( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) ( القصص: 5 و6 ). أخشى ما أخافه الأيام القادمة أن يتلبس الإخوان المسلمين وكل من ينتمي إلى الجماعات الدينية وهم العظمة ، ويأخذوا من الآية دليلاً على أنهم صبروا فأُعطوا ، وعُذبوا وضحوا فكافأهم الله سبحانه بالفرج ، والتمكين بعد التعذيب والاضطهاد . الآية نزلت في يهود مصر الذين أرسل الله إليهم موسى عليه السلام ليخلصهم من بطش فرعون وأذنابه ، وإذا قارنا ما كان يفعله فرعون في المصريين قبل مجئ موسى بما فعله النظام المصري منذ المتأله جمال عبد الناصر والمخلوع مبارك لربما أمكننا أن نتلمس التشابه الكبير بين الحالتين ، فقد مارس عبد الناصر أبشع أنواع الإجرام في أناس تحالف معهم قبل أن يتقلد الحكم ، ثم سعى للخلاص منهم والتنكيل بهم خوفا من أن يسلبوه ما وصل إليه بالخديعة والأساليب الملتوية حتى أنه تخلص من أصحابه أنفسهم الواحد تلو الآخر ، ثم جاء المخلوع ليدير حلبة السيرك طوال 30 عاما ، ويستخدم الجماعات الإسلامية كفزاعة للمصريين والغرب ، ويخوف الجميع من شرورهم ، وساعده الإعلام وكلاب الدولة في ذلك فصوروا كل من يصلي على أنهم شر أنجاس الأرض ، واستباحوا لأنفسهم تعذيبهم ، وانتهاك أعراضهم واغتصاب نسائهم ، وحرمانهم من كل مظاهر الحياة ، بل وخوفوا الناس من مجرد التوصية على أحد منهم بالرأفة والرحمة فمصيره سيكون مثلهم مهما كان منصبه . أما فرعون وتعذيبه لليهود وقتلهم فيرجع إلى حلم رآه بزوال ملكه على يد مولود منهم فأشار عليه معاونوه بقتل المواليد الذكور ، وعندما نفذ وصيتهم قال له بعضهم إن نسل اليهود سينقطع ولن يجدوا عبيداً يعملون بالسخرة فأصدر قراراً بأن يكون الذبح عاماً بعد عام ، وشاءت أقدار الله أن يولد هارون في العام المعفي عنه ويولد موسى في العام التالي ، وإذا كنا نحاول تصوير حالة الخوف التي صدرها فرعون إلى اليهود ، وقتها فليس أدل من حال أم موسى عليه السلام ، فقد أوحى الله إليها ( أن أرضعيه ) في السر ، فإذا خافت عليه من جنود فرعون فلتلقه بالبحر والله سبحانه سيتكفل أمره ، وعندما جاء الجنود في إحدى الليالي يفتشون عن الأطفال خافت أم موسى واشتد خوفها فلم تدر بنفسها وهي تلقي بموسى في تنور البيت ( الفرن ) ، ثم تداركت الخطأ بعد أن حفظه الله من النار، وعادت فألقته كما أمرها سبحانه في النيل ، وقلبها يدمى من الحزن. لقد جاءت نهاية فرعون مما كان يحذره ، طفل من بني إسرائيل ، فشاء الله أن يتربى الطفل نفسه في كنفه ويكبر أمام عينيه ثم تكون نهايته على يديه حتى يشعر بالحسرة المركبة ، تماماً كمبارك الذي اعتقد أن شباب مصر صاروا مخنثين ، ولم يعد فيهم نخوة تدفعهم للثورة ، وظل بإعلامه يغذي فيهم التخنث بكل أشكاله ، ثم يشاء الله فتكون نهايته على أيديهم سواء بسواء . نعود إلى الإخوان المسلمين والجماعات الدينية لأقول إنهم لا شك شعروا بالآية وتصوروها بين أنفسهم ، ولا ريب أن الشيطان لعب برأس بعضهم فزين لهم أن الأرض دانت لهم بعد غياب ، وأن الزمان سيعود لحضن الغرباء كما بدأ ، وهنا تكمن المشكلة فيهود بني إسرائيل ما إن جفت أقدامهم من البحر حتى صدموا نبيهم : ( اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ) ، ولست أقصد في التشبيه المعنى الحرفي للأحداث ، لكني أخشى أن يتجه الإخوان ومن معهم إلى توافه الأمور ، ويتركوا المعضلات الرئيسية ظناً منهم أن الله سبحانه لن يكون معهم إلا إذا حاربوا تلك الأشياء التي نعلمها أولاً ، رغم أن أبي الهول والأهرامات شهود على أن عمرو بن العاص تركهم وراءه ليهتم بإصلاح مصر ككل أولاً . لا أريد أن اكرر الإشارة الدائمة إلى أحوال البعض بعد أن ينصرهم الله كما حدث في أفغانستان بعد إذلال الدب الروسي على أيدي المجاهدين ، وما حدث من قتال بين عبد رب الرسول سياف وأصدقائه بعدها ، فأنا لا أتوقع أن يكون الإخوان ومن معهم من الجماعات الأخرى بهذا الغباء الذي يجعلهم لا يستفيدون من أخطاء غيرهم ، ويهدروا فرصة لن تسنح لهم بعد ذلك أبداً أن يرسموا صورة أكثر رقياً للإسلام عندما يحكم ، وأن يتفرغوا بالفعل لحل مشاكل الناس المزمنة بدلاً من الرد على كل ما يثار في الإعلام والصحف . أتمنى أن يردوا بأفعالهم لا بأقوالهم، وأن يُروا فرعون وهامان وأذنابهما منهم عقلاً ناضجاً وقدرة على الفعل الصحيح.. أتمنى . إعلامي وصحفي [email protected]