* ذات ليلة كانت ترتدي فستانها الأبيض ، تجلس علي الأريكة كحورية من الجنة ، ملتزمة الصمت ، شاردة بذهنها بعيدا عن المكان وعن الزمان ، تمسك بيدها ” هاتفها المحمول ” تضيئه وتنظر به من حين إلي آخر ، باب المنزل مفتوح علي مصراعيه ، تسترق النظر إليه بين الهينة والأخري ، بدت عليها علامات الحيرة والقلق .. فهي الآن تنتظر ” فارس أحلامها ” ليأتي ويأخذها علي حصانه الأبيض ، ليذهبا سويا إلي عش الزوجية المرتقب ، فهما ” الحبيبين ” اللذين عاشا قصة حب كان عمرها ” خمسة أعوام من الموده والكفاح ، دافعا عن حبهما بشراسة ، أخلصا في حبهما الطاهر ، فأصبح هو كل حياتها وشغلها الشاغل ، فقد إنتظرته أعواما كثيرة ، ورفضت التخلي عنه والإرتباط بأي رجل آخر ، وكانت له السند ، وكانت له أيقونة الوفاء والإخلاص ، حتي بنيا عشهما الجديد معا .. وأصبحت هي كل حياته وملاذه ، والتي يعيش ويشقي ويكد من أجلها ، فقد فارقا والديه الحياة في حادث مآساوي منذ عامين وليس له إخوة ، وأصبحت ” هي ” الحبيبة والأخت والأم وكل الأشياء الجميلة بالنسبه له .. وأخيرا ستتوج الليلة بالنهاية السعيدة . الفرحة تملأ وجوه الحاضرين من حولها ، فريقا منهم يغني ، وفريقا يصفق ، وفريقا يلتزم الصمت ويفضل مشاهده الفريقين وإختلاس النظر إلي العروس ” الجميلة الشاردة ” . تنطلق الزغاريد من حين لآخر ، أهل العروس يقدمون ” المشروبات ” والعصائر وأطباق الحلويات للحضور بكل فرحة وسعادة . الحضور يزدادون داخل المنزل الصغير ، يسلمون ويهنئون ويباركون .. تأخر الوقت ، جرت عقارب الساعة دون نتيجه ، ولم يأت بعد ” فارس الأحلام . ” بدأ القلق والملل يتخلل بين الحضور ، بدأت الثرثرة تسيطر علي الألسنة ، بدأ الغناء ينقطع ، توقفت ” الزغاريد ” تماما ، بدأ الكثير من الحضور ينظر إلي ” الباب المفتوح ” ولكن دون جدوي . فجأة دخل شاب من الباب مسرعا ، مرتبكا ، حزينا ، مصدوما ، مرتعدا ، يتصبب العرق من وجهه ، يتنفس بصعوبة . إنه الأخ الأصغر ” للعروس ” دخل متجهما مخترقا للحضور ، كلما إستوقفه أحد لم يهتم به ، وواصل طريقه إلي إخته ” العروس ” . عندما رأته ” العروس ” بهذه الحالة إنقبض قلبها ، وبدأت الدموع تنهمر علي خديها الجميلين ، نهضت من مجلسها ، وقفت مكانها ، أحست بالخوف الشديد ، تأكدت بأن هناك ” مصيبة . ” لم تقوي علي الحركة ولو لخطوة إلي الأمام ، مدت يدها لأخيها القادم صوبها ، جميع الحضور واقفون مذهولون متسائلون ماذا حدث ؟ وصل أخيها عندها ، أمسك يديها ، بدأ يبكي ، عقد لسانه عن النطق . فزعت ” العروس ” حاولت أن تسأله ماذا حدث ؟ ومن داخلها تشعر بأن ” حبيبها ” حدث له مكروه ، حاولت تنطق ، حاولت تسأل ، الكلمات لا تخرج ! إلتف الحضور حولهما ، الكل يسأل ، علت الأصوات ، إنتشرت الضوضاء بالمنزل . بدأ الأخ يتحدث ، أخيرا نطق لسانه ، ولكن ” العروس ” لم تفهم ماذا يقول ، فالأصوات من حولها تشوش علي سمعها بل شعرت أنه لا يخرج صوتا . أحست بالضيق ، بدأت تنظر حولها ، بدأت تتكلم ، بدأت تصرخ بالحضور ، توقف الأخ عن الكلام ، وصرخت بأعلي صوتها منفجرة بهم : إصمتوووووا ؟ فجأة هدأ الجميع وساد الهدوء القاتل بالمنزل ، وأصبح صوت عقارب ساعه الحائط الأعلي بين الحضور ، وباتوا بإنتظار الخبر المشئوم . نظرت ” العروس ” إلي أخيها الصغير ثم وضعت يديها علي خديه ، وإقتربت منه ، وسألته بصوت منهك وحزين : ماذا حدث يا أخي أجبني أرجووك ؟ فنظر إلي عينيها ثم نظر إلي أسفل وإنفجر بالبكاء ، فصرخت به : ماذا حدث ؟ إنطق ؟ فإبتعد عنها وغضب ، ونظر إليها وقال بصوت غاضب وعال : لقد مات ” زوجك ” لقد فارق الحياة في حادثة مريعة ” حبيب قلبك ” لقد ذهب من حاربتي الدنيا من أجله ، لقد مات ! ثم بدأ يصرخ ويكررها في وجه إخته : لقد تبخر حلمك !! . سيطر عليها الذهول والصدمة وعيناها جاحظتان ، ولم تقوي علي الوقوف وسقطت علي الأرض لتلحق بالحبيب المفقود فى الحال ، وتنتقل إلي ” رحمه الله تعالي ” إثر ” أزمة قلبيه حادة . ” لقد توقفت نبضات قلبها عن الخفقان ، وكيف ينبض بدون الحبيب والصاحب والأخ والأب وكل أحلامها ، كيف ينبض بدون رفيق الدرب . لقد وفي قلبها بوعده أن لا ينبض بعد فراق الحبيب ولو نبضة واحدة . وإنقلب حفل الزفاف إلي حفل بكاء ورثاء ..