رياض عبدالله الزهراني في المجتمعات التي يتصدر فيها المتدينين بشتى انتماءاتهم وتوجهاتهم ومدارسهم الفقهية والحركية فإن مجموعةً من الظواهر تطغى على المشهد من بينها غياب أهل الرأي والفكر وخفوت التنوير والإبداع وطغيان ظاهرة احتقار الأخر لسبب نوعي " الجنس " أو لسبب فكري أو عقدي أو مذهبي أو عرقي وبروز الاحتقان والصراعات التي لا فائدة منها على السطح محدثةً كوارث على المدى البعيد والمدى القريب فضلاً عن غياب الترفية بشتى صورة وأساليبه !. المجتمعات الخليجية من بين تلك المجتمعات فقد تصدر مشهدها ما يٌسمى برجال الدين من مختلف المذاهب والتيارات والمدارس وبدعم من السلطات الحاكمة لأهداف سياسية بعيدة المدى أيضاً وتلك حالة لها جذور تاريخية من العهد الأموي وحتى العهد العثماني , تصدر رجال الدين سواءً الموالين للأنظمة أو المعارضين لها معارضةً كاملة أو معارضة من باب النقد والولاء عملية معقدة فالسيطرة على كامل المشهد واستغلال قضايا المجتمع وحاجاته وإقصاء المفكرين والتنويريين وأهل الرأي ومحاربة كل طرح عقلاني ومقاومة كل من أراد الاقتراب من المشهد لا تفسير منطقي له سوى أن تلك الفئة " رجال الدين ومناصريهم " لا يهمهم شيء سوى بقاء المجتمع منقاداً مٌحركاً كقطيع الأغنام بل أشد ظلالا وبقاء المزايا العينية والنقدية على ماهي عليه دون تغيير أو نٌقصان ؟ ليس عيباً أن يقوم رجل دين بتوجيه الناس ونشر القيم لكن المعيب حقاً هو أن يبقى ذلك الرجل وغيره من الدعاة في دائرة نحن الأحق والأولى من غيرنا فينشرون مؤيديهم ومن يشابههم على كل شبر من الأرض مسيطرين على الفضاء ومحتكرين المؤسسات المدنية "مؤسسات المجتمع المدني " مستغلين في ذلك عواطف المجتمع التي تقدس رجل الدين وتحمله عالياً , الوعظ لا يحل مشكلة والتنظير كذلك ولي أعناق الآيات والأحاديث لأسباب سياسية يعمق الفجوة بين المجتمعات وبين تلك الفئة المتدينة , الوعظ في المجتمعات العربية والخليجية خصوصاً يعيش أزهى عصوره ولي أعناق الأيات والنصوص الشرعية ملاحظاً لأسباب سياسية تعاظمت بعد انطلاق شرارة الربيع العربي فوقع البعض في شباك الصراعات الناجمة عن الربيع العربي ظناً منه أنه جهاد والسبب ذلك الاستغلال البشع والسيطرة القبيحة على كل شيء . اللوم الحقيقي لا يقع على المتدينون ولا على المؤسسات بل على المجتمع أفراداً وجماعات فهم السبب الرئيسي وراء وصول تلك الفئة البشرية لمواقع أشد تأثيراً وهم سبب تصدرها المشهد , رجال الدين جزء من النسيج الاجتماعي لكنهم لا يفهمون ذلك فهم يهمشون بقية الفئات لأسباب فكرية أو مذهبية أو دينية أو عرقية أو مناطقية لكن العقلاء يصرون على أن تلك الفئة " رجال الدين " جزء من النسيج والمكون الاجتماعي وإقصائهم لا يحل معضلة فكرية أو عملية صنعوها بأيديهم وألسنتهم بل يتوجب الدخول عليهم من باب الحرية والمشاركة في صناعة الوعي ومقاومة احتكارهم للمشهد الدعوي والإعلامي والفكري والمدني " مؤسسات المجتمع المدني " والرد على قصصهم وحكاويهم وتنظيراتهم والدعوة إلى التعددية الشاملة والدعوة إلى إلغاء سيطرة المدرسة الفقهية الواحدة على المشهد الرسمي العام ومقاومة تسييس الدين على المستوى الرسمي والشعبي فالمشهد الشعبي تحول لساحة صراع بين المدارس الفقهية والجماعات والتيارات المٌسيسه للدين مستغلةً في ذلك جهل المجتمعات وعواطفهم الغير منضبطة التي تقدس رجل الدين وتعظمه وترفعه عالياً. رجال الدين ومن يدور بفلكهم يظنون بأنفسهم أنهم شعب الله المختار وينظرون إلى المجتمعات على أنها شعوب الله المحتارة وبالتالي فهم منقذو تلك الشعوب من حيرتها وهذه هي الحقيقة المؤلمة التي حولت المجتمعات العربية والخليجية على وجه الخصوص إلى مجتمعات تهرب من مشاكلها باتجاه التنظير والوعظ على حساب صوت العقل والعلم والمعرفة والإبداع والمشاركة والتعددية ومبدأ الأرض للجميع والدين لله !..