هنيئاً لك يا شعب مصر العظيم أن أصبحت بكامل تعدادك من بعد ثورة يناير فلاسفة ومناظرين هنيئاً لك يا شعبنا المكافح ان أصبحت بكامل تعدادك قضاة ومستشارين وأهلا للفتوى.. هنيئاً لك يا شعبنا الثائر والمُثابر أن أصبحت بكامل تعدادك فى لحظة أكاديمياً ومُحاضراً.. كل أفراد الشعب ياسادة قد أصبحوا أساتذة وفلاسفة كما وقد أصبحوا جميعهم قضاة ومحللين سياسيين .. صار الكل ناقدا لغيره بينما هو فيشعر بالسمو والتنزه عن الخطأ .. فالكل متّهمين ماعداه .,. والكل فاسدين الا هو... والكل مستحقين للابعاد عن الحياة السياسية ماخلاه .. الكل من الفلول الا هو .. والكل يجب خضوعه لمقصلة الثورة ماعداه .. صار الكل ساسة وأصبحت الانتخابات البرلمانية ومدى وجوب أسبقيتها على اعداد الدستور أو العكس محل مناقشة على الأرصفة وبين الأزقة وبالمواصلات العامة والطرقات وبين كافة أطياف المجتمع الدنيا والمتوسطة والعليا وصار الكلُ أضداداً فى أضداد .. وصار كل اثنين مختلفين ومتناحرين من بعد حوار وجدال .. فالكل كما قلنا أساتذة وفلاسفة وليس من بينهم من يستحق متعة التلقى وحظوة الاستفادة والتعلم .. صار الكل مُشرّعاً عملاقاً وناقداً جهبزاً ... الكلُ أصبح يتكلم عن مانديللا ولم يعرف شيئا عن تاريخه أو من هو.. والكل بات يحكى عن جيفارا وغاندى وبوحريد دون أن يعلمون من هم . فقط بات ذكرهم من لوازم أُبّهة الحديث عن الثورة والحرية .. وبات التلفظ بأسمائهم ضرورة لازمة لاكتمال الشخصية الثورية والتى بات يتقمصها كل مصرى حتى ولو كان مناهضا للثورة ذاتها بل ومن أتباع النظام السابق .. ولم لا ؟ .. فكل شعب مصر صار ثائراً ومُحرراً ومُقرراً ومُناظراً وهائجاً ومُتهيجاً فى أن واحد .. ان ما أثارنى ياسادة هو ماتفاجأت به على احدى صفحات التواصل الاجتماعي الفيس بوك من صفحة وصلت تعداد أعضائها المشاركين بما يربوا عن الخمسين ألفاً وكان عنوان الصفحة (التصويت على اعدام حسنى مبارك ) وباستقراء الأراء وجدت اختلاف المشاركين ليس بين مؤيد ورافض بل بين الكل بالاختلاف بين الاعدام وسلب الحرية .. وهالنى ما رأيت ممن يطلقون على أنفسهم وصف الثوار فتساءلت .. هل منطق الثوار يقبل هذه الردة على المبادئ الثورية التى طالما نادوا بها بل والمُتعارف عليها من احترام سيادة القانون وعدالة القضاء ومبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية أم هى دكتاتورية الأقلية وقد احتلت مقاعد الأغلبية فى لحظات .. وهل تقبل الثورة ومن قبلها الثوار بأن يملك الشعب حق الحكم بلا محاكمة على من اعتبره خصماً له دون نظم قضائية عادلة وبدافع أصيل من الانتقام والتشفى .. وهل تعنى الثورة لديهم ان يكون الاعدام وهو عقوبة لايمكن القبول بتطبيقها الا من بعد محاكمة عادلة قضت به وصارت عنواناً للحقيقة حيث لا جريمة ولا عقوبة الا بنص بل ومن قبل صدور مثل هذا الحكم لا يمكن انتهاك قرينة البراءة التى هى من لزوم حقوق الانسان بينما هم اليوم فقد جعلوا عقوبة الاعدام بناء على تصويت شعبى يفتقر لمضامين الحيدة والعدالة .. فما أثار زعرى ياسادة هو قبول الفكرة بل ومنطقها من هذا العدد الألفى المشارك .. لك الله يا شعب مصر فقد بت تفتقد مضامين وأليّات ما تنادى بتطبيقه .. فأصبحنا نرى من نادوا باسم الثورة بالعدالة الاجتماعية قد أثروا على حساب مبادئهم الهاتفين بها فنجد من يتحدث اعلامياً باسم الفقراء يتقاضى فى حلقاته الاعلامية ملايين الجنيهات وقد تقمص شخصيتهم وتكلم بلسانهم طالباً للثراء من بعد الثورة وكأن المبادئ هى وسائل للتربح من بعد الهتافات الثورية بينما هم فلا زالوا يتكلمون بلسان الأرامل واليتامى والمعدمين والمهمشين وسكان المقابر وذوى الحاجة .. لك الله يا شعب مصر .. فقد أصبحنا نرى من ثاروا لأجل اقصاء الأخر لهم هم اليوم ينادون باقصاء من خالفهم من الحياة السياسية بل وربما من الحياة برمتها باسم الفلول تارة وباسم محاربة الفساد تارة أخرى وهى مسميات قد اتُخذت مؤخراً كأدوات حرب لتصفية أشخاص واعمال لأحقاد وثأراً لمواقف .. بينما الوطن فأصبح يُتاجر بأحلامه وألامه .. لك الله يامصر .. فقد بتنا كلنا فلاسفة وكلنا عظماء وأصحاب فتيا واجتهادات خاصة ورؤى ثاقبة بل ومجادلين من الطراز الأول .. وبالمُجمل أصبح الكل فى الكل وقد نتج عنه شتات فى شتات .. ان مبارك ياسادة كان أحد زعماء مصر وان ارتكب ما يستحق عليه المحاكمة وبالتبعية العقوبة ان صار لها محلاً فهو متهم من قبل المحاكمة يُفترضُ فيه براءته من قبل ثبوت الحكم بادانة قضائية .. بما يعنى النظر له بكونه له ما له وعليه ما عليه كغيره ممن سبقوه وان تعاظم فى عهده الفساد والفاسدون .. لقد روّعنى ياسادة ما نشره أحدهم على ذات الصفحة من صورة لمبارك وبجواره الفريق سعد الدين الشاذلى ببذتهما العسكرية .. وكان كلاهما مُتجهماً ينظر فى اتجاه مختلف عن اتجاه الاأخر ويسيران خلف قائدهم الأعلى .. وهنا قد تفتق ذكاء أصحاب الصفحة بل وللأسف أحد رؤساء احدى الهيئات العامة المعنية بالشأن الثقافى بالأساس همزاً ولمزاً وتعليقاً بالاشارة الى خلاف بين الجينرالين بالقدر الذى وصف فيه أحدهما بالوطنية والأخر وهو مبارك بغير ذلك وقد صب جام غضبه على الأخير وبذته العسكرية وحتى حذائه وغطاء رأسه دون أن يسوق مبرراًً واحداً على غضبته تلك .. وقد نسى أن مبارك لم يكن فى هذه الصورة يخدم بجيش الاحتلال الصهيونى بل بجيشنا الوطنى ولا يعنى خلافا بين رئيساً ومرؤوسه أان نهضم حق الرجل ووطنيته وتاريخه العسكرى وما قدم بحرب أكتوبر العظيم .. اللهم ان لم نفعل سنكون ضاربين للوطنية فى معقلها وفى عمق أجيالنا القادمة ووطنيتهم وعاطفة حبهم لبلا دهم بمبرر سيكون قائماً لديهم بأن بلادنا تنسى تضحياتهم عند أول محطة محاسبة لهم عن أخطائهم بما يريح خاطر أعداءنا بالأساس .. ياسادة لابد وأن نفرق بين الشخص والشخصية وبين الفرد ووظيفته العامة فلا تعنى الأخطاء الشخصية لفرد ما جحد دوره الوظيفى والوطنى وما قدم للبلاد .. لأن الجلاد لو قارن نفسه بمن يجلد تاريخاً وثقافةً ووطنية ما اقدم على جلده وقتله ومن ثم وبالمجمل فان الفيصل والحاكم الأوحد هو القضاء أولاً وأخيراً .. ياسادة كفاكم هراءاً وعودوا لمدرجاتكم سامعين .. ولاتتقمصوادور المُحاضر والقضاء ..