إذا رميت قلبك في بحر الحب فلا تشتكي موجه ولا تئن من الغرق .. إذا كان قولي هذا في الحب معقول أو كان غير معقول .. فهل من المعقول أن يتحدث الصحابة في الحب وييوح الصحابي كعب بن زهير بحبه .. يتمادى في وصف حسن وجمال محبوبته سعاد .. مفصح أنه .. لا هو قادر على نسيانها ولا هو يستطيع البعد عن حبها .. أمام الصحابة وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قلب المسجد النبوي الشريف بأربعين بيتا هى نموذج من نماذج الأدب الرفيع .. تمنيت أن أعيشه ولو خيالا.. ولأن صفحتي هذه لاتحتمل قليل من خيال شطر واحد .. فبإيجاز الموجز أمر سريعا على ستة أبيات .. كأننا نعيش بها الموقف مع نور حضور النبي حين بدء كعب أمامه قائلا : ( بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ .. مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ ) رحلت سعاد وفارقت قلبي المتبل بها المستعبد بحبها .. فأصبحت بعدها مغلول بقيود الحب .. لا أستطيع نسيانها ولا أستطيع البعد عن حبها .. فصرت لها أسيرا لا أجد من يفك الأسر .. ( وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا .. ِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ ) رحيل سعاد قد بات يجسد الحزن والألم .. كانت أشبه بصورة الغزال .. في صوتها غُنة .. والحياء في نظرتها من تلك العين المكحولة .. (هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً .. لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ ) ممشوقة القوام عند إقبالها .. عجزاء في إدبارها .. ومعروف معنى العجز في خطاب النفس وغرائزها.. فلا طول زائد بها ولا فيها عيب القصر .. ( تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت .. كَأَنَّهُ مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلولُ ) في تبسمها تظهر أسنانها الرقيقة كأنها نهلت ماء الزهر الذي يُسكر عبيره .. ( شُجَّت بِذي شَبَمٍ مِن ماءِ مَحنِيَةٍ .. صافٍ بِأَبطَحَ أَضحى وَهُوَ مَشمولُ ) طبيعة سعاد مزجت بصفاء الماء النقي إذا انحنت على الوادي أضحى بها صافيا مشمول برياح الشمال الباردة .. ( تَجلو الرِياحُ القَذى عَنُه وَأَفرَطَهُ .. مِن صَوبِ سارِيَةٍ بيضٍ يَعاليلُ ) قدومها رياح تزيل مانكره .. تصفي الجو من سحب بيضاء رواء .. بين المعقول وبين اللامعقول كان الاختلاف في أمر الصحابي الجليل كعب بن زهير رضي الله عنه .. أصحاب فكر اللامعقول رأوا أن كعب بن زهير قد أساء .. فتركوا ما قاله في سعاد واعتمدوا فقط ما قاله في محاسن وشمائل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .. أما أصحاب فكر المعقول فقد اعتمدوا كل أقوال كعب في محاسن رسول الله وشمائله وفي محاسن سعاد وجمالها .. فقد رأوا ذات رؤية رسول الله في انصاته .. وفي تعديل بيتا من أبيات القصيدة .. ثم مكافأة كعب بن زهير بإلقاء النبي بردته الشريفة عليه أثناء إلقاءها .. وتلك حكمة رسول الله .. أما كعب فلديه السبب .. السبب الدافع إلى إلقاء قصيدة باح فيها بحبه علانية .. وذلك السبب هو هو نفس السبب الدافع أعلام علماء وفلاسفة الأمة إلى البوح بحبهم في قصائدهم من بعد البوردة الشريفة إيمانا بالله .. و في نموذج آخر من أجل الوصول إلى ذروة الإيمان أتناول بإذن الله تعالى في المقال القادم أمر حسناء عند الإمام الأكبر محي الدين بن عربي .. متمنيا ربطه بالمقالات السابقة في جميل بثينة و في الحلاج وبهذا المقال .. شاعر الرسول .. الصحابي المتيم بالحب .. باحث إسلامي علاء أبوحقه ..