أورثنا تاريخنا العربى العديد من سمات القتل والبطش وسفك الدماء وانتهاك الحرمات والتفجيرات وهذا الارث يشترك فية الحاكم والمحكوم على حد سواء وهذه الثقافة بحاجة الى مراجعة تاريخية ونفسية واجتماعية شاملة بل بحاجة ماسة لبناء أسس انسانية صائبة لكل المجتمعات العربية دون استثناء تكون عناوينها الاساسية احترام الذات والاخر والرضوخ للقانون والدستور حاكما ومحكوما دون استثناءات عبثية مازلنا ندفع استحقاقاتها المنطقية رغم ان الامة العربية عريقة بتاريخها ومكرمة من السماء بكونها ارض الانبياء والرسالات بل وارض الخيرات الا ان هذه الامة مغيبة لعدة اسباب يتحملها الجميع افراد ومجتمعات وحكومات ودول دون استثناء وقد طويت مؤخرا صفحات عربية هامة باعدام صدام حسين فى العراق وطرد بنى على من تونس وخلع مبارك من حكم مصر واخيرا باغتيال القذافي بعد 42 عام من حكم فردي دموي وعبثي مع مفارقة عربية اخرى ان هذا الحاكم الدموي انتهى من قبل خصومه بطريقة دموية لاتقل وحشية عن وحشية حكمه الطويل والثقيل وهنا جزء من جوهر المشكلة وفي الجانب الاخر لمقتل القذافي ومقارنة ردود الافعال العربية مع ظروف تنفيذ حكم اعدام صدام فى العراق سيجد المراقب المنصف والمحايد ان هناك تناقض عربي يصل الى حد التطرف التام فنجد ان بعض طائرات وجيوش الامة ذهبت لتدك جيش القذافي بمباركة عربية و نفس هذه الجيوش ذهبت هذه المرة وبنفس الوقت لتدك الشعب المسالم في البحرين وهو اصلا لم يرفع السلاح مثل اشقائه ثوار ليبيا وفي الجانب الاكثر اثارة وهو الاعلام العربى فتجد ان العديد من القنوات ومنها على سبيل المثال الجزيرة والعربية اجبرت المذيعات على لبس السواد حين تم اعدام صدام وغاب عنهن المكياج المعتاد على وجوههن الجميلة ولكن نفس مذيعات الجزيرة والعربية كانت وجوههن تتسم بالفرح والنشوة والزهو والتالق وهن ينقلن صور البطش الدموي بالقذافي فما الفرق بين صدام والقذافي ومبارك وبن على حتى يتم توزيع الحزن والفرح بينهما بهذه الطريقة العربية الاعلامية المريبة ونفس الشيئ بطريقة اخرى فقد نصبت غزة وحماس سراديق العزاء وواعلنا الحزن لموت عدي وقصي صدام حسين ولكنها لم تفعل ذلك للمعتصم وخميس معمر القذافي فما الذي قدمه اولاد صدام للقضية الفلسطينيةوغزة وحماس ولم يقدمه اولاد القذافي وايضا وللتاريخ ان صدام والقذافي ومبارك وبن وعلى وغيرهم العديد من الحكام العرب اشتركا بالمتجارة بقضية فلسطين فصدام ربط في عقد الثمانينات المحمرة في ايران بالقدس وفي عقد التسعينات ربط غزوالكويت بتحرير فلسطين واراد القذافي من احتلال مقر منظمة اوبك طريقا لتحرير فلسطين على يد كارلوس وفي الحالتين الصدامية والقذافية كان العبث والدمار والتخلف سيد الموقف وايضا اشتركا صدام و القذافي بمنح ثروات العراقيين والليبيين الى ياسر عرفات والمنظمات الفلسطينية الاخرى لتتحول الى بؤر للفساد المالي ورموز للتصفيات الفلسطينية الداخلية وفي الوقت الذي كان يعاني من العوز والحاجة ابناء العمارة والبصرة ابناء مناجم نفط وخير العراق وابناء بنغازي ومصراته في ليبيا كانت ثروات الشعبين تورث لبنت عرفات وزوجته مليارات من الدولارات وبساتين الموز في قارات اخر!السؤال الملح والاكبر لماذا تحزن الامة وتلبس السواد على اعدام صدام فيما تفرح وتطبل نفس هذه الامة لموت القذافي مالذي يميز الشهيد صدام حسب فكر الامة عن المجرم القذافي حسب نفس فكر هذه الامة ؟اعتقد ان الجواب لايحتاج الى عناء طويل ففي الجانب الاول ان الامة تعاني من انفصام فردي و جماعي وانساني وان مخلفات الجهل التي تستوطنها سمحت لرواسب الطائفية ان تتحكم بعواطفها وضميرها لذلك كان يكفي قناتين فضائيتين وليس اكثر ان تتلاعب بمشاعر واراء الجماهير ذات اليمين او ذات الشمال.اما تناقض حالتي الشهادة والزندقة بين صدام و القذافي فهذه مشكلة عربية عميقة فليكن من يكن شهيدا او زندقيا في فكرهم الغريب والمتناقض فمن ولى ومن بقي هم اصنام سواء كان الشهيد صدام او الذنديق القذافى او المخلوع مبارك او المحروق على صالح او من لبث ثوب العروبة مثل بشار سوريا او باقى اصنام المنطقة العربية من اصحاب السمو والملوك .