أسعار الذهب اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025    الاتصالات: الأكاديمية العسكرية توفر سبل الإقامة ل 30095 طالب بمبادرة الرواد الرقمين    أكثر من 30 إصابة في هجوم روسي بطائرات مسيرة على مدينة خاركيف شرق أوكرانيا    زيلينسكي يزور تركيا لإحياء مساعي السلام في أوكرانيا    ترامب يوجه رسالة خاصة ل كريستيانو رونالدو: أعتقد أن بارون يحترمني كوالده أكثر قليلا الآن    جامايكا وسورينام يكملان الملحق العالمي المؤهل لكأس العالم    غلق الطريق الصحراوى من بوابات الإسكندرية لوجود شبورة مائية تعيق الرؤية    خيرية أحمد، فاكهة السينما التي دخلت الفن لظروف أسرية وهذه قصة الرجل الوحيد في حياتها    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    الرئيس السيسي: البلد لو اتهدت مش هتقوم... ومحتاجين 50 تريليون جنيه لحل أزماتها    إسعاد يونس ومحمد إمام ومى عز الدين يوجهون رسائل دعم لتامر حسنى: الله يشفيك ويعافيك    ارتفاع أسعار الذهب في بداية تعاملات البورصة.. الأربعاء 19 نوفمبر    البيت الأبيض: اتفاقية المعادن مع السعودية مماثلة لما أبرمناه مع الشركاء التجاريين الآخرين    بشري سارة للمعلمين والمديرين| 2000 جنيه حافز تدريس من أكتوبر 2026 وفق شروط    حقيقة ظهور فيروس ماربورج في مصر وهل الوضع أمن؟ متحدث الصحة يكشف    شبانة: الأهلي أغلق باب العودة أمام كهربا نهائيًا    أوكرانيا تطالب روسيا بتعويضات مناخية بقيمة 43 مليار دولار في كوب 30    ترتيب الدوري الإيطالي قبل انطلاق الجولة القادمة    النيابة العامة تُحوِّل المضبوطات الذهبية إلى احتياطي إستراتيجي للدولة    "النواب" و"الشيوخ" الأمريكي يصوتان لصالح الإفراج عن ملفات إبستين    شمال سيناء تنهي استعداداتها لانتخابات مجلس النواب 2025    "الوطنية للانتخابات": إلغاء نتائج 19 دائرة سببه مخالفات جوهرية أثرت على إرادة الناخب    فرحات: رسائل السيسي ترسم ملامح برلمان مسؤول يدعم الدولة    نشأت الديهي: لا تختاروا مرشحي الانتخابات على أساس المال    انقلاب جرار صيانة في محطة التوفيقية بالبحيرة.. وتوقف حركة القطارات    مصرع شاب وإصابة اثنين آخرين في انقلاب سيارتي تريلا بصحراوي الأقصر    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    مصرع شاب وإصابة اثنين في انقلاب سيارتي تريلا بالأقصر    إحالة مخالفات جمعية منتجي الأرز والقمح للنيابة العامة.. وزير الزراعة يكشف حجم التجاوزات وخطة الإصلاح    النائب العام يؤكد قدرة مؤسسات الدولة على تحويل الأصول الراكدة لقيمة اقتصادية فاعلة.. فيديو    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    في ذكرى رحيله.. أبرز أعمال مارسيل بروست التي استكشفت الزمن والذاكرة والهوية وطبيعة الإنسان    معرض «الأبد هو الآن» يضيء أهرامات الجيزة بليلة عالمية تجمع رموز الفن والثقافة    سويسرا تلحق بركب المتأهلين لكأس العالم 2026    الأحزاب تتوحد خلف شعار النزاهة والشفافية.. بيان رئاسي يهز المشهد الانتخابي    جميع المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026    شجار جماعي.. حادثة عنف بين جنود الجيش الإسرائيلي ووقوع إصابات    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    أسامة كمال: الجلوس دون تطوير لم يعد مقبولًا في زمن التكنولوجيا المتسارعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    أحمد الشناوي: الفار أنقذ الحكام    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    عاجل مستشار التحول الرقمي: ليس كل التطبيقات آمنة وأحذر من استخدام تطبيقات الزواج الإلكترونية الأجنبية    جامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر تطلق مؤتمرها الرابع لشباب التكنولوجيين منتصف ديسمبر    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة شخص في الطالبية    زيورخ السويسري يرد على المفاوضات مع لاعب الزمالك    أحمد فؤاد ل مصطفى محمد: عُد للدورى المصرى قبل أن يتجاوزك الزمن    مشروبات طبيعية تساعد على النوم العميق للأطفال    طيران الإمارات يطلب 65 طائرة إضافية من بوينغ 777X بقيمة 38 مليار دولار خلال معرض دبي للطيران 2025    فيلم وهم ل سميرة غزال وفرح طارق ضمن قائمة أفلام الطلبة فى مهرجان الفيوم    هيئة الدواء: نعتزم ضخ 150 ألف عبوة من عقار الديجوكسين لعلاج أمراض القلب خلال الفترة المقبلة    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    التنسيقية تنظم رابع صالون سياسي للتعريف ببرامج المرشحين بالمرحلة الثانية لانتخابات النواب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: مقارنة المهور هي الوقود الذي يشعل نيران التكلفة في الزواج    كيف يحدث هبوط سكر الدم دون الإصابة بمرض السكري؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حلقات كتاب أسرار الصوفية ومملكة الدراويش فى مصر الفصل الأول : أنا ومملكة الدراويش
نشر في شباب مصر يوم 24 - 06 - 2017


الدكتور أحمد عبد الهادى
وتكسرت مجلتى على مرأى ومسمع من الجميع ... كنت الصحفى الوحيد بها .. وكنت مدير التحرير .. وكنت أنا الساعى أيضا ... كنت أكتبها وأحررها لأهالى قريتى الصغيرة " السمارة " دون مقابل كل أسبوع .. تحطمت أمام عينى دون أن استطيع وقف المجزرة التى تمت . ودون أن يتدخل أحد لمنع هذه النهاية المأساوية .. أما السبب فإنه يرجع إلى جرأتى التى اعتبرها البعض خرجت عن كل الحدود بعد أن تطاولت على أولياء الله الصالحين..
------------------------------------------
كانت أغرب مجلة فى تاريخ الصحافة . حيث لم أجد التمويل الكافى لإصدار مجلة أو صحيفة ورقية وقتها . مما دفعنى لأن أصدر مجلة على طريقتى الخاصة. حيث قمت بإعداد لوح خشبى كبير. ووضعت عليه المقالات والتحقيقات الصحفية المراد نشرها . وأطلقت عليها اسم " الفكر الثقافى" . وظللت أقوم بإصدارها لعدة سنوات متواصلة فى مركز الشباب . ثم قررت تعميمها على كل أهل القرية . فقررت تعليقها على محطة القرية الرئيسية .. أما طريقة وموعد النشر فقد كانت أغرب طريقة صحفية فى العالم لنشر مجلة.. فقد كان موعد النشر يبدأ من الخامسة فجرا إلى التاسعة صباح كل يوم .. ثم أعاود إصدارها فى نفس التوقيت من كل يوم ضمانا لعدم عبث الأطفال بمحتوياتها وضمانا لقراءة الموظفين والطلاب لها صباح كل يوم .. وقد أعجب الجميع بالفكرة خاصة وأنهم وجدوا فيها الكثير من الأخبار والمعلومات الطريفة والكثير من التحقيقات والأخبار المصرية والدولية ..
لكن ما إن تجرأت على نقد المولد الذى يقام للشيخة سلمى كل عام بالسمارة وأكدت أن المولد ترتكب فيه الكثير من الموبقات والخزغبلات والشعوذات التى لاتمت للدين بصلة .. وأن هناك بعض المشايخ الذين يقترفون الكثير من الآثام أقلها شرب الحشيش على مرأى ومسمع من الجميع حتى كان مصير المجلة المصادرة والحكم عليها بالإعدام إلى الأبد . فوجدتها محطمة بجوار المكان الذى تعلق فيه على المحطة.. كنت لحظتها فى السنة الأولى بالجامعة .. وكنت أبحث عن إجابة لكثير من الأسئلة التى طرأت على ذهنى وذهن ملايين الشباب مثلى وسط بحور متلاطمة من التداعيات التى قفزت على الساحة المصرية آنذاك ..
حينما أطلق السادات العنان للجماعات الإسلامية .. وصدرت مئات الكتب للإخوان المسلمين تكشف الستار لأول مرة عن عمليات التعذيب التى تمت لعناصرها فى سجون عبد الناصر ..
وكنّا قبلها نتغنى بالأناشيد والمآثر الوطنية التى تعدد فى مناقب جمال عبد الناصر . ولم تستوعب عقولنا الانقلاب الذى حدث ..
وكان الانفتاح على أشده .. ومن خلاله تاهت طبقات وقفزت طبقات أخرى.. وظهرت سمات لم يعهدها المجتمع المصرى من قبل .. وبدأ الشباب فى البحث عن أفضل السبل للهروب من واقعه الذى فشل فى التأقلم معه .. ووجد الكثيرون ملاذهم فى التدين ..
ولم يكن علماء الإسلام والمفكرون يجدون فرصة كافية لتفسير كل شىء لنا فقد كانت الأحداث أسرع من الكل .. واختلط الحابل بالنابل وتاهت معالم الدين الصحيح وسط عشرات الأوراد التى ظهرت مع ظهور طوفان التدين الهروبى ..
ووسط هذا الجو كان لابد أن يتم تحطيم مجلتى الصغيرة والحكم عليها بالإعدام. فقد كان الجو غير مهيأ لتقبّل مثل هذا النقد الموجه إلى الشيخة سلمى ومن هم على شاكلتها .
وظلت الشيخة سلمى راسخه هناك فى أعماق قريتى الصغيرة بالدقهلية.. وضريحها رغم التقدم والعلوم والأزهر مغروسا يتحدى أمثالى ويقام لها مولد كل عام .. وحول ضريحها كان الكثير من المتصوفين يظهرون ويختفون .. ويقترن ظهورهم برواية عشرات الحكايات عن خوارق الطاهرة .. وكيف أنها لازالت حيه.. ويأتى إلى مقامها أرواح الصديقين والشهداء.. وكيف أنها عاقبت أحد الأشخاص بإصابته بالخرس والشلل لأكثر من أسبوع.. لأنه تطاول عليها وأعلن رفضه لكراماتها .. ومع كل كرامة يطلقها الرجال ذوو الملابس البالية والمسابح الغريبة والأعلام الملونة.. يمتلأ صندوقها بالأموال والعطايا وتتوجه مئات النساء إليها بالبط والأوز والحيوانات والنقود .. وتغرق حجورهم الواسعة والتى صممت خصيصا لهذا الغرض بالعطايا والبركات والمنح والنذور.. تقربا لأهل الله .. وتوددا للشيخة سلمى .. أما متى ولدت الشيخة ؟ وماهى علاقتها بالنبى حتى يجعلها هؤلاء الدراويش صحابية ؟ فلا أحد يعرف .. ولا أحد لديه الاستعداد لأن يشغل عقله بمثل هذه الأمور التافهه التى تنم عن كفر بين وإلحاد مابعده إلحاد.. ولذلك لم يكن غريبا أن يطالب بعض ممن فوضوا أنفسهم بالتحدّث نيابة عن البسطاء بالقرية بطردى من "السمارة" باعتبارى عارا لايمكن أن يستمر وسطهم بعد أن أعلنت كفرى البواح فى مجلتى المزعومة بالتطاول على الطاهرة .. الطاهرة التى يقام لها أكبر مولد فى المنطقة وتعتبر هى حاميتها هى والسلطان خضر.. السلطان خضر الذى يتواجد ضريحة فى منطقة حانوت القريبة من "السمارة" ويقام له واحدا من أضخم الموالد الكبرى أيضا.. والذى يحرص على أن يأتى للشيخة سلمى ليلة مولدها على هيئة " كوباية " نور.. وقد أقسم الكثيرين أغلظ الإيمان إنهم رأوا لمبة النور وهى "تتمختر" فى السماء فى منتصف الليل قادمة من ضريح السلطان خضر ... ثم تدخل ضريح الشيخة سلمى لفترة وتعود اللمبة ومعها الشيخة سلمى على هيئة لمبة نور أخرى.. وتذهب معه لمسافة تودعه ثم تعود أدراجها إلى الضريح من جديد ؟ ... وقلت لأهل قريتى :
طيب هما مش خايفين من كلام الناس ؟
وعندها صرخ الجميع خوفا وهلعا لحظتها واستغفروا وبسملوا وحوقلوا طالبين لى الهداية.. وعندما حاولت أن أسأل عن تاريخ الشيخة سلمى وحياتها.. وفكرها وإسهاماتها الدينية ؟ كاد بعض الأهالى يفتكون بى.. مؤكدين أن كبير الشيوخ كشف لهم عن صلتها الوطيدة بالنبى عليه الصلاة والسلام ..
وأخرستنى المفاجأة.. فكبير الشيوخ هذا ضبطته يتعاطى الحشيش والأفيون بأحد المنازل ليلة مولد الشيخة سلمى.. بينما كان المنشدون فى حلقات الذكر التى كانت تذخر بها ليلة المولد يطلبون منه المدد والعون ..
قالوا إنها صحابية من أيام الرسول..
وقال بعض أهل قريتي إن كراماتها جابت الآفاق.. وأن كثيرين لجأوا إليها وقت الشدة واستجابت لهم .. وكانت أمى تطوف بضريحها .. وكنت طفلا وقتها ولم أكن أملك سوى أن أطوف معها.. وبين الحين والآخر تمتد يدى الصغيرة محاولة الوصول لرأس صاحبة الضريح فقد كنت أظن أن هذه الرأس الخشبية البارزة من المقام الخاص بها رأسها الحقيقية ..
ونهرتنى أمى عن العبث بالرأس ..
وبدلا منها عبثت برأسى أنا لسنوات طويلة مفتشا عن تاريخ صاحبة المقام .. ولم أجد له أصلا . ورغم ذلك ظلت صاحبة الضريح ملاذا لكل أهل القرية . وظل التحدى بيننا كبيرا ..وشعرت بالهزيمة.. هزيمة جعلتنى اكتب رواية كاملة بعنوان "العشق فى الزمن الحرام" التى تدور أحداثها كلها ليلة مولد الشيخة سلمى .. والتى جسدت فيها صراع أبناء جيلى ضد طوفان قادم .. مهددا كل شىء بالضياع .. وعبّرت عن انفصال أبناء هذا الجيل عن الوطن .. وعن جذوره وانتماءاته بعد فشله فى الإحساس بهذا الوطن .. وظننت أننى قد كشفت فى هذه الرواية مالم يحاول أهل القرية قراءته والاستماع إليه لحظتها .. لكننى اكتشفت أننى قد ضيعت سنوات طويلة من عمرى ثمنا لمحاولة الوصول لجزء من هذه الحقيقة.. حقيقة استسلام ملايين المصريين لسكان الأضرحة ولأصحاب الأعلام الملونة.. ورغم ذلك ..رغم انتصار الشيخة سلمى على أمثالى.. إلا أننى لم أشعر باليأس فقد رحت أعد الكثير من الملفات الصحفية التى تكشف عن سكان التكايا والزوايا والأضرحة .. وأسرار هؤلاء ومايحدث فى عالمهم ..
وقمت بالعديد من المغامرات الصحفية التى كشفت عن عالم الدراويش فى مصر.. وقرآت آلاف الكتب والأبحاث والدراسات وسخرت العديد من أمناء المكتبات فى العديد من الدول العربية التى زرتها بحثا عن أمهات الكتب التى يمكن الاعتماد عليها فى إعداد هذا الكتاب..
بدءا من بيت ثقافة المقاطعة وبيت ثقافة السنبلاوين وقصر ثقافة المنصورة.. مرورا بمكتبة أمانة العاصمة بمدينة عمان الأردنية ومكتبة عبد الحميد شومان هناك وانتهاء بعشرات المكتبات والأصدقاء.. هذا الكتاب الذى استغرق التجهيز له سنوات طويلة جدا وحملت أوراقة التى تجاوزت الخمسة آلاف ورقة فوق صدرى لحين انتهاز اللحظة المواتية لإخراجه للوجود.. وعبر هذه السنوات الطويلة.. سنوات الإطلاع والمغامرات الصحفية والبحث والدراسة.. وصلت لأعماق هذا العالم.. عالم الصوفية ومملكة الدراويش فى مصر.. هو عالم آخر.. سلاطينه سيطروا على عقول المصريين بخرافات وخزعبلات وصلت إلى درجة أن بعضهم ابتدع طرقا صوفية تعلن تكفير كل من لايؤمن بها .. والبعض الآخر نصب من نفسه إلها .. ووصف نفسه بسمات الذات الالهيه حتى إنه لم يتورع عن التأكيد لمريديه بأن مفاتيح الجنة والنار معه.. واكتشفت خلال هذه الرحلة أن بعض هؤلاء الدراويش صنيعة بعض النصابين والدجالين وتجار المخدرات تحقيقا لأغراض شخصية لاتمت للدين بصلة .. مثلما حدث فى حلوان حيث قام بعض النصابين والمستغلين بعمل مقام لولى من أولياء الله الصالحين وبالمولد الذى يقيمونه له كل عام كان الجميع يتلقى آلاف الجنيهات فى صناديق النذور .. وكانت صفقات المخدرات تعقد على قدم وساق واكتشف الجميع أن الولى ليس سوى جثة حمار موضوعة داخل الضريح.. وأنهم تعرضوا لأكبر عملية نصب دينية .. وقامت الشرطة بهدم المقام على رأس صاحبه . وعلى رأس تجار المخدرات .. ونفس هذا الأمر حدث فى قرية أبو الغيط بالقليوبية والتى تحوّل فيها مولد أبوالغيط إلى مكان يتم فيه عقد أضخم صفقات المخدرات سنويا .. ولم تكتشف الشرطة هذه الحقيقة إلا بعد أن غرقت مصر فى طوفان الأفيون والحشيش والبانجو وحقن الماكس .. ومعلومات كثيرة يعجز القلم عن وصفها وتضيق هذه الأوراق عن استيعابها ..
وقد كانت جميعها محصلة لجولات مكوكية .. ومغامرات صحفية عديدة قمت بها داخل ربوع وقرى مصر .. وبين رفوف عشرات المكتبات حصولا على أمهات الكتب التى تضم الحقيقة الصادمة .
الشىء الغريب حقا أننى اكتشفت أن مملكة الدراويش فى مصر وعالم الصوفية مصاحب دوما للموالد التى تقام لأصحاب الأضرحة.. ولاتجدهم مثلا فى أى مجال آخر اللهم إلا نادرا جدا .. لاتجدهم مثلا فى دروس الفكر أو فى المؤتمرات .. أو الندوات أو على صفحات الصحف والمجلات يناقشون حججهم ورؤاهم وأفكارهم .. لأنه ليس لديهم أى أفكار أو أطروحات .. حيث لم يترك أى من الصوفية والدراويش العتاة الذين ينساق المصريون خلفهم بالملايين أى مساهمات فكرية .. كلهم بلا استثناء لم يتركوا لنا أى علم أو كتب ينتفع بها تنم عن علم وإدراك ويقين ..
كلهم لم يتركوا لنا سوى وصايا وأوراد بإمكان أى طفل مسلم أن يضع مثلها.. وكلها جميعا تطالب المريدين بأن يكونوا بين يدى شيخهم كالجثة الهامدة .. منتهى الحض على الخنوع والاستسلام والانكسار .. والاستفزاز أيضا ..
وهؤلاء السكان سكان التكايا والأضرحة لاتجدهم فى ساعات الحروب والنضال الوطنى . والمواقف التى تحتاج إلى تكاتف كافة طبقات وفئات الشعب .. بل تجدهم دوما حول المساجد وصناديق النذور .. تجد هناك دورا بارزا جدا لهم فى الموالد.. وتجدهم فى استقبال ملايين البسطاء فى شتى ربوع مصر.. والذين قدموا إلى صاحب الضريح المحتفى بمولده ليقصوا لهم عن كرامات صاحب المولد ومعجزاته وخوارقه وعقابه لكل من لم يصدق ويؤمن بكراماته.. ولذلك لم يكن غريبا أن اتوقف طويلا عند ظاهرة الموالد التى تقام لسكان الأضرحة.. والتفاف أصحاب الخرق الصوفية والمسابح المعلقة فى الرقاب حول المساجد التى يتوسط ساحتها أحد الأضرحة .. والغريب أيضا أنه ورغم ترويج هؤلاء لعشرات الهرطقات الدينية والخروج عن الشرع .. إلا أنهم يعملون تحت ستار القانون..وهناك قانون ينظم أعمالهم ويسمح لهم بارتكاب كل مايريدون .. وسمح لبعضهم باحتكار التصوف والتدين .. وكل من لاينصاع لرغباتهم يعتبر خارجا على القانون ويتم معاقبته.. والبعض ابتعد عن القانون ووجع الدماغ وقرر أن يصنع لنفسه إلها خاصا وعالما أكثر خصوصية ويعيش فيه ..
وبين هؤلاء وهؤلاء كانت المعلومات أمامى تتكشف.. رغم عالمهم الخاص المضروب حوله بسياج قوى متين.. لايستطيع أحد أن يمسه بسوء .. حيث نجحوا فى الحفاظ على بيئتهم فتجدهم فرادى بفكرهم وعالمهم فى مؤتمرات خاصة بهم هم ..
ينظمونها بمعرفتهم
يستضيفون لها أشخاصا بعينهم
ويقولون فيها مايشاءون.. ولايسمحون بحضور ثمة مخلوق لايتفق مع فكرهم وتوجههم . وقد بلغت سطوتهم إلى حد أن الإذاعة المصرية تنقل افتراءاتهم وشعوذاتهم وأباطيلهم والتى يصفون فى بعضها شخصا مثل السيد البدوى بأنه ينجى المكروب إذا دعاه .. ويصفونه بأنه ملاذ الفقراء ومجيب الدعاء ..
وقالوا عن أبو العباس التيجانى بأنه تحدّث مع الله ورآه رؤى العين . والبعض أكد أن طريقتة الصوفية هى خاتمة الطرق الصوفية ولن يقبل الله غيرها.. وكل من لايدخلها سيكون مصيره جهنم .. أما من يسير فى ركابها فان الجنة هى الجزاء..
والبعض الآخر خول لنفسه التشفع فى كل أتباعه ومريديه .
وبعضهم زعم أنه تعلم على يدى الرسول وكان يأتيه الوحى من الله.. وغيرها من الأباطيل التى تحاول صفحات هذا الكتاب الكشف عنها والتى فشل أهل الفكر والمتخصصون فى التصدى لها لما لهم من سطوة وصلت إلى درجة أن شيوخ من الأزهر ووزراء أوقاف ورئيس جامعة الأزهر السابقين كانوا يسيرون فى ركابهم . ويتمسحون بهم فى خنوع واستسلام ولم تجد شخصا مثل شيخ الأزهر الذى أتحفنا بكثير من خطبه العصماء وفتواه بداعِ ودون داع فى كل مسائل الحياة يتصدى لهذه النقطة تحديدا.. نقطة الموالد وعالم الدراويش وزيارة سكان الأضرحة والتبرك بهم وطلب المدد منهم رغم أن الله ورسوله نهيا عن مثل هذه الأشياء.. وتجد شخصا مثل رئيس جامعة الأزهر السابق الدكتور أحمد عمر هاشم.. هذا الرجل الذى يعتبر قدوة لآلاف من طلاب الجامعة ويشرف على مئات من أساتذة الفكر الإسلامى المستنير .. يهرول ناحية الكثير من الموالد والمؤتمرات التى يقيمها دراويش مصر .. وبها يذرف الكثير من الدموع .. والتأوهات .. مثلما حدث فى الكثير من المؤتمرات السياسية والتى تم ضبطه يبكى فى أحدها حبا وتولها فى أحد السلاطين .. فالمسألة عنده ليست حبا فى الله .. وإيمانا بكرامات صاحب المولد وأهو كله مولد إنما حبا فى أشياء أخرى .. حتى إننا رأينا أحد وزراء الأوقاف السابقين الذى كان يزعم أنه يقود الوزراة ومساجد مصر بعقل مستنير لايتردد فى التودد إلى مملكة الدراويش وسلاطينها.. ولامانع فى قضاء الساعات الطويلة مع رموزها ممن منحوا لأنفسهم حق إعطاء صكوك التصوف والدروشة والاقتراب من الله .. والكل رفض المناقشة .. رفض التصدى للتيار خوفا من فقدان قاعدة جماهيرية عريضة .. ومقعد .. وجاه .. الوضع إذن فى حاجة إلى قراءة جديدة وبشكل جديد .. خاصة فى عصر الإنترنت .. وفى عصر لايحتمل ثمة افتراءات واختراعات وشعوذات ..
وفى حاجة إلى قراءة متأنية أيضا لما يدور هناك .. فى مملكة الدراويش وعالم الصوفية .. خاصة وأن كل الأبحاث والدراسات تؤكد أنه لاتوجد دراسة واحدة متكاملة حول الموالد فى مصر أوعالم التكايا والزوايا ...
وأزعم أننى قد حاولت ذلك فى هذا الكتاب .. هذا الكتاب الذى جاء محصلة سنوات من البحث والمغامرات الصحفية والدراسة والفكر والرصد والإطلاع على مئات من أمهات الكتب التى ورد جزء منها فى نهاية صفحات الكتاب والبعض الآخر لم استطع تسجيله.. إنها رحلة استغرقت سنوات طويلة جدا قررت أن أضع نتائجها بين يدى القارئ بعد سنوات من الانتظار
وأرجو أن أكون وفقت ..
أو على الأقل قد بدأت..
-----------------------------
تابعونا ............
--------------------------
الكتاب يوزع الآن فى مكتبة ليلى : 17 شارع جواد حسنى من شارع قصر النيل القاهرة هاتف : 01011666166


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.