: تبدأ أول ما تبدأ من الأيدي العاطلة التي لا تستطيع فعالا،والأرجل المُجبرة التي لا تستطيع حراكا،والألسن المتلعثمة التي لا تستطيع كلاما،والعيون التي تري الملذات ولا تستطيع تملك أي منها،والأفواه المفتوحة ذوات الأسنان المرصوصة،والبطون المليئة بالأمراض والخاوية في نفس الوقت من كل الطعام والأطفال الجوعي الذين يسيرون بالملابس البالية،ولم تعد هناك حمائم ولا طيور،بعدما أن أماتتها الأمراض،وأكلتها النسور والصقور،ونثرتها علي الجبال عظاما بالية! فكان ولا بد للموظف الذي يتقاضى الدراهم المعدودة أن يرتشي : والذي لا يتقاضى أي شيء منها كان ولا بد وأن يسرق جزءَ منها،والذي يريد أن يعيش في الحلال بعيدا عنها،ما كان ليصبر علي المضي قدما في هذا الطريق المفروش بالجمر المشتعل،وما كان ليمضي والحذاء المتهالك لا يسعفه،وما كان الجديد ليحميه من هذا الجمر الملتهب،وماذا يفعل الحذاء لو كان من الزمهرير،فهل يطفئ الطريق الملتهب في الحياة التي أصبحت بلا معني ولا هدف! لقد تعطلت المصالح بنظريات مُمنهجة : كالتي تقول (اذهب سنة ولا تُعدي قناة) حتى توقفت الدنيا،وتعرضت الناس للفقر المميت،بسبب القيود التي تبقت من العهود القديمة،حتى الأمثلة التي بقيت ما زالت تؤخر عهودا فوق عهودها،لأنها الظاهرة التي فُرضت علي الناس وهم نيام فتجرعوها في الصباح،لأن البطون كانت ولا زالت خاوية! ولقد كثرت الأمراض بسبب البطالة : التي جعلت من الناس عاطلين كثر،يأكلون مر الطعام فلا ينتجون لأنه الطعام الخالي من الدسم،وكثرت المخلفات الناتجة عن طواحين الطعام،التي تأكل ما يقابلها من العدم،وأصبحت الشوارع تحوي القوارض والقطط،والكلاب الضالة،ناهيك عن الذباب المفترش للطعام الملقي علي الرصيف والمرض المفترس للجسد النحيف! وبرغم دفع الناس لرسوم النظافة أضعافا مضاعفة : تدعي الحكومات عدم القدرة علي إيجاد فرص عمل،وهي التي ما قامت ببناء المصانع لتدوير القمامة والاستفادة منها،وإيجاد ملايين من فرص العمل،للعاطلين والمتسكعين علي نواصي الشوارع،وكراسي المقاهي المبعثرة علي قارعة الطريق،والتي تشارك بدورها في ظواهر عديدة،منها إهدار الوقت وفقدان الصحة،بزيادة كثرة الأمراض المنقولة،عن طريق أدوات الشرب المتهالكة،والتي تستعمل بطرق سيئة،وعلي مدار الأربع والعشرين ساعة المتبقية من الحياة الذليلة قبل الممات،علاوة علي التدخين الضار بالمجتمع،أقل ما يمكن لما فيه من زيادة النفقات وكثرة الآهات،وهي التي تحتاج البيوت لها،ناهيك عن ظاهرة التحرش،ومضايقة المارة بسبب التسكع علي نواصي الشوارع،التي لا تجلب إلا المشاجرات،والتي تضيع فيها الرقاب أحيانا! وبدأ البعض في استحداث الظواهر الغريبة المستنزفة للنقود : كظاهرة ما يسمي (بالتوك توك )الذي غطي كل مساحات المارة في الشوارع،حتى أصبحت (التكاتك) أكثر من المارة،وفي المقابل سارعت الحكومات بمباركتها والعمل علي إكثارها،لاستنزاف الناس بالذوق وبالأخلاق والحيل الغريبة،فليس كل سائق (توك توك) هو ذلك السائق القديم،بل أصبح زميلا لك في عمل ما قبل الظهيرة،فمنهم المهندس المتعطل عن العمل،ومنهم المساعد الذي مل وكل،ومنهم الموظف الذي يحاول إصلاح ما أفسدته الحكومات،فذهب ليعمل بعد العمل المقنع ليكمل متطلبات الأسرة،فلا الطبيب يرحمهُ من الاستغلال والتشفي،ولا المدرس يرحمه من دروس الرسم المرسومة مقدما والمدموغة بالدمغة المقنعة،وعلي الطريق المقابل للقناة لن يفلت من رشوة الفران،الذي يجعله يتخطى الرقاب ليأخذ الخبز ويلوذ من الفرار! لذا يجب عليك ألا تستهين بأي سائق (توك توك) : فربما يكون محاميا شريفا من الذين رفضوا العمل في قضايا التلاعب والتهرب الضريبي،وقضايا النصب والتزوير في أوراق رسمية،لينقذوا مرتكبيها من ثغرات القانون دون عقاب،فركنوا إلي الأعمال التي لا تجعلهم يشاركون في الحرام،ففضل (التوك توك) الذي لا يحتاج إلا لبيع بعض المصوغات الذهبية التي تقتنيها السيدة حرمه الأصيلة! ومن جانبنا نحن نطلب من كل المستخدمين (للتوك توك) : أن ينظروا لسائقه بعين الرضا والاحترام،فما هي إلا اسماء تعارفتم عليها،لكنه في الأساس هو إنسان منكم،فتعطيه الخمس جنيهات أو العشر جنيهات ولا تنتظر للبقية،لأنها الخطة الموضوعة من الحكومة،وكلك مفهوميه،والحمد لله علي سلامتك يا فندم وأنت أيضا يا قادم من السفر،ويدوم عزك يا باشا! الكاتب/ أحمد إبراهيم مرعوه عضو لجنة الإعجاز العلمي للقرآن الكريم بفيينا عضو نادي الأدب بأجا سابقا وقصر ثقافة نعمان عاشور بميت غمر. (من سلسلة المقالات الفكرية للكاتب) التاريخ: 30/9/2015