من المعلوم لدى الجميع أن الإسلاميين لم يشاركوا بقوة في ثورة الخامس والعشرين من يناير، إلا بعدما علموا يقيناً أن الثورة حقيقية، وشعروا بضعف النظام، وقرب رحيله، لأن ورقته أصبحت محروقة، والثوار مصممون على تنفيذ مطالبهم مهما كان الثمن. ليس كراهية في الإسلاميين، فأنا مسلم، وأعتز بديني، وأرفع شعار «الإسلام ديني، ومحمد رسولي، والقرآن دستوري»، وأحترم كل المصريين على اختلاف توجهاتهم، ولكني مستقل، ولا أنتمي إلى أي من الجماعات الإسلامية، ولا الأحزاب السياسية. طالبت أثناء عهد الرئيس المخلوع أن يكون للإخوان المسلمين حزب كغيرهم من السياسيين، لأن هذا حقهم الشرعي والدستوري، فلابد أن يكون المصريون سواء في المواطنة، لا فرق بينهم لعقيدة أو مذهب أو انتماء، لكنني لم أفكر ولم أحاول أن أنتمي إليهم ولا إلى غيرهم، لأنني أفضل أن أكون مصرياً مستقلاً، لا أنفذ أجندات داخلية أو خارجية، وأحب أن يكون رأيي من تلقاء نفسي، ولا يجبرني أحد على فعل شيء لا أرتضيه. قال الشعب كلمته في انتخابات مجلس الشعب، ومنح الإسلاميين ثقته، على الرغم من أنه يعلم أن الإخوان لم يشاركوا في الثورة إلا على استحياء، والسلفيين رفضوا المشاركة فيها، بحجة أن الخروج على الحاكم غير جائز شرعاً!. على الرغم من أن الإخوان والسلفيين كانوا دائماً في حالة تنافر شديدة وواضحة للعيان، ولم يجتمعوا على كلمة سواء، إلا أن السياسة جمعتهم، ووحدت صفوفهم، لأن رغبتهم كانت واحدة؛ وهي الوصول إلى كرسي السلطة. سواء كانت الانتخابات صحيحة مئة في المئة، أو حدث فيها تزوير، كما يظن البعض، بأن هناك صفقة جرت في الخفاء بين الإخوان والسلفيين وبين المجلس العسكري، ليضمن قادته عدم ملاحقتهم قانونياً بعد تخليهم عن السلطة، إلا أن هذا لا يهمنا كثيراً، لأننا لم ولن نفرط في حقنا وحق أبنائنا، وكل من أخطأ في حقنا سنحاسبه، شاء من شاء وأبى من أبى، ولن يستطيع أحد أن يثنينا عن القصاص. ارتضينا بنتيجة الاقتراع، ولم نشكك فيها، وباركنا لمن حالفه الحظ، وواسينا من لم يحالفه الحظ، على الرغم من أن وصول الإسلاميين بهذا الكم الهائل إلى البرلمان، كان في السابق حلماً بعيد المنال، والآن من حقهم أن يشكلوا الحكومة. الثوار، الذين أشعلوا فتيل الثورة، وعرَّضوا أنفسهم للخطر، من أجل مصر، لم يحالفهم الحظ في الدخول إلى البرلمان، لأنهم غير معروفين، لعدم انتمائهم لأي فصيل إسلامي أو حزب سياسي، وليست لهم قاعدة جماهيرية، والكثير منهم لم يفكر في أية مصلحة شخصية، وهمه الأكبر هو تحرير مصر من الطاغية والوصول بها إلى بر الأمان. سلَّمنا مصر للإسلاميين، ووضعناها أمانة في أعناقهم، وهذه تجربة فريدة من نوعها، حصلوا عليها دون مشقة أو عناء، ونتمنى أن تنجح، وأن يكونوا عند حسن ظننا بهم. وعليهم أن يعلموا أنها امتحان لهم من الله، ثم من المواطنين، فإن استغلوها الاستغلال الصحيح، وقاموا بتنفيذ مطالب الثورة، آزرناهم، ووقفنا بجانبهم، ولم نتخل عنهم. أما إذا جلسوا على مقاعدهم، دون جديد، كما كان يحدث في السابق، فلن نسامحهم أو نتركهم يهنأون بها كثيراً، لأننا قمنا بثورة من أجل التغيير، وليس التسليم بالواقع الأليم. محمد أحمد عزوز كاتب مصري