... الغريب في الموضوع أنّ بلادنا اليوم أصبحت تعجّ بالحركيّين ، وأصبح نسل المعلّم يعقوب منتشرا بكثافة في المدن والأرياف والقرى والبساتين ، ولم يعد الخائن يخشى إنتقام الشرفاء والوطنيين ، فمن يتجرّأ على فضح هؤلاء الخونة الملاعين يكون مصيره مجهولا وحياته مهدّدة في كلّ لحظة وحين ...