به تُبنى قصائد في الحسن الفائق .. مغزول من الغزل اللائق .. وأحاسيس حقائق .. ومشاعر رقائق .. الرحيل فيه مضائق .. يفهمه من كان لها ذائق .. ذاك هو الهوى الشائق .. لقاء تاريخي جمع ابن رشد و ابن عربي في قرطبة بالأندلس .. لقاء بين قمتين من قمم الفلاسفة انتهى باصفرار وجه ابن رشد .. اصفر وجه ابن رشد بعدما أجاب ابن عربي سؤاله الذي سجله مع إجابته في كتابه الفتوحات المكية بجزءه الأول قائلا: سألني ابن رشد كيف وجدتم الأمر في الكشف والفيض الإلهي هل هو ما أعطاه لنا النظر ؟ فقلت نعم ولا وبين نعم ولا تطير الأرواح من موادها، والأعناق من أجسادها، فاصفر لون ابن رشد. وإن كان الشُراح تناولوا معاني الإجابة إلا أنهم لم يقدموا تفسيرا لهذا الاصفرار .. ذلك لتقسيمهم الفلاسفة تقسيما لا أراه صحيح .. فمازلت أرى الفلاسفة قسمين .. قسم فلاسفة الحقيقة و الثاني فلاسفة العقل .. وابن رشد كسقراط وأفلاطون وأرسطو اعتمد في فلسفته على العقل والعقل اعتمد على الحواس .. أما ابن عربي كالحلاج ورابعة العدوية وأبو الحسن الشاذلي وعبد السلام الأسمر اعتمد في فلسفته على الحقيقة .. والحقيقة تعتمد على المكاشفة في عالم الروح عالم الغيب .. وحين تصل المكاشفة العقل ترتعد لها الحواس وتصفر من جلالها وعِظَمها الوجوه .. لذا اصفر وجه ابن رشد أحد فلاسفة العقل الأفذاذ .. والإمام الأكبر محي الدين ابن عربي كفيلسوف من فلاسفة الحقيقة قدم ما زاد على أربعمائة مؤلف أصبحوا منبرا بارزا عند أهل السنة .. وباتوا محطة أساسية عند الشيعة .. إلا أن كتابه ( ترجمان الأشواق ) اختلف عنهم جميعا .. فقد حمل خصوصية الإنسان الذي عاش بحبه الإلهي حتى نزل مكةالمكرمة في الأربعين من عمره ليجد صنفا آخر من حب بَشري ذاقه حين رأى الفتاة الفارسية ( نظام ) ابنه الشيخ أبو شجاع الأصفهاني أحد أكبر علماء الحديث .. وهي شاعرة متمكنة .. وأديبة فصيحة .. وعالمة متفردة .. ومع تكرار زياراته والدها تكررت رؤيتها .. فتعددت فيها الأبيات حتى صارت ديوان كامل اسماه ترجمان الأشواق .. صاغه في فتاته نظام التى قدمها قائلا: بنت عذراء .. طفيلةٌ هيفاءُ .. تقيِّد النظر وتزيِّن المحاضِر والمحاضر .. وتحير المناظر .. تسمى بالنظام .. وتلقب بعين الشمس .. ساحرةُ الطرفِ .. إن أسهبت أتعبت .. وإن أوجزت أعجزت .. وإن أفصحت أوضحت .. شمسٌ بين العلماء .. بستان بين الأدباء .. حُقَّةٌ مختومة .. واسطة عقدٍ منظومة .. يتيمة دهرها .. كريمة عصرها .. مسكنُها جيادٌ .. وبيتها من العينِ السوادُ .. ومن الصدر الفؤاد. فأضحت نظام تسكن سواد عينه .. تقيم في صدره بفؤاده .. وقد اسماها في أبياته اسماء أخرى تحمل صفاتها .. لعل أروعها اسم حسناء .. والرائع وصفه أول لقاء بها حين قال ودون أن يدري أنها خلفه : ليت شعري هل دواى أي قلب ملكوا.. لترد عليه نظام قائلة : أتراهم سلموا أم تراهم هلكوا ؟! .. فقال : حار أرباب الهوى في الهوى وارتبكوا. من بعد رحيل حسناء من أرض مكة إلى بلاد فارس عرف ابن عربي عنوانها .. ولأنه علم أنها تقبله دون صد .. وأدرك أنها لا تقف تائهة في بلاد لم تنشأ فيها .. فتيقن أنها تنظر من بلادها إلى مستقبل لا تراه مستحيلا .. وإن كان هذا الوصف المستوحى من قلم الكاتب أمين عاكف قد خالف مستحيله.. فقد رحل إليها ابن عربي وتزوجها .. ثم ألحق ديوانه بشرح يفصح عما تحمله الأبيات من رموز وأسرار .. لكن .. يبقى السؤال .. ما السبب الذي دفع ابن عربي إلى البوح بحبه علانية في القصائد ؟ والمفترض أن علماء الدين لا ينبغي لهم ذلك .. فالعامة والمثقفون بل من العقلاء أكثر من اللازم يرون أن من تحدث في الدين وباح بحبه فأضحى صغيرا وبات بالتدين لاعبا لاهيا .. والصغير لا يسلم من الأذى .. ولا يصح أبدا أن تكون لهؤلاء مشاعر يعبروا عنها لا تصريحا ولا تلميحا .. ولا بتلك المعاني في الشعر أو القصائد .. ورغم هذا الشائع فلم أقف على شاعر من أعلام فلاسفة الحقيقة إلا وقد باح بحبه .. لذا أعلام العلماء وفلاسفة الحقيقة لم ينجوا من تهمة التكفير أو الإسائة بداية من الصحابي كعب بن زهير وشأنه مع سعاد .. مرورا ببن عربي وحسناء .. نهاية بميساء في هذا العصر .. العصر الذي أراد الله فيه أن يُرفع الغطاء للكشف عن السبب الذي دفع أعلام علماء وفلاسفة الأمة إلى البوح بحبهم علانية من خلال قصائدهم وأشعارهم .. وبإذن الله تعالى سبب بوح الشعراء يخرج من سورة الشعراء في المقال القادم .. متمنيا ربط المقالات السابقة في جميل بثينة وفي الحلاج وفي كعب بن زهير.. بهذا المقال .. محي الدين بن عربي .. ترجمان الأشواق .. باحث إسلامي علاء أبوحقه ..