عام من الحزن النبيل على أرواح شهدائنا الشباب الذين أسقطتهم بيد الغدر مضرجين بدمائهم، لكنه رغم هذا عام من الفرح العميم، يغمر الربوع والنفوس بغير وجوه كئيبة جثمت على نفوسنا وعقولنا وقلوبنا ثلاثين سنة قاحلة أو تزيد .. تحلُّ الذكرى الأولى لثورة الحرية وقد انتعشت أرواح الشهداء مع أول نسمة لفجر هذا اليوم المجيد تصافح وجوه الجماهير في ميادان التحرير فوق ربوع مصر العزيزة. كيف يمتزج الفرح بالحزن بمطلب الحرية والعدالة، بدماء الشباب بإصرارهم، بالرغبة في الحياة بالأمل ؟ .. إنها الخلطة السحرية التي تؤكد روعة هذا الشعب الصابر النبيل وهو يتحدى بعد طول صبر آخر الفراعين وأول الأغبياء الذين حكموا هذا الشعب دون أن يكون معنياً بفهمه أو احترامه. أي موسم أعظم من موسم بغير وجه حسني مبارك ؟ وأي بهجة أكثر من بهجة القصاص من مصاص دماء الشعب؟ وأي مناسبة أجمل من مناسبة سقوط الدكتاتور البغيض؟ فلتفرحوا أيها الشباب، ولتقيموا في ميادينكم منصات للحرية، ولترفعوا أعلام النصر، والنصب التذكاري لمن سقط منكم شهيد الحرية وشهيد الحياة، فلا حياة بغير حرية ، ولا حرية بغير دماء في زمن الأغبياء، الذين لا يزالون يتباكون على كبيرهم الذي هشمت الثورة أنفه، وأسقطت عتاة نظامه.. أقيموا محاكماتكم الرمزية لكل أساطين الغشم السياسي، وأباطرة تهريب الأموال، وبلاطجة التزوير .. علقوا رؤوسهم في المشانق، واهتفوا تحت الدمى، يهتز فرحاً تحت أرجلكم تراب هذا الوطن العزيز ويزهر اللوتس على شاطئي النيل الجميل.. قدموا للعالم روعة هذا الشعب مجسدة في أدبيات ثورته، وفنونها، ورمزيتها وروحها المَوَّارة، وإصرار ثوارها على الحياة بغير كآبة الوجوه التي جللت وجه الحياة بعار التراجع في كل ميادين الحياة ، وبذل الخضوع للصهيونية البغيضة التي تستكثر عليكم نسائم هواء بلادكم.. امضوا إلى ساحاتكم فأنتم الأعلون بغير فسيل بغيض يرثكم، وبغير "سرور" قبيح يشعل غضبكم فوق منصة مجلس الباطل، وبغير "نظيف" تعافه النظافة، وبغير "عادلي" يعافه العدل ويعشقه الحمق.. امضوا مع نبل غايتكم يد الله فوق أيديكم. عجبت كل العجب من أشخاص يتحدثون على الفضائيات بأصوات تنم عن بلادة المشاعر، وبلغة تنم عن الحذلقة وادعاء التعقل، يلومون على شباب الحرية أنهم أقاموا محاكمة رمزية لأساطين الغباء السياسي الذين أهانوا كرامتنا وسفكوا دمائنا وشفطوا أموالنا وفزَّعوا أرواحنا وتعاضدوا مع أعدائنا وظنونا عقارا يمكن أن يرثه أبناؤهم، وظنونا جبناء يخيفوننا ببلاطجتهم وأسلحتهم التي اشتروها بأموالنا ، وظنونا بغير عقولنا نمضي مستسلمين لصفعة المغيب الذي حددوه لنا تحت تراب وطننا. واليقين عندي أن مثل هذه الأصوات النشاز لا تفهم نفسية الشعب المصري، ولم تقرأ من الواقع شيئاً، غير أنها أصوات بليدة مشمولة بغباء النظام السابق وبلادته ، ذلك النظام الذي لم يكن ينتج للحياة سوى نتاجٍ ماسخٍ غبي مثل هذه الأصوات النشاز تماماً. نحن شعب لا نفرح أو نحزن بغير تعبيرات رمزية ، ولقد مات فينا الشر، وسرت دماء جديدة للحياة في عروقنا بعد ثلاثين عاماً من رماد ، فلماذا تستكثرون علينا أن نحاكم الشر في مياديننا، وأن نقيم محفلة على دمى الأشرار؟.. نحن أحرار في مياديننا وفي دمائنا وفي اختيار الطريقة التي نعبر بها عن أفراحنا ، وامضوا أنتم إلى سجون أصنامكم فاعبدوها كيفما شئتم، ولتقفوا أمام أكاديمية الشرطة كيفما شاء لكم الوقوف، ولتهتفوا حتى تتعب حناجركم: (يا تحرير استنى شوية البراءة جاية جاية).. أيها الأغبياء ، التحرير لا ينتظر الغباء، والحرية لا تصافح غير الشرفاء، نحن أبرياء منكم، ومن ألسنتكم التي تلعق دماء الشهداء التي سالت على تربة هذا الوطن.. امضوا في صياحكم النشاز، لن يموت الشعب من أجل حفنة أشراركم، ولن تموت العدالة في مصر أبداً. لسنا بحاجة في لحظة الفرح لمن يعلمنا كيف نفرح، ولسنا بحاجة في حالة الحزن لمن يعلمنا كيف نحزن .. لقد كان النظام السابق بمثل غبائكم عندما افترض أننا بغير دماء حرة، وأننا بغير ثقافة كافية لممارسة الحياة بكل أفراحها وأتراحها، وافترض أننا بحاجة إلى لغة متحذلقة يلوكها أغبياء النظام .. وها أنتم في لحظة الفرحة تكررون نفس الغباء .. ماذا قرأتم من الواقع والتاريخ؟ .. ألم تفهموا بعد أننا شعب له حق الحياة، وله تاريخه الثقافي الفريد، وله طرقه في التعبير عن مشاعره.. ألم تكفكم ثلاثون عاماً من وأد الفرحة في النفوس ؟! .. امضوا إلى منفاكم التاريخي، إلى موات أبدي ، إلى سيرة في سواد الليل، امضوا أيها الأغبياء، ودعوا هذا الشعب يفرح بغير وجوهكم. [email protected]