كان من أخطر وسائل التعذيب أيام صلاح الدين الأيوبي أن يؤتى بالرجل فيحلق رأسه وتوضع فوقه الخنافس ثمّ يشدّ عليها بقرمزيّة ، فيعترف الرجل فورا حتى ولو لم يكن مذنبا لأنه لا يطيق الصبر على وجود الخنافس فوق رأسه ساعة واحدة خوفا من أن تثقب دماغه ... المعروف أنّ بعض الأنواع من الخنافس تعتبر آفات زراعية تلحق الأذى بالنبات وبالمحصول على حد سواء ، فخنفساء سوسة القطن الأمريكية تلتهم براعم القطن والزهور، محدثة أضرارا فادحة على الصعيد الزراعي ، وخنفساء البطاطا تلتهم براعمها وأوراقها فتفسد المحصول ، وسوسة النخيل الحمراء تعيش في جذع شجرة النخيل وتتخذها مسكنا ومعيل، فتضع بيوضها التي سرعان ما تفقص ، وتبدأ في التحرك داخل لب النخلة محدثة فيه جحور كثيرة قد تؤدي لهلاك النخلة، وخنفساء خلايا النحل تستوطن في الخلية وتفسد العسل وتتسبب في هروب جماعي لسكان المستوطنة ... طبعا لسائل أن يسأل ما علاقة هذا بحديثنا اليوم ؟؟؟ وهل ضاقت المواضيع وأنعدمت المشاغل وحسمت المشاكل حتى نتحدّث عن الحشرات ؟؟؟ وهو سؤال في محلّه تماما لأنّ إهتمامات الناس في هذه الأيام أعمق من مجرّد أحاديث ليس لها معنى ولا تقدّم الأجوبة الحقيقية للمشاكل التي يواجهونها في حياتهم اليومية ... ولكني أقول : صبرا جميلا فللحديث معنى ومغزى ... فالخنفساء كما تعلمون كائن بغيض وكريه وهي تنفر من ريح المسك والورد والياسمين ، وإذا شمت الرائحة الطيبة نفرت وغادرت المكان فورا ، وهي في تفسير الأحلام إنسان قذر، والخنفس الذكر يدل على خادم الأشرار أمّا الأنثى فدالة على الموت والإندثار ... بينما كنت أقرأ هذا وغيره تذكّرت قصّة القائد العسكري المصري علي يوسف الملقّب بخنفُس باشا ودوره الخياني في معركة التلّ الكبير التي أفضت الى إحتلال مصر من طرف الأنجليز .... كان قائدا في الجيش ومحلّ ثقة أحمد عرابي ولكنه مع ذلك كان مفسدا ومخرّبا وخائنا ، ولذلك وقعت تسميته بخُنفس فقد إقتدى بالخنافس وتقمّص دورها البائس ... يا سبحان الله ... لم يجد المصريون تسمية تنطبق على هذا النوع من البشر غير تلك التسمية ... لم يشبّهوه بالكلاب أو الضباع لأنها في إعتقادهم أرقى من أن تكون محلاّ للتشبيه بذلك القائد السّفيه ... بل كان التشبيه حصريّا بالخنافس وكان في الحقيقة تشبيها ليس له نظير أو منافس ... تمتلك الخنافس إستراتيجية دفاعية تمكّنها من تجنّب أعدائها وهي تشمل التمويه والتقليد باستخدام الألوان والتماثل مع البيئة، فتبدو مثلا كقطعة خشب مهملة ، أو كجزء من الشجرة فيصعب على العين ملاحظتها وإكتشاف وجودها... ولقائل أن يقول إنّ إستراتيجية التمويه والتخفّي ليست حكرا على الخنافس إذ تعرف الحرباء أكثر من غيرها بهذه الإستراتجية ، فلماذا لم يسمّي المصريون ذلك الخائن بالحرباء مثلا ؟؟؟ الحرباء أيها السادة لا تفسد زرعا ولا تدمّر محصولا وإنما جعلها الله بلاءا للحشرات التي تعتبر بالنسبة للحرباء من أفضل المأكولات ... ومرّة أخرى يثبت المصريون أنهم كانوا على غاية من الدقّة في إختيار لقب مناسب لذلك القائد العسكري الخائب الذي إمتهن التخريب وتسبب في الكوارث والمصائب ... وفي بلادنا الآن ، في هذا الزّمان ، رهط شبيه بالخنافس يحمل أخلاقها فيميل طبعه الى ممارسة العيوب والنقائص ... تسعده النذالة لأن منها يستمدّ وجوده والخصائص ، وتحزنه مكارم الأخلاق والشهامة إذ لا يستطيع أن يكون سعيدا في مجتمع تحكمه قيم المبادئ ومنهج الإلتزام والسلامة ... فقولي معي يرحمكم الله : لعنة الله على الخنافس في هذا المجتمع البائس ...