كلام الله الكريم أنزله سبحانه على قلب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .. ومن قلب رسول الله إلى قلوب منها نما وجدان ملأ الصدور حولها بأسمي صور المشاعر .. وأرق الأحاسيس الإنسانية .. وفي صورة من صور الجمال خرجت من قلب كعب ابن زهير أبيات لامست قلب النبي .. ليري بقلبه الشريف ويبصر بنور الله صور جمال يتوالي بيتا يرتقي ببيتا بناه كعب سموا إلى ذروة مشاعر ألقي بها خير خلق الله بردته الشريفة عطاءا وتكريما وتشريفا لكعب بن زهير .. ولهذا التشريف فقد نسبت قصيدته اللامية إلى البردة الشريفة .. ليشتهر الصحابي بقصيدة البردة .. ليظل بها كعب نموذج أضحت به أعظم القصائد تنسب نفسها تشريفا إلى لفظ البردة .. وهي أعظم قصيدة في مدح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .. وعليها أصبحت القصائد في الإسلام منذ ذلك الوقت تبدأ بذكر المحبوبة تعبيرا عن سمو المشاعر ورقي الأحاسبس الإنسانية الإسلامية .. عملا بإقرار النبي .. و امتثالا بالصحابي الجليل كعب بن زهير رضي الله عنه .. والذي جسد في قصيدته صدي فراق محبوبته سعاد في أبيات توالت في وصف جمالها وبيان محاسنها .. بدئها بقوله : بانَتْ سُعادُ فَقَلْبي اليَوْمَ مَتْبولُ .. مُتَيَّمٌ إثْرَها لم يُفَدْ مَكْبولُ .. وَمَا سُعَادُ غَداةَ البَيْن إِذْ رَحَلوا .. إِلاّ أَغَنُّ غضيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ .. ولما كان القلب بيت الحب ومنه نما الوجدان .. فأصبح كل ما يلمس القلب يهيم به الوجدان .. ليكون اللسان ترجمانا للقلب تعبيرا عن ذلك الوجدان بالحب في مراتبه السبع .. الهوى فالصبابة فالغرام فالمودة فالشغف فالعبودية ثم الخلة .. مراتب تجسد معاني الحب في أحواله بالشوق وبالوله وبالوجد وحتى العشق مع الوداد .. والعشق لفظ نبوي شريف قال فيه النبي عن محبوبته ( كنت لها عاشقا ) .. وفي اللفظ أوجز النبي معاني العشق السامية في أم المؤمنين الرائعة الجمال السيدة خديدة رضي الله عنها .. ليصفها النبي في ذلك الحال بالنقاء وبالصفاء وبالوفاء وبالصدق وبالمواساة وبالطهارة .. وبجمال هذه الصفات الروحية وغيرها مما أودعه الله في قلبها قد أحتوته عليها السلام .. واحتضنته تسكن قلبه بالوداد المستكين في وجدانها حتي ذهبت به إلى ابن خالتها ورقة بن نوفل حين نزول الوحي لأول مرة .. لتظل عليها السلام بالوداد وهو الثبات على الحب تفديه بنفسها ومالها من كل صخب تحدثه أصوات سيوف قريش .. وهي تتفزع عليها السلام بذلك الصخب سنوات ثلاث ترتمي فيها على رسول الله فداءا له وقت الضعف حين تنصب قريش الحرب بذلك الصخب عند شعب أبي طالب لقتله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .. لتظل في ذلك الحال المفزع حتى لقت ربها ليعوضها سبحانه ببيت في الجنة من لؤلؤ لا صخب فيه ولا نصب .. ليوجز النبي كل ما في قلبه لها بقوله الشريف: ( كنت لها عاشقا ) .. وفي هذه الكلمة الشريفة يكتب كتاب في معاني العشق النابعة من وداد القلب .. وفي الشغف جائت الكلمات الإلهية تصف حال زليخة عليها السلام حين شغفها يوسف عليه السلام حبا .. ولما كان الشغف إفراط في الحب تعدي مرحلة التحكم في الحواس الخمس والمسيطر عليها في مرحلة الوداد .. فأضحي سلوك المشغوف خارج السيطرة .. وحين غلف ذلك الغشاء الرقيق غشاء الشغف قلب زليخة عليها السلام فلم ترى شيئا خارجه .. لتظل ترى فقط يوسف داخل قلبها .. فقد غشاها عن غيره .. لا تعي شيئا خارجه إلا يوسف فاسمت كل شيء تراه يوسف حتى كُف بصرها .. ولعل في قصة سيدنا داود عليه السلام مثلا قرآنيا لما حاك في صدره عليه السلام ناحية المرأة الفائقة الجمال.. ولها بكي أربعين ليلة نما العشب فيها من بكائه حين ظن أن ذلك خطايا .. فقد مَنَ الله عليه بها .. ومنها كان سيدنا سليمان عليه السلام .. فقد حمل الكتاب آيات محكمات .. لنتفكر ولنتدبر .. لعلنا ندرك أن الأديان والإسلام وجدان .. ولأن الإسلام وجدان فقد أظهر الصحابي كعب بن زهير سموة الوجداني .. حين أفصح عما في قلبه بأبيات توالت في تأكيد سلامة وجدان دخل به الإسلام بكل أحاسيس راقية ومشاعر إنسانية سامية .. ولسلامة هذا الوجدان ألقي عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بردته الشريفة تعبيرا عن أن الإسلام وجدان .. وتلك كانت الحكمة من إلقاء البردة .. لكعب ابن زهير .. باحث إسلامي علاء أبوحقه