تباينت النظريات الإقتصادية على مر العصور تبعاً للحاجة الى إحداث التنمية الحياتية للمجتمعات مكتسبة فى مفاهيمها التفاعلات الناجمة من الممارسات العملية للتطبيقات الفعلية لها والنتائج المستخلصة منها والدروس، إلا أن الإستفادة المثلى منها إعتمدت فى الأساس على طبيعة النظم الحاكمة وأهدافها وما توفره من مناخ، حيث إكتوت المجتمعات البشرية بعنف التطبيق وتطرفه مترنحة بين أقصى اليسار الى أقصى اليمين، فنجد دولاً إعتمدت بالأساس فى نظام حكمها لشعوبها على فلسفة الرأسمالية التى تتبنى سياسات العرض والطلب بما يُعرف بالسوق الحر، وعلى النقيض منها نجد دولاً أُخرى انتهجت فى سياستها الاقتصادية النظام الإشتراكى حيث اتسع نطاق الضمان الإجتماعى من خلال تواجد مباشر للدولة، إلا أن كلاهما لم يستطيع أن يُحقق كفاءة ملائمة فى العمل الإقتصادى تستطيع أن تواجه الأزمات، وكانت الضحية دائماً على مر العصور هى الشعوب، وظل العقل البشرى يترنح ذهاباً وإياباً للبحث عن نظريات للإرتقاء ورفع كفاءة المنظومة الإقتصادية لتستطيع أن تواجه الأزمات لتحصين الشعوب، إلا إنهم لم يصلوا بعد للنظرية الإقتصاية الملائمة للبشر على وجه الأرض التى تُحقق العدالة المجتمعية للإنسانية جميعاً ودون إستثناء، وليس ذلك بمستغرب........... آهم الخالقون. فمثلاً نجد أُطروحات الفيلسوف اليونانى أرسطو حول الثروة وما إذا كان الأجدى جعل ملكية الأراضى في يد الأفراد أم جعلها مملوكة للدولة، كذلك نجد أنه في العصور الوسطى طُرحت أفكار في شأن كيفية تسعير السلع وأهمية تحديد عدالتها، وبعد النقلة النوعية في الحياة الاقتصادية ببعض البلدان الأوروبية بعد الثورة الصناعية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر توسعت وتنوعت العلاقة فيما بين أصحاب الثروة وبين العاملين في المصانع، الأمر الذى عزز من أهمية تطور النظريات الاقتصادية لتتمشى مع هذه العلاقات التشابكية بين أصحاب المصالح، ومع مطلع القرن العشرين اعتمدت دولاً مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية وهولندا وفرنسا وبريطانيا الفلسفة الرأسمالية التي تؤكد أهمية السوق وتفاعلات العرض والطلب وحرية تكوين الثروات والقبول بالتفاوت في حقوق الملكية، وقد أعقبها الثورة البلشفية في الاتحاد السوفيتى آنذاك بقيادة لينين فكان ظهور لأول نظام اشتراكي في العالم، حيث انتشرت الأفكار الماركسية والقيم الاشتراكية المعتدلة وأسست عدة بلدان نُظم حُكمها تبعاً لذلك، كما قامت أحزاب كثيرة تتبنى تلك الأفكار والمبادئ فى العديد من البلدان مثل المانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا،..... وكان لها الأثر المباشر لخلق تحولات في المنظومة الاقتصادية في العديد من البلدان ذات الأنظمة الرأسمالية حيث اتسع نطاق الضمان الاجتماعي وحقوق العاملين لإجور تتمشى تلقائياً مع التضخم، وتباينت أنظمة الضرائب، وفُرضت ما تُعرف بمفاهيم المسؤولية الاجتماعية على المؤسسات الاستثمارية المملوكة للأفراد. وكانت الأزمات الاقتصادية الطاحنة المتباينة الشدة والقسوة والتأثير المكانى ، أزمة التوليب بهولاندا (1635-1637)، أزمة المسيسبي أو الإفلاس العظيم "المستعمرات الفرنسية" (1716-1720)، إنهيار بورصة فيينا في عام 1873، - إنهيار البورصة الفرنسية (1882)، أزمة الكساد العظيم والتي انطلقت في الولاياتالمتحدة في عام 1929- والتى تحولت إلى أزمة في الاقتصاد العالمي ونتج عنها تأثيرات خطيرة في أوروبا، أزمة سوق المناخ الكويتي (1979-1982)، فقاعة الإنترنت (2000)، الأزمة العالمية (2007 – 2008)، والتى أدت جميها إلى متغيرات في قيم النظام الاقتصادي العالمي ودفعت إلى تبني مفاهيم جديدة تؤكد أهمية قيام الدولة بدور حيوي في الحياة الاقتصادية، إلا أنها لم ولن تكون آخر الأزمات "، فما تنتهى أزمة إلا وتعود لتتكرر مجدداً وإن اختلفت صورتها، فهى تأتى تحمل الأسباب ذاتها المتمثلة بالنقص الحاد في السيولة والانحسار الشديد في الائتمان المصرفي وانعدام الثقة بين الأفراد والمؤسسات المالية من جانب، وبين المؤسسات المالية وبعضها بعضاً من جانب آخر فالتاريخ يعيد نفسه.... فهل كان العيب فى النظرية أم فى التطبيق أم فى الإثنين معاً ؟!!. وكانت الأزمات الاقتصادية في المجتمعات التي سبقت الرأسمالية تحمل طابعاً مختلفاً عن الأزمات التي حدثت في عصر الرأسمالية، فقد كانت تنجم عن كوارث طبيعية كالجفاف أو الطوفان أو الآفات،.........، أو من الحروب التي كانت تدمر كل شي. وكان لزوما البحث عن نظرية حقيقية بتطبيقاتها تُحقق العدالة المجتمية بعيداً عن أطماع البشر وأطماع الدول، فهل هناك أحق للتطبيق وأعدل من النظرية الإلهية التى تضمن المساواة والعدل بين كل الأطراف المتعاملة شعوباً كانت أم دولاً، وهل هناك أجدر من الصانع لوضع منهجية وآليات التشغيل المُستدام التى تمنع الجشع والجور والإحتكار وغلاء الأسعار والمؤامرات التى لا تقف عند إستيلاء دولاً على مُقدرات دولاً أُخرى بل تتعدى الى ذرع الفتنة لتشريد الشعوب وترويعها وسفك دمائها، لتُفقد الإنسان آدميته ويتحول الى سلوك الغاب. فما أعظم تبعات مفهوم أن المال مال الله وأن الإنسان مستخلَف فيه ويتحمل مسؤوليته كسباً وإنفاقاً، أمام الله وأمام الناس، فلا يجوز أن يكتسبه أو يُنفقه فيما يضر الناس، والمال أداة لقياس القيمة ووسيلة للتبادل التجاري، وليس سلعة من السلع، فلا يجوز بيعه وشراؤه. محمد فاروق يس عضو المجلس المصرى للشئون الاقتصادية [email protected]