هنيئا للفلول نجاحهم فى إعاقة قطار الثورة عن المضى قدما، بلطجيتهم فى السلطة الحاكمة ووسائل الإعلام واللجان الإلكترونية، ومخبروهم وسط السلفيين والأحزاب القديمة والتيارات السياسية والمسجلين، الذين يطلقونهم فى الشوارع، نجحوا فى فك «الفلنكات» وشق الحفرات وحرق العربات وتخويف قوى الشعب النائم من النزول من فوق الكنبات. من القتل الوحشى للمساجين والمتظاهرين إلى حملات الاعتقال والاغتيال البدنى والمعنوى، تتحالف قوى الفساد عميق الجذور واسع الانتشار لفعل أى شيء وكل شيء فى سبيل البقاء.. مثلما تستميت الجراثيم والفيروسات داخل جسم المريض لمقاومة المضاد الحيوي.
هنيئا للفلول أن المريض ضعيف المناعة المسمى بمصر قد انتكست صحته، وساءت وأوشك على الموت، هنيئا لهم نجاحهم فى تحويل الحياة السياسية إلى ساحة حرب قذرة يتقاتل فيها الجميع، ويتهم فيها كل طرف، كل الأطراف الأخرى بأنها عميلة وانتهازية وعدوة للثورة.
الآن يقدم الفلول أنفسهم باعتبارهم رموز الثورة الوطنيين المخلصين لمصر، فى مواجهة الثوار الحقيقيين المخربين الخائنين للجيش العظيم وللوطن.. وباعتبارهم أوغادا بالفطرة فهم يتبنون المقولة التى لا أعرف صاحبها «إن الثورات يصنعها الحالمون ويفوز بها الأوغاد»!
هنيئا للفلول، لكن لا تفرحوا كثيرا، هذه حلاوة الروح فحسب، قد تعتقدون أنكم أقوياء الآن، لكن الفيروسات التى تتضاعف قوتها فى ساعاتها الأخيرة تشعر بذلك أيضا، قبل أن تبدأ فى الانهيار الختامى السريع.
اقتلوا واسجنوا وازرعوا الفتن والشقاقات واشعلوا كل الأراضى التى تلمسها أقدامكم، ازدادوا عنفا وشراسة وجنونا.. فهذه كلها علامات سقوطكم الأخير.
اطمئنوا يا إخوتى.. لقد شهدنا عصر المعجزات فلا مجال الآن لضعف الايمان. شخصيا، وأعتقد أن معظمكم مثلي، لم أكن أحلم باليوم الذى أرى فيه كل هذه الثورات فى العالم العربي، لقد حلمت حلم الثورة لأول مرة منذ ربع قرن، ثم نسيته ولم يبق منه سوى الغضب والرفض، أعلم أن نفوسكم الشابة أكثر عرضة للاكتئاب والإحباط، لكن اسمعوا مني: أنتم أكثر عددا ووعيا وقوة بكثير جدا عن كل الأجيال السابقة، الغد أنتم تملكونه، وفى الغد يمكن أن تكونوا أكثر ضعفا، لكن المؤكد أن بإمكانكم أن تصبحوا أكثر قوة. أعداؤكم لا يملكون سوى الأمس وعمرهم الافتراضى انتهى فعليا، أعداؤكم مثل الملك العجوز الذى يعيش على الأجهزة الطبية الاصطناعية.. قد يبدو حيا، لكنه مجرد مصاص دماء فى فيلم رعب خيالي.. لا يملك من الحياة سوى الظلال.
خوفى الوحيد أن يحولكم الخوف إلى معاداة بعضكم البعض، فتتحولان مثل الخلايا السرطانية إلى عدوة نفسها. هذا هو الرهان الأخير للفلول أن تنقلبوا على أنفسكم فتدخلان فى دوامة التخوين والاتهامات المتبادلة، وهذا هو المرض الذى قضى على أجيال من المثقفين والثائرين قبلكم.
أتذكر حين كنت عضوا فى خلية يسارية سرية منذ ربع قرن، إننى انزعجت كثيرًا من الشقاقات التى نشبت بين أعضاء الخلية -التى تحولت إلى كراهية مزمنة -أكثر مما انزعجت من الأعداء أنفسهم.. تجنبوا هذا الفخ القاتل سواء كنتم يساريين مثل بعضكم أو يساريين وليبراليين وإخوانًا.. سواء كنتم تؤمنون بالاقتصاد الحر أو النظام الاشتراكى، وسواء كنتم متدينين أو ملحدين.. سواء كنتم «مثاليين جذريين» أو «ميكافيليين» من أنصار الحلول الوسطى ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة.. حتى العيوب والنواقص الفردية فى بعضكم انسوها قليلا.. لا تفكروا كثيرا فيمن خان ومن باع ومن ركب الموجة.. فكروا فقط فى الأصدقاء الباقين على العهد، وسوف تجدون الكثير منهم، ركزوا واعملوا معهم وتأكدوا أن هناك مئات المجموعات مثلكم وأن المد سيجمعكم، والموجة الثورية القادمة ستوحدكم.. ويومها سيتمنى الفلول لو أن الأرض تنشق وتبلعهم.. يومها سنهتف معا كما هتفنا فى يناير: «بئسا للفلول»!