حلمت بأني أركب علي ظهر طائر أسود غريب الملامح ,لم أري مثله من قبل ,يحوطه الظلام فلا أكاد أري الي أين يمتد جناحيه ,صوته أيها اليوم ,ابقي ولكن لا تدم طويلا جدا ,فربما لنا في الغد ما يشبه روحك الطيبة ,فتطيب الحياة لنا مرارا وتكرارا. كالإنذار يحذر كل ما يقف في طريقه,سرعته كالبرق لا ينظر حوله وكأنه متأكد من وجهته,كتوم لا ينظرلي أو يتحدث معي ,لا يشبهني ولا أشبهه بشئ سوي أني أملَه حينا وملَ مني هو الآخرحينا,حتي أني أخذت أصرخ في هذا الحلم المزعج ,أهو حلمي أم أني بداخل عقل هذا الطائر الموحش ,ولكني سرعان ما استسلمت لطالما هذه الرحلة إجبارية ,سأحاول أن أكتشف الطريق وحدي وأنا أستمتع بهذا الفضاء من حولي ,فقد كانت النجوم تبدو أكبر حتي أني لم أستطع أن أرتبها وأكون منها تلك الكوكبات المشهورة التي كنت أستطيع أن أتعرف عليها بسهولة من علي سطح بيتي وأرتبها شمالا وجنوبا, كانت هذه الليله ليلة تمام للقمر لذا لم تستطع ضخامة النجم من أن تسرق من القمر هيبته ,فقد كان يبدو كرجل مسن لم يترك الزمن له سوي الشعر الأبيض ,جباله تكومت في جانبيه وكأنها عينان يحرس بهما هذا الفضاء ويتحكم بكل شئ,كانت سلطته تفرض نفسها علي الكون بأكمله ,ولكنها لم تكن تكفي لايقاف هذا الطائر. كانت الأمور أغرب مما توقعت ,ففي هذا المكان المطلق لا أشعر الا بالعجز,عقلة اصبع ملفوف بتلك الأسرار وحده .لاخلاص له سوي محاولة السقوط من علي سطح هذا الطائر ,لذا حاولت الوقوف علي ظهره وأخذت أغني الأغنيه التي علمتني اياها أمي وأنا صغير ,مهدئا نفسي : "حين تخاف ,اغمض عينيك وخبئ النجوم بين كفيك مهما كبر هذا العالم في عينيك فالآن هو صار بين يديك " حين انتهيت من تمتماتي تمنت بداخلي أن ينتهي كل شئ قبل أن أنتهي أنا ,ولكن مطبات الهواء الساخنة التي احتككت بها أثناء سقوطي كانت هي الخط الفاصل بين الواقع والأماني الكاذبة ,بل بين عقلة الاصبع وهذا الرماد الذي تحولت اليه _من شده السخونة _ . كان القدر بطيئا ,ولكنه كان بصفي في النهاية ,فقد أوصلني لسطح محيط ,سرعان ما انتشرت عليه واختلطت بأشعة الشمس المنعكسة فكنت مبهجا ,فرحا ,أشاركه ألوانه السبعة ,حتي أتت موجة غاصت بي في ظلمة المحيط وبرودته ,وهكذا مضي الطائر الي قدره وأنا الي أجلي المكتوب . في تلك اللحظة كل ذرة مني صارت تائهة ,مششتة,بعضي يظن بأنه قد لقي مصيره النهائي ,والجزء الآخر يردد انها بالتأكيد ليست أنفاسه الأخيرة . ربما هو الايمان أو ربما هو الخوف من المجهول ,فهل نستقبله بالمغناطيس الحزين بداخلنا ,لنجد أننا علقنا بين ظلام الماضي ومخاوف المستقبل ,أم نستقبله بأملنا وايماننا والعقل الراسخ في قلوبنا منتظرين الوقت المناسب لوقوعه فلا نتعجل الاشياء؟. فيا أيها القدر ,لتدق أبوابنا ببطئ لعلنا نستطيع أن ندرك ما يحدث لنا ,فلا ننبهر ولا نقلل من شئ فتزيد خيباتنا. ويا أيتها الحياه ,لقد أقمنا فيكي عمرا أكثر مما كتب لنا ,حين دق الحزن أبوابنا كان يومه كمائة عام ,فلتأخذي منه قليلا علَ يقل عمره ,وان يوم فرحنا كان يمضي كساعة ,فلتتركيه قليلا علنا نكمل ما كتب لنا من أيامه . أيها الغد ,لا تأتي الآن فان مازال لنا في اليوم الكثير من الاحلام التي لم نكتشفها بعد ,وكثير من الابتسامات التي لم نوزعها ,والكثير في الحياة لم نجربه بعد ,فنختار منه ما نحبه ونقربه منك . أيها اليوم ,ابقي ولكن لا تدم طويلا جدا ,فربما لنا في الغد ما يشبه روحك الطيبة ,فتطيب الحياة لنا مرارا وتكرارا.