صحيح.. أنه لا شماتة فى الموت، لكن حتى وبمجرد أن انتشر خبر وفاة العقيد معمر القذافى فإذا بالنكات والسخرية عن القذافى تعود إلى صفحات ومجموعات الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعى بسرعة البرق، كانت آخرها حتى كتابة هذه السطور ذاك التصريح المصطنع على لسان القذافى الذى يقول فيه: "خبر مقتلى صحيح، لكنى أؤكد لكم انى بخير وبصحة جيدة". لكن إذا كانت تلك المقولة الساخرة مصطنعة فمقولات القذافى الحقيقية لا تقل سخرية عنها، هذا بخلاف ملابسه وهيئته العامة التى تجلب السخرية حتى دون أن ينطق بأى كلمة أو يصوب تصريحاً طائشاً يصيب به العلاقات بين ليبيا وأى دولة أخرى بالموت أو على الأقل التوتر، هو قائد ثورة. أرادها أن تستمر 42 عاما، وإذا كانت ثورته فى بدايتها قامت للتخلص من الملكية وإرساء نظام جمهورى ديموقراطى حقيقى فى ظل نهضة عربية قديمة كانت أشبه بثورات الربيع العربى الحالى، لكن حتى بعد أن حققت الثورة هدفها، أراد القذافى لها أن تبقى مستمرة ويظل هو قائدها. ولا نعرف على أى شئ كان " يثور" خلال كل تلك العقود الماضية، خصوصا وأن الأحوال لم تتغير للأحسن ولم تنهض ليبيا النفطية لتصل إلى المستوى الذى هى عليه دول الخليج النفطية مثلا، فبقيت "الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى" بلا حراك إلى الأمام، لم يكن الاسم الذى أعطاه العقيد لجماهيريته سوى مجموعة من الكلمات تشبه الى حد ما ألقابه الكثيرة والمتعددة. فبخلاف كونه "قائد الثورة"، فهو "ملك ملوك افريقيا"، "عميد الحكام العرب"، "إمام المسلمين"، "الفاتح العظيم"، "المفكر الأممى"، "صاحب النظرية الثالثة "، "صاحب الكتاب الأخضر"، "قائد الطوارق"، "رئيس تجمع دول الساحل والصحراء"، وألقاب أخرى كثيرة قد يصعب الإلمام بها كلها. لم يسلم القذافى كغيره من طغاة الحكم والسلطة من تهكم أهل المواقع الإليكترونية وسخريتهم، كما انه إمتاز بأن حققت بعض ألفاظه وكلماته شهرة طاغية تفوق طغيانه فى الاستبداد، فمن منا لا يعرف "زنقة.. زنقة". إمتاز القذافى بأنه حقق إنفردات لم يحققه سابقين له فى الحكم، سواء من كونه أحد أطول الحكام على كرسى الحكم، أو أنه خلال أحداث الثورة الليبية كان له أطول وأقصر خطابين طوال الربيع العربى، أو أنه صاحب التفسيرات الغربية لمصطلحات وكلمات مثل: "الديموقراطية"، "الهمبورجر"، و فى رأيه فإن كتابه الأخضر لا يقل عن بشارة عيسى وألواح موسى، خيمته لا تفارقه وكذلك حارساته. وإن كان الزعيم الشرقى المسلم رفض مصافحة وزيرة الخارجية الامريكية فى أحد اللقاءات فهو لا يجد أى حرج فى أن تحرسه النساء، فربما هو لا يصافحهن!، أبناء العقيد لم يكونوا أقل ضررا منه سواء للبلاد او للعباد، وليبيا لم تسلم منهم ومن شرهم، حتى دولا أخرى مثل: سويسرا مثلا كان لها نصيباً من جنون وشرور القذافى وأبناؤه. لم تكن ليبيا تعرف الديموقراطية فى عهده، رغم الإدعاء الرسمى السائد بأن الحكم بيد الجماهير، لأن ببساطة لم تكن الجماهير تجد من يعبر عنها بالأساس، فوسائل الاعلام الرسمية لا تتحدث إلا عن القائد، واليافطات فى الشوارع تعج بكلمات القائد المقتبسة من خطاباته، الصحف لا ترصد سوى تحركات القائد، ومقالات الرأى لا تحلل سوى سياسات القائد، لا يمثل ليبيا فى الخارج سوى القائد، ولا بطل فى ليبيا سوى القائد. هكذا كانت ليبيا طيلة 42 عاما، كل شئ هو من ابتكار وإبداع القائد.. البطل.. الأب / معمر!، وكأن الجماهير قد عقرت فلم تنجب أى ليبى يمكنه أن يصنع شئ أو يقدم جديداً، ربما لأن القائد وأبناؤه لم يتركوا شيئا إلا وفعلوه!. باختصار وحتى لا يكون العنوان بعيدا عن المضمون: لا شئ يدعو للأسف على موت العقيد، ولا داعى للحزن عليه أو على أبناؤه، فموت شخص مستبد أفضل بكثير من موت وطن بأكمله تحت براثن الاستبداد!. بقلم: أحمد مصطفى الغر