مستشار/ أحمد عبده ماهر هناك فرق لم يتبينه أكثر المشتغلين بالدعوة والفقه فضلا عن سائر المسلمين إلا من رحم الله من المتدبرين لآياته، وهو الفرق بين الكلمات الآتية من كتاب الله: 1. الرُّجز بضم حرف الراء وشدّها. 2. والرِّجز بكسر حرف الراء وشدّها 3. ورِجز بكسر حرف الراء بدون شدَّةٍ 4. رجس بحرف السين وليس بحرف الزاي وكلها كلمات وردت بكتاب الله، ولكل منها معنى خاص، لذلك سأصحبكم معي في سياحة قرءانية لنعلم سويا الفرق بينهم حتى نفهم دلالات آيات كتاب الله، ولنكون ممن يتدبرون القرءان، وذلك فيما يلي: أ- فالرُّجز بضم حرف الراء مع الشدة تعني عبادة الأوثان، وذلك من قوله تعالى:- { وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ{5}المدثر 5. أي فاهجر عُبّاد الأوثان وأوثانهم، وقيل إن الرُّجز كان اسمًا لصنم معين أسمه الرُّجز ومن البدهي لمنطق قدامى المفسرين حين يفسرون هذه الآية وليأصلوا فكرهم بأن النبي لم يسجد لصنم، ولم يعبد غير الله، فإنهم يقولون بأن معناها [استدم على هجر عبادة الأوثان] مع أن كلمة [استدم] ليس لها موقع في معنى الأمر لأن سورة المدثر سورة مكية وكانت هذه من أوائل ما نزل من القرءان لتبشره بالنبوة، فليس عيبا ولا حراما أن تناله أنوار هداية الله حين يختاره الله ليكون نبيا فيأمره الله بهجران عبادة الأوثان ومن بينها الضلال عن الله وقد قال تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى }الضحى7؛ فمن خلال الآيتين نستقي صحيح المعنى. ب- أما الرِّجز بكسر حرف الراء وشدّها يعني العذاب، وذلك لقوله تعالى:- { وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ{134}الأعراف 134؛ وقوله تعالى:- { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ{59} البقرة59. ج- أما كلمة رِجز بكسر حرف الرَّاء فقط بدون شدة، فتعني وساوس الشيطان، وذلك من قوله تعالى:- { إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ{11}الأنفال 11؛ أي يذهب عنكم وساوس الشيطان. ويشتق من هذا كله كلمة الرَّجز بتشديد حرف الرَّاء وفتحها، وهى تعني في اللُّغة تتابع الحركات وهكذا ترى أن العلم بالمعنى يهدى إلى تذوُّق وإلى تدبُّر أمر به الله في قوله تعالى:- { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا{24}محمد 24 2. وأجد من الضرورة أن أذكر كلمة لها جرس موسيقى مقارب لمنطوق كلمة (الرجز) سواء بكسر الراء أم ضمها وسواء كان بالتشديد أم بغير التشديد وهى كلمة (الرِّجس) فالرِّجس هو القذارة، ويمكن أن يكون للكلمة معان أخرى، وسوف نتناولها فيما يلي:- أ- الرِّجس بمعنى العقاب وذلك من قوله تعالى:- { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ{100}يونس 100؛ أى يجعل العقاب على الذين لا يعقلون ب- وقد تكون كلمة الرِّجس بمعنى الشَّك، وفي ذلك يقول تعالى:- { وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ{125} التوبة 125 ج- وقد تكون الكلمة بمعنى المأثم وذلك من قوله تعالى:- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{90}المائدة 90 د- وقد تكون الكلمة بمعنى ما لا خير فيه، وذلك من قوله تعالى:- { فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ{125}الأنعام 125 بينما طهر الله أهل بيت النبوة مما لا خير فيه فقال:- { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً{33} الأحزاب33. كل تلك المعاني وفقا لموقع الكلمة بالآية، وما قبلها وما بعدها، وهكذا يجد المسلم مدى ثراء القرءان بالمعاني عن اللفظ الواحد وفقاً لوضع اللفظ في الجملة، وهو ما كان يجب ألا يغيب عن فطنة المتعاملين بالقرءان والمؤمنين به من الذين نالوا قسطا من التعليم. فعيب كل العيب أن نوجِّه طاقاتنا واهتماماتنا للتعلم بمعناه الدَّارج، بينما نذهل عن بعض النذر اليسير من الجهد لتعلُّم القرءان أو حتى معرفة معاني كلماته، وكأننا لا نفهم العربية، فالقرءان لم ينزل لأهل الجزيرة العربية فقط، كما أن اللغة العربية ليست حكراً على أهل الجزيرة العربية، ونحن مأمورون بأن نقوم بتبليغ القرءان فتلك هي حقيقة السنة النبوية أن تكون مبلغا عن الله فكيف تقوم بواجب التبليغ بينما أنت لا تعرف معاني كلمات القرءان؟ ------------- مستشار/أحمد عبده ماهر محام بالنقض ومحكم دولي وباحث إسلامي