داخلية غزة: إسرائيل تسعى لنشر الفوضى وزعزعة الاستقرار الداخلي    الكرملين: يجب تذكير الولايات المتحدة بأنها الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي    مصرع أب وإصابة نجله في تصادم سيارة ربع نقل مع دراجة نارية بالفيوم    انطلاق مهرجان ليالي مراسي 1 يوليو.. بهاء سلطان ورامي صبري في الافتتاح ونانسي وحكيم بالختام    إسرائيل اليوم: نتنياهو اتفق مع ترامب على إنهاء الحرب في غزة خلال أسبوعين    الحرس الثوري الإيراني: أمريكا تدخلت في الحرب لإنقاذ الجنود الإسرائيلي «المساكين»    رئيس المصري يضع خارطة الطريق للنهوض والارتقاء المستقبلي    مشاهدة مباراة مصر والبرتغال بث مباشر في كأس العالم للشباب لكرة اليد    «شيمي» يبحث تعزيز العلاقات الاقتصادية مع وزير الاستثمار المغربي (تفاصيل)    أسلاك الكهرباء تتسبب بإشعال النيران في سيارة تحمل كتان بالغربية    إزالة حالتي تعدٍ لمزارع سمكية شمال سهل الحسينية على مساحة 42 فدانا جنوب بورسعيد    محمد رمضان يحيي حفلا بالساحل الشمالي يوليو المقبل    «التأمين الشامل» تستعرض تجربة مصر في تحقيق الاستدامة المالية ضمن «صحة أفريقيا 2025»    وزير الخارجية ونظيره البولندي يعربان عن تطلعهما لترفيع مستوى العلاقات بين البلدين    فيفبرو يطالب فيفا بإعادة النظر فى مواعيد مباريات كأس العالم الأندية    بعد 16 عامًا من الانتظار..توجيهات عاجلة من محافظ الأقصر بتسليم مشروع الإسكان الاجتماعي بالطود    محافظ الجيزة: مشروعات حيوية لرفع كفاءة البنية التحتية وتحسين جودة الخدمات    رونالدو عن تجديد عقده مع النصر: نبدأ فصلا جديدا    انطلاق اختبارات المقاولون العرب الخارجية من نجريج مسقط رأس محمد صلاح    اعتماد الحدود الإدارية النهائية للمنيا مع المحافظات المجاورة    10 فئات محرومة من إجازة رأس السنة الهجرية (تعرف عليها)    الباركود كشفها.. التحقيق مع طالبة ثانوية عامة بالأقصر بعد تسريبها امتحان الفيزياء    ارتفاع شديد في درجات الحرارة.. طقس المنيا ومحافظات شمال الصعيد غدًا الجمعة 27 يونيو    ب4 ملايين جنيه.. «الداخلية» توجه ضربات أمنية ل«مافيا تجارة الدولار» خلال 24 ساعة    رئيس جامعة حلوان يهنئ الرئيس السيسي والشعب المصري بحلول العام الهجري الجديد    «الأعلى للثقافة» يوصي بإنشاء «مجلس قومي للوعي بالقانون»    ب «حلق» ونظارة شمسية.. عمرو دياب يثير الجدل ببوستر «ابتدينا» ولوك جريء    «الحظ يحالفك».. توقعات برج القوس في الأسبوع الأخير من يونيو 2025    «الأعلى للآثار»: تنظيم معرض «مصر القديمة تكشف عن نفسها» بالصين نوفمبر المقبل    تسليم 16 عقد عمل لذوي الهمم بالقاهرة    خلال مؤتمر «صحة أفريقيا».. إطلاق أول تطبيق ذكي إقليميًا ودوليًا لتحديد أولويات التجهيزات الطبية بالمستشفيات    فحص 829 مترددا خلال قافلة طبية مجانية بقرية التحرير في المنيا    السبت المقبل .. المنيا تحتفل باليوم العالمي للتبرع بالدم 2025    شاهد.. أرتفاع إيرادات فيلم "ريستارت" أمس    الخارجية الفلسطينية: عجز المجتمع الدولي عن وقف "حرب الإبادة" في قطاع غزة غير مبرر    ميرتس: الاتحاد الأوروبي يواجه أسابيع وأشهر حاسمة مع اقتراب الموعد النهائي لفرض الرسوم الجمركية    أمانة العمال المركزية ب"مستقبل وطن" تختتم البرنامج التدريبي الأول حول "إدارة الحملات الانتخابية"    محافظ الجيزة يتفقد مستشفى الحوامدية للوقوف على جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين    أفضل وصفات العصائر الطبيعية المنعشة لفصل الصيف    نساء الهجرة.. بطولات في الظل دعمت مشروعًا غيّر وجه التاريخ    ألونسو ردًا على لابورتا: نشعر في ريال مدريد بالحرية    محافظ أسوان يشهد الاحتفال بالعام الهجري الجديد بمسجد النصر    وزير الري يتابع إجراءات رقمنة أعمال قطاع المياه الجوفية وتسهيل إجراءات إصدار التراخيص    جهات التحقيق تأمر بتفريغ الكاميرات فى اتهام مها الصغير أحمد السقا بالتعدى عليها    وفاة والدة الدكتور محمد القرش المتحدث الرسمي لوزارة الزراعة وتشييع الجنازة في كفر الشيخ    أندية البرازيل مفاجأة مونديال 2025    عصمت يبحث إنشاء مصنع لبطاريات تخزين الطاقة والأنظمة الكهربائية في مصر    انتصار السيسي تهنئ المصريين والأمة الإسلامية بمناسبة رأس السنة الهجرية    تهنئة السنة الهجرية 1447.. أجمل العبارات للأهل والأصدقاء والزملاء (ارسلها الآن)    زيادة جديدة فى المعاشات بنسبة 15% بدءًا من يوليو 2025.. الفئات المستفيدة    جهات التحقيق تستعلم عن الحالة الصحية لعامل وزوجة عمه فى بولاق    بعد رحيله عن الزمالك.. حمزة المثلوثي يحسم وجهته المقبلة    بنتايج خارج القائمة الأولى للزمالك بسبب العقود الجديدة    نور عمرو دياب لوالدها بعد جدل العرض الخاص ل"فى عز الضهر": بحبك    إخلاء محيط لجان الثانوية العامة بالطالبية من أولياء الأمور قبل بدء امتحاني الفيزياء والتاريخ    هل الزواج العرفي حلال.. أمين الفتوى يوضح    بمناسبة العام الهجري الجديد.. دروس وعبر من الهجرة النبوية    دار الإفتاء تعلن اليوم الخميس هو أول أيام شهر المحرّم وبداية العام الهجري الجديد 1447    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصطفى محمد غريب يكتب : رفض التدخل في الشأن العراقي تحت حجج حماية الشعب العراقي
نشر في شباب مصر يوم 13 - 11 - 2016


مصطفى محمد غريب
لا نحمل أية ضغينة شخصية ضد إيران ولا ضد تركيا ونحن نعتز بصداقة شعبيهما وصداقة شعوب العالم ، بل هو الموقف الوطني الذي يكره التدخل في شؤون البلاد بكل أشكاله وبخاصة ذلك المرتبط بتحقيق مصالح تلك الدول وتغليبها على مصلحة العراق، إضافة إلى ما نحمله من التوجس والقلق بسبب التدخل في بلادنا بحجة مصلحة وحماية الشعب وهي دعاية غير مشروعة وبالضبط تخدم مصالح هذه الدول التي ثبت تدخلها بشكل سافر في الشؤون الداخلية، الهاجس الواقعي رفض التدخل الذي بقى يلازمنا سنوات طويلة وبصراحة منذ تأسيس الدولة العراقية بداية القرن العشرين، فمنذ أن احتلت بريطانيا العراق كان النضال ضدها حتى بعد الإعلان عن الاستقلال الصوري الذي لم ينه التدخل وتبلور بعدة أشكال واتفاقيات استعمارية منها معاهدة " بورتسموث 15 كانون الثاني 1948 "وبقاء قاعدتي الحبانية قرب الفلوجة والشعيبة في البصرة تحت تصرف الجيش والحكومات البريطانية وبموافقة الحكومات العراقية المتعاقبة فضلاً عن قيام حلف بغداد 1955 وعرف في بادئ الأمر باسم " منظمة حلف الشرق الأوسط" إلا أن هذا الحلف قد حل بعد انسحاب العراق منه أبان إعلان ثورة 14 تموز 1958 ، هذا الحلف كانت بريطانيا عضو فيه أيضاً وقد اخضع العراق للمخططات الاستعمارية بحجة الوقوف ضد أطماع الاتحاد السوفيتي وحلف وارشو السابقين وبالضد من المد الشيوعي في المنطقة إلا أن الهدف منه كان محاربة حركة التحرر الوطني بما فيها القوى الوطنية العراقية المعارضة، وبمجرد نجاح ثورة 14 تموز 1958 خرج العراق من حلف بغداد وفك ارتباطاته به وبالجنيه الإسترليني وشرعت العديد من القوانين لتساهم في عملية الاستقلال وعدم التبعية ورفض التدخل، لكن في الجانب الآخر استمرت الضغوط ومحاولات للتدخل في الشأن العراقي خلال حقبة أل 4 سنوات حتى تم الإجهاز على الثورة في انقلاب 8 شباط 1963 الدموي الذي قاده حزب البعث العراقي والقوى القومية والرجعية المعادية للحكم الجمهوري، وبهذا بدأت حقب أخرى وأشكال من التدخلات الخارجية على امتداد السنين المتعاقبة وبقى العراق محط أطماع العديد من الدول الطامعة التي تهدف للهيمنة والتلاعب به وبعلاقاته ومصيره الوطني.
لقد لعبت سياسة النظام الدكتاتوري السابق دوراً ميكافيلياً في تسهيل عملية التدخل في شؤون العراق الداخلية وساهمت بشكل مباشر وغير مباشرإلى تدميره كدولة بعد هروب جيشه من الكويت وانكفائه داخل الحدود التي رسمت على ضبط تحركاته العسكرية ومنع طيرانه من التحليق على المناطق التي أرادت الولايات المتحدة أن تحاصر نشاطاته العسكرية مما أدى إلى شبه انفصال للإقليم وضعف تحركاته في مناطق الجنوب وبهذا دخل العراق في عهد جديد، عهد الانقسام السياسي والجغرافي النسبي نتيجة التدخل المباشر من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وتدخلات جارتيه تركيا وإيران العلنية والسرية وغيرهما ،وقد أصبحت البلاد محط أطماع البعض في ممن يرومون الهيمنة والتدخل لخدمة مصالحهم التي هي بالضد من مصالح البلاد، وتكللت الأوضاع السياسية ونتائج سياسة النظام الدكتاتوري العدواني السابق بالتدخل الكبير من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا حيث احتل العراق بكامله عام 2003 وأصبح تابعاً للقرارات الأجنبية ومحط قدم لكل من هب ودب، فتركيا التي كانت بالاتفاق مع النظام السابق لها حق التدخل عسكرياً في مناطق الإقليم لملاحقة حزب العمال الكردستاني PKK ولها قاعدة عسكرية بالقرب من زاخو ثم قاعدة جديدة بحجة تدريب الحشد العشائري الخاص بتحرير الموصل من داعش في " بعشيقة العراقية " فمن جهة يصرخ رئيس الوزراء حيدر العبادي والبعض في الحكومة والحشد الشعبي بالضد من تواجد قوات تركية واتهام تركيا بالتدخل ورفض تواجد قواتها في بعشيقة نجدهم يصمتون كصمت الأموات على تدخلات إيران، بينما إيران لها ميليشيات خاصة بها وتعتبر العراق ضمن الإمبراطورية الفارسية وبغداد عاصمتها فضلاً عن انتشار غير منظور لفيلق القدس وجنرالات معروفين مثل قائد فيلق الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني الذي ينتقل بحرية حتى الفرد العراقي لا يستطيع التحرك مثله وهو يشارك ويقود البعض من الميليشيات الطائفية المسلحة وبموافقة وطلب رسمي من الحكومة العراقية، وصرح مؤخراً نائب رئيس هيئة ميليشيات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس " إن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني يقود تقدم الميليشيات في المحور الغربي لمدينة الموصل بعد طلب رسمي من الحكومة العراقية " ومع إنكار المسؤولين الكبار في التحالف الشيعي ومنهم نوري المالكي الذين نفوا وجود قاسم سليماني وغيره ومهماتهم العسكرية ونفي لأي دور للميليشيات الطائفية بما فيهم تصريحات حيدر العبادي القائد العام للقوات المسلحة " بسبب الأعمال الوحشية التي ارتكبتها الميليشيات في بعض المناطق التي تم تحريرها، وليس اعتباطاً ما جاء ضمن تصريحات قائد ميليشيات عصائب أهل الحق "قيس الخزعلي" الذي أشار بشكل صريح " أن الانتقام والثأر هو السبب الرئيسي لمشاركتهم في معركة الموصل" وهذا يعني التوجه لتقسيم البلاد على أساس طائفي وقد تنشب حرب أهلية عقب تحرير الموصل من داعش إذا لم تحدد مهمات هذه الميليشيات وعودتها ثم العمل على التخلص من جميع الميليشيات الطائفية بعد التخلص من الإرهاب، ولم يكن التدخل الإيراني مختصراً على ذلك أو على ميليشيات البعض في الحشد الشعبي فان المستشار الأعلى للقائد العام للقوات المسلحة الإيرانية " أن إيران وجهت ضربة ضد "داعش" شمال العراق" في الوقت الذي ينفي رئيس الوزراء السابق والحالي تدخل إيران عسكرياً في العراق لكن الذي ظهر التناقض مع ما يدعونه وتصريحات البعض من قيادي الميليشيات فقد أشارت " حركة النجباء " وهي إحدى المنظمات المنضوية للحشد الشعبي " إن إيران أرسلت العديد من مقاتليها في جميع المعارك " ووضح رئيس الوزراء حيد العبادي بخصوص دور الحشد الشعبي "سيقتصر دورها على إسناد القوات الأمنية بسبب الرفض المحلي والدولي" لكن هناك تناقض وقضم للحقيقة فقد ثبت غير ذلك ولا حاجة لذكر الوقائع بهذا الشأن ، واليوم ونحن نتابع سير المعارك العسكرية بالضد من داعش نلمس مدى التدخل الخارجي بعلم أو إنكار علم الحكومة العراقية التي يحاول البعض من المسؤولين إخفائها ولكن هيهات لأن حوالي أكثر من 5000 آلاف جندي أمريكي وقوات أخرى تحت طائلة مستشارين أو مدربين يتواجدون في القواعد العسكرية وحتى يشاركون بشكل ما في القتال بالضد من داعش فضلاً عن مئات الطائرات الحربية المختلفة للتحالف الدولي المساندة للقوات العراقية وباعتقادنا لولا هذا الدعم اللوجستي المتنوع لكان من الصعوبة بمكان القضاء على داعش، وفترة السنتين اللتين بقى فيها داعش والقتال المرير الذي نشهده الآن يؤكد هذا الرأي.
إن التدخل في شؤون العراق الداخلية هو إحدى السمات الملموسة في ظروف ما بعد الاحتلال وإسقاط النظام الدكتاتوري ولهذا التدخل طرق عديدة منها ما هو عسكري أو اقتصادي ولكن المسبب الرئيس له هو نظام المحاصصة الطائفية الذي تأسس على مفهوم خطر بتقسيم الشعب إلى مكونات وطوائف ودفعها للتناحر، أما بالإرهاب ومنظماته القاعدة و داعش أو منظمات تحت طائلة أسماء إسلامية مدعومة من قبل حزب البعث الصدامي أو ميليشيات طائفية مسلحة تقاد من قبل أحزاب الإسلام الشيعي ولها أجندة خارجية تتحرك أمام أعين القوى المتنفذة في التحالف الوطني وتتخذ في الكثير من الأحيان صفات تمثل البعض من المؤسسات الأمنية مثل الجيش والشرطة الاتحادية وغيرهما.
إن العراق يحتاج للتخلص من التدخلات الخارجية إلى إجراءات قانونية وحكومية عديدة لكن يبقى العامل الرئيسي الذي سيساهم بالنجاح، إنهاء المحاصصة الطائفية وانتهاج نهج وطني يضع المواطنة أساس للحكم والقيادة، إضافة إلى قيام برلمان وطني بعيداً عن المحاصصة ليتسنى تعديل الدستور وتخليصه من نواقصه ليضمن بناء الدولة المدنية التي تضمن حقوق جميع المواطنين ومكونات الشعب العراقي بقومياته وأديانه وأعراقه، دولة القانون والديمقراطية وتعديل قانون الانتخابات التشريعية ومجالس المحافظات، وتشريع العديد من القوانين الوطنية والقوانين التي تستفيد منها الطبقات والفئات الاجتماعية الكادحة والضعيفة والفقيرة وانتهاج سياسة واقعية للتخلص من البطالة وإيجاد فرص للعمل وتحقيق المصالحة الوطنية وإقامة حوار بناء ومسؤول مع حكومة الإقليم لحل الإشكاليات في المادة 140 وقضية النفط وحصة الإقليم من الموازنة، ورسم سياسة مستقرة للعلاقات مع البلدان المجاورة وعدم تدخل إيران وتركيا بما فيها سحب قواتهما أو من يمثلها عسكرياً من البلاد، والتعاون مع جامعة الدول العربية والأمم المتحدة ومع الدول في العالم، أن هذه المعايير وغيرها سوف تدفع عجلة التقدم والتطور البلاد نحو الاستقرار الأمني ولانتعاش الاقتصاد الوطني.. بقوة وبدراية ووعي وطني نرفض أي تدخل بحجة حماية شعبنا لان شعبنا إذا ما منح الحرية الكاملة لا يحتاج إلى حماية التدخل لحمايته فهو قادر على حماية نفسه مثل جميع الشعوب الحرة
مصطفى محمد غريب
لا نحمل أية ضغينة شخصية ضد إيران ولا ضد تركيا ونحن نعتز بصداقة شعبيهما وصداقة شعوب العالم ، بل هو الموقف الوطني الذي يكره التدخل في شؤون البلاد بكل أشكاله وبخاصة ذلك المرتبط بتحقيق مصالح تلك الدول وتغليبها على مصلحة العراق، إضافة إلى ما نحمله من التوجس والقلق بسبب التدخل في بلادنا بحجة مصلحة وحماية الشعب وهي دعاية غير مشروعة وبالضبط تخدم مصالح هذه الدول التي ثبت تدخلها بشكل سافر في الشؤون الداخلية، الهاجس الواقعي رفض التدخل الذي بقى يلازمنا سنوات طويلة وبصراحة منذ تأسيس الدولة العراقية بداية القرن العشرين، فمنذ أن احتلت بريطانيا العراق كان النضال ضدها حتى بعد الإعلان عن الاستقلال الصوري الذي لم ينه التدخل وتبلور بعدة أشكال واتفاقيات استعمارية منها معاهدة " بورتسموث 15 كانون الثاني 1948 "وبقاء قاعدتي الحبانية قرب الفلوجة والشعيبة في البصرة تحت تصرف الجيش والحكومات البريطانية وبموافقة الحكومات العراقية المتعاقبة فضلاً عن قيام حلف بغداد 1955 وعرف في بادئ الأمر باسم " منظمة حلف الشرق الأوسط" إلا أن هذا الحلف قد حل بعد انسحاب العراق منه أبان إعلان ثورة 14 تموز 1958 ، هذا الحلف كانت بريطانيا عضو فيه أيضاً وقد اخضع العراق للمخططات الاستعمارية بحجة الوقوف ضد أطماع الاتحاد السوفيتي وحلف وارشو السابقين وبالضد من المد الشيوعي في المنطقة إلا أن الهدف منه كان محاربة حركة التحرر الوطني بما فيها القوى الوطنية العراقية المعارضة، وبمجرد نجاح ثورة 14 تموز 1958 خرج العراق من حلف بغداد وفك ارتباطاته به وبالجنيه الإسترليني وشرعت العديد من القوانين لتساهم في عملية الاستقلال وعدم التبعية ورفض التدخل، لكن في الجانب الآخر استمرت الضغوط ومحاولات للتدخل في الشأن العراقي خلال حقبة أل 4 سنوات حتى تم الإجهاز على الثورة في انقلاب 8 شباط 1963 الدموي الذي قاده حزب البعث العراقي والقوى القومية والرجعية المعادية للحكم الجمهوري، وبهذا بدأت حقب أخرى وأشكال من التدخلات الخارجية على امتداد السنين المتعاقبة وبقى العراق محط أطماع العديد من الدول الطامعة التي تهدف للهيمنة والتلاعب به وبعلاقاته ومصيره الوطني.
لقد لعبت سياسة النظام الدكتاتوري السابق دوراً ميكافيلياً في تسهيل عملية التدخل في شؤون العراق الداخلية وساهمت بشكل مباشر وغير مباشرإلى تدميره كدولة بعد هروب جيشه من الكويت وانكفائه داخل الحدود التي رسمت على ضبط تحركاته العسكرية ومنع طيرانه من التحليق على المناطق التي أرادت الولايات المتحدة أن تحاصر نشاطاته العسكرية مما أدى إلى شبه انفصال للإقليم وضعف تحركاته في مناطق الجنوب وبهذا دخل العراق في عهد جديد، عهد الانقسام السياسي والجغرافي النسبي نتيجة التدخل المباشر من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وتدخلات جارتيه تركيا وإيران العلنية والسرية وغيرهما ،وقد أصبحت البلاد محط أطماع البعض في ممن يرومون الهيمنة والتدخل لخدمة مصالحهم التي هي بالضد من مصالح البلاد، وتكللت الأوضاع السياسية ونتائج سياسة النظام الدكتاتوري العدواني السابق بالتدخل الكبير من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا حيث احتل العراق بكامله عام 2003 وأصبح تابعاً للقرارات الأجنبية ومحط قدم لكل من هب ودب، فتركيا التي كانت بالاتفاق مع النظام السابق لها حق التدخل عسكرياً في مناطق الإقليم لملاحقة حزب العمال الكردستاني PKK ولها قاعدة عسكرية بالقرب من زاخو ثم قاعدة جديدة بحجة تدريب الحشد العشائري الخاص بتحرير الموصل من داعش في " بعشيقة العراقية " فمن جهة يصرخ رئيس الوزراء حيدر العبادي والبعض في الحكومة والحشد الشعبي بالضد من تواجد قوات تركية واتهام تركيا بالتدخل ورفض تواجد قواتها في بعشيقة نجدهم يصمتون كصمت الأموات على تدخلات إيران، بينما إيران لها ميليشيات خاصة بها وتعتبر العراق ضمن الإمبراطورية الفارسية وبغداد عاصمتها فضلاً عن انتشار غير منظور لفيلق القدس وجنرالات معروفين مثل قائد فيلق الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني الذي ينتقل بحرية حتى الفرد العراقي لا يستطيع التحرك مثله وهو يشارك ويقود البعض من الميليشيات الطائفية المسلحة وبموافقة وطلب رسمي من الحكومة العراقية، وصرح مؤخراً نائب رئيس هيئة ميليشيات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس " إن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني يقود تقدم الميليشيات في المحور الغربي لمدينة الموصل بعد طلب رسمي من الحكومة العراقية " ومع إنكار المسؤولين الكبار في التحالف الشيعي ومنهم نوري المالكي الذين نفوا وجود قاسم سليماني وغيره ومهماتهم العسكرية ونفي لأي دور للميليشيات الطائفية بما فيهم تصريحات حيدر العبادي القائد العام للقوات المسلحة " بسبب الأعمال الوحشية التي ارتكبتها الميليشيات في بعض المناطق التي تم تحريرها، وليس اعتباطاً ما جاء ضمن تصريحات قائد ميليشيات عصائب أهل الحق "قيس الخزعلي" الذي أشار بشكل صريح " أن الانتقام والثأر هو السبب الرئيسي لمشاركتهم في معركة الموصل" وهذا يعني التوجه لتقسيم البلاد على أساس طائفي وقد تنشب حرب أهلية عقب تحرير الموصل من داعش إذا لم تحدد مهمات هذه الميليشيات وعودتها ثم العمل على التخلص من جميع الميليشيات الطائفية بعد التخلص من الإرهاب، ولم يكن التدخل الإيراني مختصراً على ذلك أو على ميليشيات البعض في الحشد الشعبي فان المستشار الأعلى للقائد العام للقوات المسلحة الإيرانية " أن إيران وجهت ضربة ضد "داعش" شمال العراق" في الوقت الذي ينفي رئيس الوزراء السابق والحالي تدخل إيران عسكرياً في العراق لكن الذي ظهر التناقض مع ما يدعونه وتصريحات البعض من قيادي الميليشيات فقد أشارت " حركة النجباء " وهي إحدى المنظمات المنضوية للحشد الشعبي " إن إيران أرسلت العديد من مقاتليها في جميع المعارك " ووضح رئيس الوزراء حيد العبادي بخصوص دور الحشد الشعبي "سيقتصر دورها على إسناد القوات الأمنية بسبب الرفض المحلي والدولي" لكن هناك تناقض وقضم للحقيقة فقد ثبت غير ذلك ولا حاجة لذكر الوقائع بهذا الشأن ، واليوم ونحن نتابع سير المعارك العسكرية بالضد من داعش نلمس مدى التدخل الخارجي بعلم أو إنكار علم الحكومة العراقية التي يحاول البعض من المسؤولين إخفائها ولكن هيهات لأن حوالي أكثر من 5000 آلاف جندي أمريكي وقوات أخرى تحت طائلة مستشارين أو مدربين يتواجدون في القواعد العسكرية وحتى يشاركون بشكل ما في القتال بالضد من داعش فضلاً عن مئات الطائرات الحربية المختلفة للتحالف الدولي المساندة للقوات العراقية وباعتقادنا لولا هذا الدعم اللوجستي المتنوع لكان من الصعوبة بمكان القضاء على داعش، وفترة السنتين اللتين بقى فيها داعش والقتال المرير الذي نشهده الآن يؤكد هذا الرأي.
إن التدخل في شؤون العراق الداخلية هو إحدى السمات الملموسة في ظروف ما بعد الاحتلال وإسقاط النظام الدكتاتوري ولهذا التدخل طرق عديدة منها ما هو عسكري أو اقتصادي ولكن المسبب الرئيس له هو نظام المحاصصة الطائفية الذي تأسس على مفهوم خطر بتقسيم الشعب إلى مكونات وطوائف ودفعها للتناحر، أما بالإرهاب ومنظماته القاعدة و داعش أو منظمات تحت طائلة أسماء إسلامية مدعومة من قبل حزب البعث الصدامي أو ميليشيات طائفية مسلحة تقاد من قبل أحزاب الإسلام الشيعي ولها أجندة خارجية تتحرك أمام أعين القوى المتنفذة في التحالف الوطني وتتخذ في الكثير من الأحيان صفات تمثل البعض من المؤسسات الأمنية مثل الجيش والشرطة الاتحادية وغيرهما.
إن العراق يحتاج للتخلص من التدخلات الخارجية إلى إجراءات قانونية وحكومية عديدة لكن يبقى العامل الرئيسي الذي سيساهم بالنجاح، إنهاء المحاصصة الطائفية وانتهاج نهج وطني يضع المواطنة أساس للحكم والقيادة، إضافة إلى قيام برلمان وطني بعيداً عن المحاصصة ليتسنى تعديل الدستور وتخليصه من نواقصه ليضمن بناء الدولة المدنية التي تضمن حقوق جميع المواطنين ومكونات الشعب العراقي بقومياته وأديانه وأعراقه، دولة القانون والديمقراطية وتعديل قانون الانتخابات التشريعية ومجالس المحافظات، وتشريع العديد من القوانين الوطنية والقوانين التي تستفيد منها الطبقات والفئات الاجتماعية الكادحة والضعيفة والفقيرة وانتهاج سياسة واقعية للتخلص من البطالة وإيجاد فرص للعمل وتحقيق المصالحة الوطنية وإقامة حوار بناء ومسؤول مع حكومة الإقليم لحل الإشكاليات في المادة 140 وقضية النفط وحصة الإقليم من الموازنة، ورسم سياسة مستقرة للعلاقات مع البلدان المجاورة وعدم تدخل إيران وتركيا بما فيها سحب قواتهما أو من يمثلها عسكرياً من البلاد، والتعاون مع جامعة الدول العربية والأمم المتحدة ومع الدول في العالم، أن هذه المعايير وغيرها سوف تدفع عجلة التقدم والتطور البلاد نحو الاستقرار الأمني ولانتعاش الاقتصاد الوطني.. بقوة وبدراية ووعي وطني نرفض أي تدخل بحجة حماية شعبنا لان شعبنا إذا ما منح الحرية الكاملة لا يحتاج إلى حماية التدخل لحمايته فهو قادر على حماية نفسه مثل جميع الشعوب الحرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.