الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد: المرجئة فرقة ضالة مبتدعة تخالف مذهب السلف في الإيمان وبعض مسائل الإعتقاد. والإرجاء في اللغة: التأخير والرجاء, وسميت المرجئة بهذا الإسم لأنهم يؤخرون العمل عن حقيقة الإيمان, والإرجاء مراتب ودرجات, منها المكفرة ومنها دون ذلك. وذكر شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله أن السلف كانوا يصلون خلفهم ويترحمون عليهم, وإنما يشنعون عليهم مسلكهم الخاطيء في تأخير العمل عن حقيقة الإيمان. وأبرز إعتقاد المرجئة أن الإيمان بالتصديق أو المعرفة أو الإقرار, وأن العمل ليس داخلا في حقيقة الإيمان, ولا هو جزء منه, وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص وإنما درجة واحدة, وأن أصحاب المعاصي مؤمنون كاملو الإيمان ولا يضر إيمانهم شيئا وإن أذنبوا أو فعلوا الكبائر, وهذا مخالف لعقيدة السلف. أقول: المرجئة منهم الكافر ومنهم المؤمن, فمن يعدل إسلام إبليس أو اليهود والنصارى فلا شك في كفره, ومنهم المؤمن ولكنهم ضلوا في هذا الباب. فالأشاعرة والماتريدية يقولون أن الإيمان عمل قلبي واحد وهو التصديق, وأما الجهمية الغلاة يقولون أن الإيمان بالمعرفة, وهذا أقبح من تعريفه بالتصديق, وأما مرجئة الفقهاء (الأحناف) أخروا العمل عن مسمى الإيمان. وفرق المرجئة كثيرة, مثل: مرجئة الجبرية, ومرجئة القدرية, ومرجئة الكرامية, ومرجئة الخوارج الذين توقفوا في حكم مركب الكبيرة وهم الشبيبية, وليس هذا محل تفضيل. ومن المؤسف أن الأخ الشيخ نبيل العوضي -هداه الله- عندما سئل في تويتر "لماذا لا تناظر الشيخ سالم الطويل حتى تتبين الأمور؟", فرد في الخاص قائلا: "بإذن الله اذا انتهت الأزمة السياسية وبعض الأحداث نحن نرتب لتسليط الضوء على مرجئة العصر والرجوع للعلماء الكبار في هذا الموضوع". ثم الأعجب من هذا قال لم أقصد بمرجئة العصر الشيخ سالم الطويل, سبحانك ربي! هل يعقل أن يسأل المرء سؤالا ثم يجيب بجواب ليس له علاقة بالسؤال؟ كمن يسأل 1+1= ؟ فيقول يساوي 10, ثم يقال له الجواب خطأ, فيقول لم أقصد تلك الإجابة, قصدت أمرا آخرا ! لماذا كل هذا الخوف ؟! ثم أين دور الشيخ نبيل العوضي في الرد على أهل البدع على وجه العموم وعلى المرجئة على وجه الخصوص؟ وقد ذكرنا أن الأشاعرة والماتريدية عندهم إرجاء, فأين دوره في الصحف والتلفاز ودروس المساجد في الرد عليهم إن كان حقا يحارب المرجئة؟ بل لا يعرف له دروس بالتوحيد والسنة تميزه في الرد على أهل البدع, أو على الأقل في بيان معتقد الصحيح لأهل السنة والجماعة. فكل برامجه ودروسه ومقالاته عن الأخلاق والسلوك حتى يجمع محبين كثر, وقد حصل بالفعل! فترى الأشعري والماتريدي والصوفي والشيعي يتابعه ويحبه وقد وصل الحال إلى أنهم أصبحوا يدافعون عنه ! ولا أحسده على ذلك, فقد ورد عن بعض السلف أنهم كانوا يتهمون المرء اذا لم يحارب من قبل أهل البدع, وهنا ليس لا يحارب فحسب, بل محبوب لديهم .. فالله المستعان! أقول, كيف يحبك الأشاعرة والماتريدية وأنت تحارب المرجئة؟ ولو أنك حقا تتكلم في مسائل الإيمان لما حبك الأشعري والماتريدي, ولو كنت تتكلم في التوحيد لما حبك الشيعي والصوفي. ولكنك جمعت كل هذه الفرق بدغدغة مشاعرهم وعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه, وكأننا لا يوجد لدينا مصدر نرجع فيه في حال الإختلاف! ووصل الحال حتى النصراني يحب الشيخ نبيل العوضي, وهو فخور ومعتز بذلك! ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان أهم دعوته التوحيد ونشر العقيدة الصحيحة, وإلا كان الأخلاق موجود لدى اليهود والنصاري, فهو لم يبعث لهذا الأمر فحسب. ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) رواه الحاكم في المستدرك ووافقه الذهي وصححه الألباني. ثم الشيخ سالم الطويل حفظه الله له دروس كثيرة وبإستمرارية في شرح متون التوحيد والعقيدة, مثل كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب, والعقيدة الواسطية, والعقيدة الطحاوية, وعقيدة أهل السنة والجماعة للشيخ بن عثيمين, وغيرها. وكل ما ينتهي من شرح كتاب معين في العقيدة يشرع في شرح كتاب آخر, وفي هذه المناسبة لم يظهر لنا من خلال أشرطته ودروسه ومقالاته أنه مرجئ أو ينتصر لمذهب الإرجاء. فما هذه التهم الشنيعة والأباطيل؟؟ وعندما ظهر الشيخ سالم الطويل في قناة الوطن في مقابلة, منهم من سخر منه وبصفاته الخلقية, وهذا أخلاق وحجة الجاهل الضعيف, وتمادوا في ذلك وقالوا عنه (سلوم), أي: تصغير سالم. فهذه ليست من أخلاق المسلم فضلا عن طالب علم, ومع الأسف هذا الكلام صدر ممن ينتسبون إلى العلم وممن يحملون الشهادات العليا في الشريعة ! قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء) رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني. وذكر شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله في (العقيدة الواسطية) في بيان الأعمال التي يتحلى بها أهل السنة, قال: (وينهون عن الفخر, والخيلاء, والبغي, والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق). فمن سمات أهل البدع أنهم يتطاولون على العلماء الأكابر والمشايخ الأفاضل, ومن ثم يتهمونهم أنهم يسبون الناس (مع أنهم لم يسبوا أحدا ولكنهم بينوا أخطاء المخالفين فحسب, وذلك حماية للدين وصيانة للشريعة), ويتهمون علماء السنة أنهم يفرقون بين أبناء هذه الأمة, وفي الحقيقة لو نظرت في واقع الأمر تجد أن السلفيين يدعون الناس إلى التمسك بالكتاب والسنة على فهم سلف الأمة وإلى عدم التحزب والتفرق, ومن يخالف السلفيين تجده مذبذب كل يوم ينشأ حزبا جديدا أو وجماعة جديدة, أو يخرج من حرب إلى حزب آخر بعد أن ظن الحزب الأول كان على الحق, ومن ثم يضطر إلى التنازل عن بعض العقيدة الصحيحة والولاء والبراء لأنه مجتمع مع أهل البدع ومتعاون معهم, فلا يريد أن يجرح مشاعرهم وبيان مخالفاتهم, وبالتالي يجرح علماء أهل السنة ويتهمهم بالتفريق بين الأمة! فأوصي نفسي وإخواني بالإلتفاف إلى العلماء الأكابر, وعدم التفرق والتحزب لقوله تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء), قال البغوي رحمه الله: (هم أهل الأهواء). وبالمناسبة أوصي نفسي وإخواني عدم التعرض لأعراض الناس, والقول عليهم بغير بينة وبرهان, كما قال شيخ الإسلام: (والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق), وهذا يشمل حتى الكافر, لكن ربما البعض قد يفهم أن هذه عبارة مرجئة! ومنتشر اليوم جدا سب الكفار والمبالغة في هذا, مثل (بشار النعجة, وبشار الكلب), وهذا لا يجوز حتما. ولا أقصد بذلك دفاعا عن الطواغيت, ولكن الأمر دين, ووضع أهل العلم في بطون كتب الإعتقاد مثل شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في عقيدة الواسطية. فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو التابعين أنهم كانوا يسبون الكفار بهذه الطريقة, وعندما راسل النبي صلى الله عليه وسلم ملك الروم, كتب: (من محمد بن عبدالله إلى هرقل عظيم الروم), ولم يكتب (إلى نعجة الروم) أو نحوه! فأنا لا أدري لعل هذه المرجئة التي يتكلم عنها الشيخ نبيل العوضي هداه الله. واسأل الله أن يوفق المسلمين لكل خير وأن يوقيهم شر الفتن, ما ظهر منها وما بطن, والحمدلله رب العالمين.