تستطيع وأنت في شرفة منزلك وتحتسي كوباً من القهوة ، أن تسرح بعينيك ليلاً بين النجوم وتحلم بأن تكون دولتك من أفضل دول العالم ... وقد يرى يائس أو حاقد أن ذلك حلم بعيد المنال ، ولكن الحقيقة كل الحقيقة أنه ليس حلماً بل إنه من أبسط الحقوق . تستهدف الحكومة الانطلاق بخطى حثيثة نحو تنمية اقتصادية شاكلة خلال السنوات القادمة ... هكذا تم التمهيد لمنشور إعداد الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد 2017 / 2018 م كذلك وما تم استكماله عند الحديث عن الإصلاحات المالية المستهدفة بمشروع الموازنة من " رفع كفاءة وتطوير أداء الإدارة الضريبية ، وتشمل تحديث وتطوير نظم المعلومات ، والربط بين المصالح الإيرادية ، ونظم الفحص ، والتحصيل الإلكتروني ، وإصدار القرارات والتعليمات التي تضمن ضبط المجتمع الضريبي وتوسيع القاعدة الضريبية ، والتركيز على سد منافذ التهرب الضريبي ، وتحسين أداء الحصيلة من بعض الأنشطة وفي مقدمتها الضرائب على المهن الحرة ، والضرائب المرتبطة بالقطاع المالي " . ترى الدولة في أهم ما ترى أهمية ليست بالقليلة للإدارة الضريبية بالدولة وضرورة تطوير نظم الفحص وتحديث الآليات التي تعمل بها مصلحة الضرائب ، ومن المعلوم أن الضرائب من أهم الإدارات والمصادر الإيرادية في الدولة قاطبة . ولعل هذا يعد منطلقاً لإبراز دور مأمور الضرائب في المجتمعات الحديثة كأهم لبنة في بناء الإدارات الضريبية بها ، والذي يمثل حلقة الوصل بين اقتصاديات القطاعين العام والخاص سواء بسواء ، وبين ميزانية الدولة بشكل مباشر ، وبدرجة لا يتصور مع انتفاءها قيام جانب كبير وهام لتلك الميزانية . نعم .. إن عمل مأمور الضرائب شاق ويعد من أهم المهن الحية والفعالة في المجتمع ، فبرغم كل صعوبة قد يتصورها أحد يعمل مأمور الضرائب بين مكتبة والشارع ومنزلة وبين دفات الكتب من القوانين والتعليمات المتلاحقة والأسس المحاسبية ، فلا يألو كداً ووكداً خوفاً أن يظلم الممول أو أن يفوت على خزانة الدولة أحد أو بعض حقوقها المالية ، وليضع بذلك وبكل أمانة ما يلزم لاستقرار واستمرار الشعب على أرضه بين يدي السلطة لتقوم بتنظيم المصالح داخل المجتمع ، ولينتهي عمله عند هذا الحد . فعمل مأمور الضرائب من الصعوبة بمكان ما يجعله دائماً بين حجرين رحى ، فهو من جانب يتسابق بين الكثير من نصوص التشريعات والتعليمات التنفيذية المتلاحقة ، وبين ما يجب تطبيقه من معايير وأسس للمحاسبة وبين المعاينات والمحاضر المناقشات ، والمقارنات المالية المتعددة ، وكذلك الإطلاع بالجهات المختلفة كالجمارك وغيرها من الجهات الملزمة بالخصم والتحصيل ... وغير ذلك الكثير ، كل هذا من أجل أن يثبت حقاً ومن خلال وقائع وحقائق مادية ملموسة ما يتوجب على الممول من مال استحقاقاً لخزانة الدولة العامة .. ذلك من جانب ، وبين ما يستحق فعلاً لخزانة الدولة العامة والذي يتوجب ألا يفوت منه شيئاً من جانب آخر .... ذلك جميعه ليس أبداً بالأمر اليسير ، حيث يضع مأمور الضرائب بشكل مستمر بين تساؤلات لا حصر لها لإتمام كل مهامه على الوجه الأكمل ، مما ينعكس بلا شك على حياته الخاصة بالسلب ، إذ ليس هناك مأمور ضرائب يقوم بفحص النشاطات التجارية وينعم في ذات الوقت بحياة هادئة مستقرة ، فحقيقة وأنا داخل المجتمع الضريبي أعترف وبصدق أن العمل في المجال الضريبي يسلب حياة مأمور الضرائب . إلا أن الأمر ليس على إطلاقه ، فمقتضيات العطاء والبذل وفكرة المناطحة واستفزاز الواقع من أجل النجاح في تحقيق أهداف العمل تأخذ مأمور الضرائب في من الانشغال بحياته الخاصة جبراً عنه إلى دوامة أخرى ، هي في الحقيقة سنة الله سبحانه وتعالى في الأرض ، وهي في حقيقتها تعد إعماراً في الأرض وتطبيقاً لقوله تعالى " هو أنشأكم في الأرض واستعمركم فيها " سورة هود الآية 61 . فالله سبحانه وتعالى ابتدأ خلقنا في الأرض وجعلنا لإعمارها رصداً حتى قيام الساعة ، فالإنسان كائن اجتماعي لا يسعه الحياة بمفردة بل لابد له من مجتمع ليعيش فيه ، ولما كان ذلك وكان الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي كرمه الله تعالى بنعمة العقل فكان منه أن استطاع تجميع شتات الإنسانية في مجتمعات وتنصيب عمال لتحقيق أهدافه من استقرار واستمرار لازمين لإعمار الأرض كسنة من سنن الله تعالى في الأرض .. وعليه فلقد اهتدي الإنسان مبكراً إلى أن ما يلزمه لتحقيق ذلك الاستقرار والاستمرار من أموال يجب جمعها من المقيمين في ذلك المجتمع كأمر منطقي ومن هنا نشأت فكرة الضرائب وغيرها من الجبايات والإيرادات العمومية الأخرى ، والتي بمقتضاها يتوجب على كل شخص يحقق مصلحة مالية معينة في المجتمع أن يتنازل عن شيء من ذلك لصالح ذلك المجتمع ككل . حيث تؤخذ تلك الضرائب لتنفق من جديد في سبيل تحقيق آمال وأهداف المجتمع . تلك هي الآلية النموذجية . من هنا تتضح أهمية مأمور الضرائب ، الذي توكل إليه مهمة تحديد كم يتوجب على كل فرد أن يقدم للدولة كي تضمن استقرارها واستمرارها ورفاهتها ، ومن هنا أيضاً جاء وصف مأمور الضرائب بأنه "قاض مال" . ولعل من الجدير بالذكر في هذا المقام أن ذلك الوصف ليس تشريفاً بقدر ما أنه مسئولية لقيت على عاتق مأمور الضرائب لتزيد من مشقته وعنائه مشقة وعناء ، فحقاً أن مهمة مأمور الضرائب مهمة ذات طابع قضائي متخصص في الشئون المالية ، وحيث ورد في ما رواه أبو داود وصححه الألباني في " إرواء الغليل " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " القضاة ثلاثة : واحد في الجنة . واثنان في النار ، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار ، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار " ففي الحديث إلزام قوي لكل من وُضِعْ موضع الفصل والحكم في أمر من الأمور ، أن يبحث عن سبل العلم باستمرار كي يقضي بالحق فليس هناك عذر لقاضي يحكم بجهل ... هذا والله أعلم . بقلم : عماد شفيق مصلحة الضرائب المصرية المحامي سابقاً دبلوم الدراسات العليا بالتحكيم الدولي ماجستير الدولة في القانون العام باحث دكتوراة