محمود محيي الدين: نجاح الإصلاح الاقتصادي بقوة الجنيه في جيب المواطن    وزير الخارجية الأمريكي: واشنطن ترفض بشدة خطة ماكرون للاعتراف بدولة فلسطينية    تايلاند: أكثر من 100 ألف مدني فروا جراء الاشتباكات مع كمبوديا    «مأساة نص الليل».. وفاة أم وابنتها وإصابة أولادها ال 3 انقلبت بهم السيارة في ترعة بالبحيرة (أسماء)    الهلال الأحمر يعلن رفع قدرات تشغيل المراكز اللوجيستية لأعلى مستوياتها    نتنياهو يتحدث عن وكيل إيراني آخر وإبادة إسرائيل.. ما القصة؟    طلاق مكلف وتعويض قضية ينقذه، كم تبلغ ثروة أسطورة المصارعة هالك هوجان؟    رسميا.. قائمة بالجامعات الأهلية والخاصة 2025 في مصر (الشروط والمصاريف ونظام التقسيط)    هل الجوافة تسبب الإمساك؟ الحقيقة بين الفوائد والأضرار    لحماية نفسك من فقر الدم.. 6 نصائح فعالة للوقاية من الأنيميا    تدهور الحالة الصحية للكاتب صنع الله إبراهيم من جديد ودخوله الرعاية المركزة    بعد عمي تعبان.. فتوح يوضح حقيقة جديدة مثيرة للجدل "فرح أختي"    أكبر من برج بيزا، كويكب يقترب بسرعة من الأرض، وناسا تكشف تأثيره    استمرار استقبال طلاب الثانوية العامة لاختبارات العلوم الرياضية بالعريش    خالد الغندور يكشف مفاجأة بخصوص انتقال مصطفى محمد إلى الأهلي    حفل تخرج دفعة جديدة من طلاب كلية العلوم الصحية بجامعة المنوفية.. صور    إحباط محاولة تهريب 8000 لتر سولار لبيعهم في السوق السوداء بدمياط    نقابة التشكيليين تؤكد استمرار شرعية المجلس والنقيب المنتخب    الأوقاف تفتتح اليوم الجمعة 8 مساجد في 7 محافظات    "الجبهة الوطنية" ينظم مؤتمراً جماهيرياً حاشداً لدعم مرشحيه في انتخابات الشيوخ بالجيزة    وزارة الصحة تنظم اجتماعًا لمراجعة حركة النيابات وتحسين بيئة عمل الأطباء    طريقة عمل الآيس كوفي على طريقة الكافيهات    مصدر للبروتين.. 4 أسباب تدفعك لتناول بيضة على الإفطار يوميًا    سليمان وهدان: المستأجر الأصلي خط أحمر.. وقانون الإيجار القديم لم ينصف المواطن    العظمى في القاهرة 40 مئوية.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم الجمعة 25 يوليو 2025    جوجل تعوّض رجلًا التقط عاريًا على "ستريت فيو"    القبض على طرفي مشاجرة بالأسلحة البيضاء في الجيزة    تنسيق الجامعات 2025، شروط الالتحاق ببعض البرامج المميزة للعام الجامعي 2025/2026    أحمد سعد: ألبوم عمرو دياب مختلف و"قررت أشتغل في حتة لوحدي"    «هتفرج عليه للمرة الرابعة».. مي عز الدين تشيد بمسلسل «وتقابل حبيب»    ميريهان حسين على البحر وابنة عمرو دياب مع صديقها .. لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    "صيفي لسه بيبدأ".. 18 صورة ل محمد رمضان على البحر وبصحبة ابنته    سعاد صالح: القوامة ليست تشريفًا أو سيطرة وإذلال ويمكن أن تنتقل للمرأة    الخارجية الأردنية: نرحب بإعلان الرئيس الفرنسي عزمه الاعتراف بالدولة الفلسطينية    بعد تغيبه عن مباراة وي.. تصرف مفاجئ من حامد حمدان بسبب الزمالك    بعد ارتباطه بالانتقال ل الزمالك.. الرجاء المغربي يعلن تعاقده مع بلال ولد الشيخ    ترامب ينعي المصارع هوجان بعد وفاته: "صديقًا عزيزًا"    ضياء رشوان: دخول الصحفيين لغزة يعرضهم لنفس مصير 300 شهيد    إصابة 6 أفراد في مشاجرتين بالعريش والشيخ زويد    وكيل النواب السابق: المستأجر الأصلي خط أحمر.. وقانون الإيجار القديم لم ينصف المواطن    فلكيا.. مولد المولد النبوي الشريف 2025 في مصر و3 أيام إجازة رسمية للموظفين (تفاصيل)    «كان سهل منمشهوش».. تعليق مثير من خالد بيبو بشأن تصرف الأهلي مع وسام أبو علي    «العمر مجرد رقم».. نجم الزمالك السابق يوجه رسالة ل عبد الله السعيد    الخارجية الأمريكية توافق على مبيعات عسكرية لمصر ب4.67 مليار دولار (محدث)    بدأت بفحوصات بسيطة وتطورت ل«الموضوع محتاج صبر».. ملامح من أزمة أنغام الصحية    4 أبراج «بيشتغلوا على نفسهم».. منضبطون يهتمون بالتفاصيل ويسعون دائما للنجاح    الثقافة المصرية تضيء مسارح جرش.. ووزير الثقافة يشيد بروح سيناء (صور)    محمود محيي الدين: مصر خرجت من غرفة الإنعاش    «دعاء يوم الجمعة» للرزق وتفريج الهم وتيسير الحال.. كلمات تشرح القلب وتريح البال    دعاء يوم الجمعة.. كلمات مستجابة تفتح لك أبواب الرحمة    سعر الدولار اليوم أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية الجمعة 25 يوليو 2025    سعر المانجو والموز والفاكهة بالأسواق اليوم الجمعة 25 يوليو 2025    ما هي عقوبة مزاولة نشاط تمويل المشروعات الصغيرة بدون ترخيص؟.. القانون يجيب    "كنت فرحان ب94%".. صدمة طالب بالفيوم بعد اختفاء درجاته في يوم واحد    ادى لوفاة طفل وإصابة 4 آخرين.. النيابة تتسلم نتيجة تحليل المخدرات للمتهمة في واقعة «جيت سكي» الساحل الشمالي    وزير الطيران المدني يشارك في فعاليات مؤتمر "CIAT 2025" بكوريا الجنوبية    هل لمبروك عطية حق الفتوى؟.. د. سعد الهلالي: هؤلاء هم المتخصصون فقط    خالد الجندي: مساعدة الناس عبادة.. والدنيا ثمَن للآخرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من ذاكرة التاريخ: الصراع بين الجناحين المدنية والعسكري ، والعسكر يفرضون عبد الرحمن عارف رئيسااً
نشر في شباب مصر يوم 12 - 08 - 2010

لم يكد يذاع خبر مصرع عبد السلام عارف في حادث الطائرة المروحية حتى بدأ الصراع على قمة السلطة، وكانت أطراف الصراع تتمثل أساساً في جبهتين رئيسيتين، على الرغم من محاولة الزعيم الركن [ عبد العزيز العقيلي] ترشيح نفسه للرئاسة كجبهة ثالثة، وهاتان الجبهتان هما:
1 الجبهة الأولى: وتتمثل بالعسكريين الممسكين بزمام القوة، حيث يمسكون بأيديهم كل المراكز الأساسية في الجيش، وقد وقفت هذه الجبهة إلى جانب اللواء [عبد الرحمن عارف] شقيق عبد السلام عارف، وكيل رئيس أركان الجيش آنذاك، بالإضافة إلى قيادة الفرقة العسكرية الخامسة المدرعة.
2 الجبهة الثانية: وتتمثل برئيس الوزراء [عبد الرحمن البزاز] ومن حوله كل العناصر المدنية من الوزراء
وبموجب الدستور فأن انتخاب رئيس الجمهورية في حالة شغور المنصب يتمّ من قبل مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الأعلى بصورة مشتركة.
وهكذا فقد بادر مجلس الوزراء، ومجلس الدفاع الأعلى بعقد اجتماع عاجل في 16 نيسان 1966 لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وقد طُرح في الاجتماع ثلاثة أسماء:
1 الأول:عبد الرحمن عارف، وكيل رئيس أركان الجيش، وقائد الفرقة الخامسة المدرعة.
2 الثاني :عبد الرحمن البزاز، رئيس الوزراء.
3 الثالث: الزعيم الركن عبد العزيز العقيلي ، قائد الفرقة العسكرية الأولى.
وفي دورة الاقتراع الأولى، حصل البزاز على 14صوتاً، من مجموع 28صوتاً، فيما حصل عبد الرحمن عارف على 13 صوتاً، ونال عبد العزيز العقيلي على صوت واحد فقط، هو صوته، وكان الضباط المصوتين لعبد الرحمن عارف 11ضابطاً من مجموع 12 [ باستثناء العقيلي ] فيما صوت 14 من الوزراء للبزاز، وعضوان لعارف.
وحيث لم يفز بأغلبية الثلثين بموجب الدستور فقد جرت دورة ثانية، كان فيها تأثير الضباط حاسماً، فقد أصروا على انتخاب عبد الرحمن عارف مهما كان الثمن، رافضين قبول تولي البزاز رئاسة الجمهورية، مما أضطر البزاز إلى سحب ترشيحه تحت ضغط العسكريين لصالح عبد الرحمن عارف، فقد كانت القوى المسيطرة على الجيش، وخاصة عدد من أقرباء عارف، وفي المقدمة منهم [ سعيد صليبي ] رجل النظام العارفي القوي، لها القول الفصل في عملية الانتخاب.
كما أن عبد الناصر والناصريين، وقفوا إلى جانب عبد الرحمن عارف ضد البزاز، المعروف بولائه للغرب، هذا بالإضافة إلى أن عبد الرحمن عارف الذي يتسم بالضعف، وعدم القدرة على إدارة شؤون البلاد وقلة طموحه جعل البزاز ورفاقه يرضخون لانتخاب عارف، ويفضلونه على أي مرشح آخر، حيث اعتبروه أقل خطراً من غيره على مراكزهم في السلطة.
وهكذا تولى عبد الرحمن عارف رئاسة الجمهورية، فيما بقي البزاز رئيساً للوزارة، وكان نظام عبد الرحمن عارف امتداداً لنظام أخيه عبد السلام، وإن كان أقل عدوانية منه، وبقي محور النظام يستند على الحرس الجمهوري، وتعاون [الجمليين ] الذين كانوا يشكلون العمود الفقري للحرس الجمهوري.
ضعف حكم عبد الرحمن عارف
كان عبد الرحمن يفتقر إلى الدهاء والطاقة، ولا يتمتع بسلطة قوية لاتخاذ القرارات، ويفتقد للحدس و الحنكة السياسية والمعرفة بالشؤون العامة، وعدم القدرة على إدارة دفة الدولة، كما كان يفتقر إلى روح المبادرة والمناورة حتى شعر كل من كان حوله، إلى انه لم يخلق ليكون رئيس دولة، فاقداً لأي طموح، ولذلك فقد كان الحكم العوبة بيد عدد من الضباط المتخلفين والأنانيين الذين لا يهمهم سوى مصالحهم الشخصية، معتمدين على الولاءات العشائرية والإقليمية، وكان [سعيد صليبي ] يلعب الدور الأكبر من بين جميع الضباط ، في إدارة شؤون البلاد العسكرية، فيما أعتمد عارف على [خير الدين حسيب ] الناصري النزعة من مدينة الموصل، في جميع الأمور المتعلقة بالشؤون الاقتصادية والنفطية.
أما الشؤون السياسية فكانت من حصة عبد الرحمن البزاز، رئيس الوزراء.
لم يسد في العراق على عهده أي استقرار سياسي بسبب تصارع الأجنحة المدنية منها والعسكرية، فلم يكن العسكريون راضين على وجود البزاز رئيساً للوزارة، واضطر البزاز في آخر الأمر إلى تقديم استقالة حكومته تحت ضغط العسكريين في 16 آب 966 1.
لقد حاول البزاز خلال فترة حكمه الممتدة من 18 نيسان 1965 إلى 16 آب 1966 إعادة الاعتبار للإقطاعيين وكبار ملاكي الأرض القدامى، كما قدم لهم خدمات وامتيازات حرمهم منها قانون الإصلاح الزراعي الذي شرعته حكومة الشهيد عبد الكريم قاسم، فقد رفع معدل الفائدة المدفوعة للإقطاعيين عن ثمن الأرض المستملكة منهم بموجب القانون من 0,5% إلى 3 % سنوياً، وبذلك حمل الفلاحين المعدمين حملاً ثقيلاً ليست لهم القدرة على حمله مما أدى إلى تدهور أوضاعهم الاقتصادية أكثر فأكثر كما انه قام بتحديد قيمة مياه فروع الأنهر التي تتدفق لسقي تلك الأراضي، وبذلك حقق للإقطاعيين دخلاً كبيراً، أقتطعه من دخول الفلاحين الضعيفة أصلاً.
لقد سعى البزاز إلى تقليص دور العسكريين وامتيازاتهم، وحاول تقليص ميزانية وزارة الدفاع، مما أثار غضب العسكريين عليه، ودفعهم إلى السعي للتخلص منه، مستغلين محاولة عارف عبد الرزاق الانقلابية في 15 آب 1966 ليطلبوا منه الاستقالة، واضطر البزاز للرضوخ لأمر العسكر، وقدم استقالة حكومته، وطلب عبد الرحمن عارف من الزعيم الركن المتقاعد [ناجي طالب] تأليف وزارة جديدة في آب عام 1966.
ومعلوم أن ناجي طالب هو أحد أعضاء اللجنة العليا لحركة الضباط الأحرار الذين ساهموا في ثورة 14 تموز 1958، وهو من مواليد 1917، من مدينة الناصرية الشيعة، ويمثل الاتجاه القومي في تلك اللجنة، وقد تولى عدة مناصب وزارية في عهد عبد الكريم قاسم، لكنه انشق عنه، وتحول نحو التعاون مع القوميين، وحزب البعث للإطاحة بحكومته، وقد شغل منصباً وزارياً في الحكومة التي شكلها الانقلابيون في 8 شباط 1963.
عُرف ناجي طالب بتذبذبه السياسي ما بين القومي المستقل، والناصري، وحاول الجمع بين الأجنحة العسكرية المتصارعة داخل السلطة باتخاذه المواقف المعتدلة.
وقد تألفت وزارته من 7 ضباط و12 مدنياً من كبار موظفي الدولة الاختصاصين، لكن تناحر الأجنحة استمر في عهد وزارته رغم محاولته الجمع بين القوميين والناصريين والبعثيين الذين بدءوا بالظهور من جديد على المسرح السياسي.
واستمرار الصراع من جهة، وتدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد من جهة أخرى، إثر نشوب الخلافات مع شركات النفط ، بسبب خلافات تلك الشركات مع سوريا حول حصتها السابقة والمتراكمة عن عائدات مرور النفط عبر أراضيها إلى ميناء بانياس، وطرابلس، وتوقف تدفق النفط مما سبب انخفاضاً كبيراً في عائدات النفط التي كان العراق بحاجة ماسة إليها، ونتيجة لهذه الأوضاع قدم ناجي طالب استقالة حكومته.
عبد الرحمن عارف يشكل الوزارة برئاسته
نتيجة لتلك الظروف الصعبة، وتناحر الأجنحة العسكرية، وتكالبها على السلطة، أضطر عبد الرحمن عارف إلى تشكيل الوزارة برئاسته، وبذلك أصبح ممسكاً بالمنصبين، رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزارة، واتخذ له أربعة نواب لرئاسة الوزارة، يمثلون مختلف الأجنحة. فقد عين طاهر يحيى، بعثي سابق، وعبد الغني الراوي، قومي و ذو اتجاه إسلامي، وإسماعيل مصطفى، شيعي من جماعة عبد العزيز العقيلي، وفؤاد عارف، عن القوميين الأكراد، وقد ضمت الوزارة كل من عبد الستار عبد اللطيف للداخلية، وشاكر محمود شكري للدفاع، وفاضل محسن الحكيم للمواصلات، وعبد الكريم فرحان للإصلاح الزراعي، بالإضافة إلى 16 شخصية مدنية، من اتجاهات مختلفة، ولذلك فقد بدا منذُ الوهلة الأولى أن من الصعب جداً الجمع بين هذا التكوين ذي الاتجاهات والميول المختلفة، وأصبح بقاء هذه الوزارة مسألة وقت ليس إلا.
و تسارعت الأحداث حينما وقعت حرب 5 حزيران العربية الإسرائيلية التي استمرت لمدة ستة أيام فقط، وانتهت بهزيمة منكرة للعرب، واحتلال إسرائيل لكامل الضفة الغربية، وهضبة الجولان السورية، وصحراء سيناء المصرية.
حرب 5 حزيران، العربية الإسرائيلية
في شهر أيار من عام 1967 بلغت أوضاع المنطقة العربية غاية التعقيد، بعد أن تصاعدت لهجة التهديد والتهديد المضاد وخاصة بين إسرائيل وسوريا، بعد إقدام حكام إسرائيل على تحويل مجرى نهر الأردن، مما دفع الرئيس عبد الناصر إلى اتخاذ إجراءات مضادة، تمثلت في غلق خليج العقبة بوجه الملاحة الإسرائيلية.
إثر ذلك تصاعد الصراع بين الدول العربية وإسرائيل، وبوجه خاص بين الرئيس عبد الناصر وقادة إسرائيل، ووصل الأمر بعبد الناصر إلى الطلب من قوات الطوارئ الدولية المرابطة بين القوات المصرية والإسرائيلية أن تنسحب من المنطقة.
لقد كان واضحاً في ذلك الوقت أن الصراع يوشك أن ينفجر في أي لحظة، وأن الحرب بين العرب وإسرائيل قد أصبحت أمراً لا مفر منه، وقد أجرى عبد الناصر تنسيقاً مع سوريا والأردن لمواجهة التحديات العسكرية الإسرائيلية.
سارع مجلس الأمن إلى عقد جلسة خاصة لبحث الأوضاع المتفجرة بين العرب وإسرائيل، وأصدر في ختام اجتماعه بياناً دعا فيه الأطراف المعنية بالصراع إلى التزام جانب الهدوء، وعدم تأزم الموقف، فقد كان الوضع يوشك على الانفجار في أية لحظة، ولاسيما وأن إسرائيل كانت قد أعلنت التعبئة العامة لقواتها المسلحة، وكانت استعداداتها الحربية تجري على قدم وساق.
وفي الوقت نفسه بعث الرئيس الأمريكي [ جونسون ] برسالة إلى عبد الناصر يطلب منه ضبط النفس محذراً إياه من مغبة شن الحرب، ومهدداً إياه بعواقب وخيمة.
وفي ظل تلك الظروف البالغة الخطورة طلب الاتحاد السوفيتي من الرئيس عبد الناصر بان لا تبدأ مصر الحرب، ولكن ينبغي اتخاذ أقصى ما يمكن من إجراءات الحذر، واليقظة للرد على أي هجوم إسرائيلي مفاجئ.
لكن قيادة الجيش المصري التي كان على رأسها المشير[ عبد الحكيم عامر] لم تكن تعي خطورة الوضع، وضرورة الاستعداد التام، وجعل القوات المسلحة المصرية في أقصى درجات التأهب في كل لحظة، وخاصة القوة الجوية، التي تشكل الغطاء الحيوي للقوات المصرية في صحراء سيناء المكشوفة.
كان من المفروض أن تكون الطائرات المصرية على أقصى درجات الاستعداد وبعضها يراقب الوضع في الجو، ومستعدة لكل طارئ يوم 4 حزيران، بعد التحذير الذي وجهه الاتحاد السوفيتي إلى مصر من أن جيش إسرائيل قد بلغ أقصى درجات التأهب.
لكن شيئاً من هذا القبيل لم يحدث، وفاجأت الطائرات الإسرائيلية صباح يوم 5 حزيران المطارات العسكرية المصرية، ودمرت معظم مدرجاتها، والطائرات الحربية الجاثمة عليها، في الساعات الأولى من ذلك اليوم، مما افقد القوات المصرية غطائها الجوي في صحراء سيناء، وجعلها تحت رحمة القصف الجوي الإسرائيلي المتواصل، وبكل ما أوتيت من قوة، منزلة الخسائر الفادحة بها، وممهدة الطريق أمام قواتها المدرعة للاندفاع نحو قناة السويس، حيث تم لها السيطرة على كامل صحراء سيناء خلال خمسة أيام.
ولما ضمنت إسرائيل في اليوم الأول سيطرتها الجوية على صحراء سيناء، وتدميرها للقوات المصرية، وجهت جهدها الجوي إلى الجبهة السورية والأردنية، واستطاعت إسرائيل بسبب عدم تكافؤ القوى أن تنزل خسائر جسيمة بالقوات السورية والأردنية، وتمكنت من الاستيلاء على كامل الضفة الغربية، وأجزاء من الأردن، وهضبة الجولان السورية ذات الأهمية الإستراتيجية الكبرى لسوريا، خلال تلك الحرب الخاطفة التي كان يحلو لإسرائيل أن تسميها ي{ حرب الأيام الستة }!!.
وبكل وقاحة أعلنت إسرائيل على لسان قادتها، أن صحراء سيناء، وهضبة الجولان، والضفة الغربية من فلسطين، هي ارض إسرائيلية، وأخذت تحكّم دفاعاتها على هضبة الجولان السورية، وعلى امتداد قناة السويس، وقامت بتشييد خط دفاعي سمته ب [خط بارليف].
موقف حكام العراق من الحرب:
لم يكن العراق مهيأ ولا مستعدا لتلك الحرب، فقد كانت ثلثي قواته العسكرية مشغولة في الحرب في كردستان، وبعيدة جداً عن ساحة المعارك، التي تزيد على [1000كم]، ولم يكن لدى العراق سوى اللواء الثامن الآلي قريباً من الساحة عند الحدود السورية الأردنية، حيث أوعز لها عبد الرحمن عارف بالتحرك إلى ساحة الحرب بأسلوب استعراضي لم يراعِ فيه جانب الأمان لقواته المتقدمة، وهو العسكري الذي كان بالأمس رئيساً لأركان الجيش، ثم أصبح قائداً عاماً للقوات المسلحة، بعد توليه مقاليد الحكم في البلاد.
لقد وقف عبد الرحمن عارف يخطب من دار الإذاعة والتلفزيون معلناً تحرك القوات العراقية إلى ساحة المعركة، وكان ذلك التصرف خير منبه لإسرائيل لتهاجم طائراتها القوات العراقية وهي في طريقها عبر الصحراء منزلة بها الخسائر الكبيرة.
ومن المضحك والمبكي في تصرفات عارف وجهله، أنه وقف يخطب بعد نهاية الحرب قائلاً:
[ إن إسرائيل تعرف عنا أكثر مما نعرف نحن عن أنفسنا ] فيا للكارثة أن يقود العرب حكام بهذا المستوى.
لقد أثبتت تلك الحرب أن البونَ كان شاسعاً بين العرب وإسرائيل فالحكومات العربية كانت على درجة خطيرة من التخلف يسودها الصراعات بين مختلف الأجنحة المتصارعة، والعسكرية منها بوجه خاص، حيث هيمن الضباط على معظم الأنظمة العربية، وعمت الفوضى في البلاد، وساد التخلف كل جوانب الحياة السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، في حين كان الإسرائيليون قد هيئوا أنفسهم للحرب، وحولوا كل جهودهم وقواهم لتعزيز جيشهم، وأصبحت إسرائيل مسلحة حتى الأسنان، وبأحدث أنواع الأسلحة والتكنولوجيا الحربية، ويقودها أناس يعرفون ما يفعلون، وهذا في واقع الحال يشكل عاراً على الدول العربية التي تعد إمكانياتها المادية والبشرية عشرات أضعاف إسرائيل أن تستطيع إلحاق الهزيمة بالجيوش العربية خلال ستة أيام ؟
طاهر يحيى يؤلف وزارة جديدة
في 10 تموز 1967، وبعد مرور شهر واحد على هزيمة 5 حزيران كلف عبد الرحمن عارف اللواء طاهر يحيى بتأليف وزارة جديدة، في جو الصراع والتناحر بين مختلف الفئات القومية، وجاءت وزارته التي ضمت عناصر ناصرية وقومية مستقلة، أكثر تجانساً وتوافقاً من سابقاتها من الوزارات.
غير أنها كانت تفتقر إلى الدعم الشعبي، فقد كان الشعب في وادٍ، والنظام الحاكم في وادٍ آخر، ولذلك فقد كان من العسير على تلك الوزارة أن تقدم أي شيئا ملموساً للبلاد الغارقة بالمشاكل الاقتصادية والسياسية، بالإضافة إلى مرارة الهزيمة، وتأثيرها النفسي على أبناء الشعب الذي كان قد أصيب بإحباط شديد جراء تلك الهزيمة الشنعاء.
حاول طاهر يحيى التخفيف من ضغط تلك الأوضاع البالغة السوء، فقام ببعض الإجراءات التي تتعلق بالأوضاع الاقتصادية.
* ففي 6 آب 967 أصدرت الحكومة قراراً بتحويل كامل حقوق الاستثمار في حقل الرميلة الشمالية الغنية بالنفط إلى شركة النفط الوطنية التي تملكها الدولة.
* وفي 23 تشرين الثاني 967 منحت الحكومة شركة النفط الفرنسية [إيراب] التابعة للدولة الفرنسية عقداً للتنقيب عن النفط واستخراجه في مساحة تبلغ حوالي 11000 كم مربع، وتقع في وسط وجنوب العراق.
* وفي 24 كانون الثاني توصلت الحكومة مع الاتحاد السوفيتي إلى عقد اتفاقية يقدم بموجبها الاتحاد السوفيتي الخبرة والأجهزة والمعدات، والمساعدة التقنية لحفر حقل الرميلة الشمالي والمساعدة على استخراج النفط وتسويقه.
غير أن حكومة طاهر يحيى لم تستطع إصلاح الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في البلاد، واستمرت الشكاوى الشعبية العارمة من سوء تلك الحالة، ومن تصرفات الضباط الذين كانوا يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة من شؤون البلاد، واشتكى التجار من قيام العديد من أولئك الضباط بالمتاجرة بإجازات الاستيراد حتى وصل الأمر إلى أن أخذ الشعب يتندر بتلك الحكومة.
حامد الحمداني
عضو اتحاد الكتاب في السويد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.