أسعار الذهب اليوم في بداية تعاملات الأحد 25 مايو    أسعار البيض اليوم الأحد 25 مايو    كامل الوزير يفتتح مشروعات جديدة باستثمارات محلية وأجنبية فى الصعيد    الاتحاد الإفريقي يدين عنف طرابلس ويدعو لمصالحة شاملة وانتخابات بقيادة ليبية    موعد إعلان بطل دوري 2025 بعد رفض المحكمة الرياضية الشق المستعجل لبيراميدز .. اعرف التفاصيل    الأرصاد الجوية : ارتفاع جديد فى درجات الحرارة والعظمى بالقاهرة 38 درجة    مراجعة مادة التاريخ لطلاب الثانوية العامة 2025    اليوم .. أولى جلسات سفاح المعمورة بمحكمة جنايات الإسكندرية    نموذج امتحان الأحياء الثانوية الأزهرية 2025 بنظام البوكليت (كل ما تريد معرفته عن الامتحانات)    ليبيا..تسريب نفطي في أحد خطوط الإنتاج جنوب مدينة الزاوية    "مساهمات كثيرة".. ماذا قدم محمد صلاح في مبارياته أمام كريستال بالاس؟    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 25 مايو    جدول مباريات اليوم الأحد والقنوات الناقلة: ليفربول ومانشستر سيتي.. نهائي الكونفدرالية    «لواء المظليين» ينقض على خان يونس.. جيش الاحتلال يواصل تنفيذ خطة «عربات جدعون» لتهجير الفلسطينيين    إصابة عدة أشخاص في أوكرانيا بعد ليلة ثانية من هجمات المسيرات الروسية    تمهيدًا لتعميم التجربة.. مطار الغردقة الدولي يُطلق خدمة جديدة لذوي الهمم    ما هو ثواب ذبح الأضحية والطريقة المثلى لتوزيعها.. دار الإفتاء توضح    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم.. مرتضى منصور يعلن توليه قضية الطفل أدهم.. عمرو أديب يستعرض مكالمة مزعجة على الهواء    مصرع ميكانيكي سقط من الطابق الخامس هربًا من الديون بسوهاج    إعلام: عطل في اتصالات مروحية عسكرية يعطل هبوط الطائرات في واشنطن    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 25-5-2025.. كم بلغ سعر طن حديد عز؟    مي عبد الحميد: تنفيذ أكثر من 54 ألف وحدة إسكان أخضر.. ونستهدف خفض الطاقة والانبعاثات    القبض على 3 شباب ألقوا صديقهم في بيارة صرف صحي ب15 مايو    الكشف الطبي على 570 مواطنًا خلال اليوم الأول للقافلة الطبية    مستشفى دمياط التخصصي: حالة الطفلة ريتال في تحسن ملحوظ    نجاح أول جراحة «ليزاروف» في مستشفى اليوم الواحد برأس البر    نائب إندونيسي يشيد بالتقدم الروسي في محطات الطاقة النووية وتقنيات الطاقة المتجددة    قانون العمل الجديد من أجل الاستدامة| مؤتمر عمالي يرسم ملامح المستقبل بمصر.. اليوم    بينهم موسيقي بارز.. الكشف عن ضحايا تحطم الطائرة في سان دييجو    ترزاسكوفسكي يرفض التوقيع على إعلان الكونفدرالية بشأن أوكرانيا والاتحاد الأوروبي والأسلحة    بعد فيديو اعتداء طفل المرور على زميله بالمقطم.. قرارات عاجلة للنيابة    استشهاد 5 فلسطينيين فى غارة للاحتلال على دير البلح    هل يجوز شراء الأضحية بالتقسيط.. دار الإفتاء توضح    هل يتنازل "مستقبل وطن" عن الأغلبية لصالح "الجبهة الوطنية" في البرلمان المقبل؟.. الخولي يجيب    إلغوا مكالمات التسويق العقاري.. عمرو أديب لمسؤولي تنظيم الاتصالات:«انتو مش علشان تخدوا قرشين تنكدوا علينا» (فيديو)    ياسمين رضا تترك بصمتها في مهرجان كان بإطلالات عالمية.. صور    النائب حسام الخولي: تقسيم الدوائر الانتخابية تستهدف التمثيل العادل للسكان    "القومي للمرأة" يهنئ وزيرة البيئة لاختيارها أمينة تنفيذية لإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر    "العربية للسياحة" تكشف تفاصيل اختيار العلمين الجديدة عاصمة المصايف العربية    المخرج الإيراني جعفر بناهي يحصد السعفة الذهبية.. القائمة الكاملة لجوائز مهرجان كان    «هذه فلسفة إطلالاتي».. ياسمين صبري تكشف سر أناقتها في مهرجان كان (فيديو)    قساوسة ويهود في منزل الشيخ محمد رفعت (3)    «أضرارها تفوق السجائر العادية».. وزارة الصحة تحذر من استخدام «الأيكوس»    «أحدهما مثل الصحف».. بيسيرو يكشف عن الفارق بين الأهلي والزمالك    ميدو: الزمالك يمر بمرحلة تاريخية.. وسنعيد هيكلة قطاع كرة القدم    "بعد إعلان رحيله".. مودريتش يكشف موقفه من المشاركة في كأس العالم للأندية مع ريال مدريد    نسرين طافش بإطلالة صيفية وجوري بكر جريئة.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    استقرار مادي وفرص للسفر.. حظ برج القوس اليوم 25 مايو    بعد غياب 8 مواسم.. موعد أول مباراة لمحمود تريزيجيه مع الأهلي    الصديق الخائن، أمن الأقصر يكشف تفاصيل مقتل سائق تريلا لسرقة 6000 جنيه    وأنفقوا في سبيل الله.. معانٍ رائعة للآية الكريمة يوضحها أ.د. سلامة داود رئيس جامعة الأزهر    رمضان عبد المعز: التقوى هي سر السعادة.. وبالصبر والتقوى تُلين الحديد    «الداخلية» تكشف تفاصيل حادث انفجار المنيا: أنبوبة بوتاجاز السبب    حلم السداسية مستمر.. باريس سان جيرمان بطل كأس فرنسا    نائب رئيس الوزراء الأسبق: العدالة لا تعني استخدام «مسطرة واحدة» مع كل حالات الإيجار القديم    ناجي الشهابي: الانتخابات البرلمانية المقبلة عرس انتخابي ديمقراطي    للحفاظ على كفاءته ومظهره العام.. خطوات بسيطة لتنظيف البوتجاز بأقل تكلفة    فتاوى الحج.. ما حكم استعمال المحرم للكريمات أثناء الإحرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من ذاكرة التاريخ: الحرب العالمية الثانية وتأثيرها على العراق/ الحلقة الرابعة
نشر في شباب مصر يوم 02 - 10 - 2011


عبد الإله يكلف طه الهاشمي بتأليف الوزارة:
على أثر اللقاء الذي تم بين الوصي عبد الإله والشيخ محمد الصدر، والنصيحة التي قدمها له الأخير، استدعى الوصي السيد طه الهاشمي، بحضور الوزير صادق البصام، وكلفه بتأليف الوزارة الجديدة، على الرغم من عدم اقتناعه به ورضاه عنه.
لكن الظروف الدقيقة والخطيرة من جهة، ونصيحة الشيخ الصدر من جهة أخرى هي التي جعلته يكلف الهاشمي. وقد حاول الوصي أن يشهّد البصام على تعهد الهاشمي بتشتيت شمل قادة الجيش [العقداء الأربعة]، وحذره من المتصيدين في الماء العكر، والإيقاع مجدداً بينه وبينهم، ووعد الوصي بأنه سوف يسعى إلى لقاء القادة الأربعة به لتقديم الولاء والطاعة، لكن ذلك لم يتم بسبب نصيحة السفير البريطاني بعدم استقبالهم.(19)
تم تأليف الوزارة الجديدة في 31 كانون الثاني 1941، وجاءت على الوجه التالي:
1 طه الهاشمي رئيساً للوزراء، ووزيراً للخارجية والدفاع وكالة.
2 عمر نظمي وزيراً للداخلية، ووزيراً للعدل وكالة.
3 علي ممتاز الدفتري وزيراً للمالية ، الأشغال والمواصلات وكالة.
4 عبد المهدي للاقتصاد.
5 حمدي الباجه جي وزيراً للشؤون الاجتماعية.
6 صادق البصام وزيراً للمعارف.
ثم أضاف إلى الوزارة في 4 شباط السيد توفيق السويدي كوزير للخارجية.
عبر السفير البريطاني في برقيته إلى وزارة الخارجية البريطانية عن سروره لإخراج الكيلاني من الحكم، ولكنه أعرب عن عدم اطمئنانه لطه الهاشمي، ووعد بأن يكون عمر الوزارة قصيراً، وأشاد السفير بدور نوري السعيد، والجميل الذي أسداه لبريطانيا، غير أنه كان قد فقد نفوذه في الآونة الأخيرة، ورأى أن يكون بعيداً عن الأنظار حالياً.
كان همْ السفارة البريطانية، بعد استقالة حكومة الكيلاني هو التخلص من العقداء الأربعة بأي طريقة كانت، لكي يستقر الوضع لصالح بريطانيا.
أما الوصي فقد طلبت منه حكومة الهاشمي العودة إلى بغداد، وأرسلت لمرافقته كل من عمر نظمي، وزير الداخلية، ووكيل رئيس أركان الجيش أمين زكي، إلا أن الوصي تردد في العودة خوفاً من وجود مؤامرة لقتله، مما اضطر الهاشمي إلى السفر إلى الديوانية، وإقناعه بالعودة، وعاد الوصي بصحبة الهاشمي في 3 شباط 1941.
تاسعاً:حركة رشيد عالي الكيلاني والعقداء الأربعة الانقلابية:
بدا الوضع السياسي بعد تشكيل حكومة الهاشمي يميل نوعاً ما إلى الهدوء بعد تلك العاصفة التي حدثت بين الكيلاني والوصي.
لكن النار كانت لا تزال تحت الرماد، فقد كان عنصر الثقة بين الوصي والهاشمي شبه مفقوداً، كما كانت الثقة بين الكيلاني، ومن ورائه العقداء الأربعة المسيطرين على الجيش، وبين الوصي قد تلاشت.
وكان الوصي، ومن ورائه السفارة البريطانية، يعمل في الخفاء من أجل تشتيت شمل قادة الجيش تمهيداً للتخلص منهم ومن الكيلاني، ومارست السفارة البريطانية ضغوطها على رئيس الوزراء من أجل إبعاد العقداء الأربعة عن أي تأثير سياسي في البلاد، كما ضغطوا على الهاشمي لقطع العلاقات مع إيطاليا، وكان الهاشمي يخشى رد فعل الشعب إن هو فعل ذلك.
ونتيجة لتلك الضغوط، أقدم الهاشمي، بصفته وزيراً للدفاع وكالة، بتاريخ 26 آذار 1941 على نقل العقيد [كامل شبيب]إلى قيادة الفرقة الرابعة في الديوانية، ليحل مكانه صديق الوصي، والذي أواه في الديوانية اللواء الركن [إبراهيم الراوي]، كما أصدر قراراً آخر بنقل مقر قيادة الفرقة الثالثة التي يقودها العقيد [صلاح الدين الصباغ] من بغداد إلى جلولاء.
كانت تلك الإجراءات التي اتخذها الهاشمي بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، كما يقول المثل، فلم يكد يبلغ القرار لقادة الجيش حتى قرروا على الفور التصدي له ورفضه، واتخاذ التدابير السريعة والضرورية لحل الأزمة بصورة جذرية.
ففي مساء يوم 1 نيسان 1941، أنذر العقداء الأربعة قطعات الجيش في بغداد، وتم إبلاغها بما ينوون القيام به، حتى إذا انتصف الليل، نزلت القوات العسكرية لتحتل المراكز الهامة والحساسة في بغداد، كدوائر البرق والبريد والهاتف، والجسور، ومداخل الطرق الرئيسية، وجميع المرافق العامة في بغداد، وتوجه العقيد [فهمي سعيد]، وبرفقته وكيل رئيس أركان الجيش [محمد أمين زكي] إلى دار رئيس الوزراء [طه الهاشمي] وأجبروه على الاستقالة.
واضطر الهاشمي إلى تحرير كتاب استقالة حكومته إلى الوصي، وسلمها لهما، حرصاً على عدم إراقة الدماء. (20)
أما الوصي فقد أيقضه الخدم من النوم، وأبلغوه أن هناك أوضاع غير طبيعية في منطقة القصر، وأن الجيش متواجد في المنطقة، فما كان من الوصي إلا أن صمم على الهرب مرة أخرى، واستطاع الإفلات من قبضة الجيش، ولجأ إلى السفارة الأمريكية، بعد أن تعذر عليه الوصول إلى السفارة البريطانية، وقامت السفارة الأمريكية بنقله إلى قاعدة الحبانية، ومن هناك تم نقله على متن طائرة حربية بريطانية إلى البصرة، حيث نقل إلى الدارعة الحربية البريطانية [كوك شبير] الراسية قرب البصرة، وكان برفقته كل من [علي جودت الأيوبي] ومرافقه العسكري [عبيد عبد الله المضايفي]، ثم لحق بهم [جميل المدفعي].
حاولت السفارة البريطانية الاتصال بأعضاء وزارة طه الهاشمي في محاولة لنقلهم إلى البصرة للالتحاق بالوصي، لكن العقداء الأربعة حالوا دون خروجهم. كما نصبت القوات البريطانية للوصي إذاعة لاسلكية حيث قام بتوجيه خطاب إلى الشعب في الرابع من نيسان، وقامت الإذاعة البريطانية في لندن بإعادة إذاعة الخطاب مرة أخرى، وقد هاجم الوصي في خطابه الكيلاني والعقداء الأربعة، واتهمهم بالاعتداء على الدستور، والخروج على النظام العام، واغتصاب السلطة.
كما أخذ الوصي يحرض قائد الفرقة الرابعة في الديوانية [إبراهيم الراوي] وقائد حامية البصرة العقيد [رشيد جودت] وعدد من شيوخ العشائر الموالين للبلاط والإنكليز، للتمرد على الكيلاني وقادة الجيش، والزحف على بغداد، لكن الراوي وجودت رفضا السير مع الوصي بهذا الطريق الذي لو تم لوقعت حرب أهلية لا أحد يعرف مداها.
تشكيل مجلس الدفاع الوطني:
بادر العقداء الأربعة، بعد هروب الوصي، إلى تشكيل مجلس الدفاع الوطني وتم اختيار[رشيد عالي الكيلاني] رئيساً للمجلس ليقوم مقام مجلس الوزراء.
وفي أول اجتماع لمجلس الدفاع الوطني قرر المجلس إرسال مذكرة إلى الحكومة البريطانية تحذرها من التدخل في شؤون العراق الداخلية، وتقديم الدعم والمساندة للوصي عبد الإله.
كما قرر المجلس إرسال قوات عسكرية إلى البصرة لمنع أي تحرك ضد مجلس الدفاع الوطني، وتم اعتقال متصرف البصرة [صالح جبر] الذي قطع صلاته ببغداد تضامناً مع الوصي، وتم تسفيره إلى بغداد.
عزل عبد الإله وتعين شريف شرف وصياً على العرش:
رداً على تحركات الوصي الرامية إلى إسقاط حكومة الدفاع الوطني، وهروبه من العاصمة، وتعاونه مع المحتلين البريطانيين في هذا السبيل، فقد وجهت حكومة الدفاع الوطني إنذاراً له بالعودة إلى بغداد فوراً، وإلا فإنها ستضطر إلى عزله من الوصاية، وتعين وصي جديد على العرش بدلا منه.
ولما لم يستجب عبد الإله إلى الإنذار قررت حكومة الدفاع الوطني عزله من الوصاية، وتعين [الشريف شرف] وصياً على العرش بدلاً عنه، وقد صادق البرلمان على هذا الإجراء في جلسته المنعقدة في 16 نيسان1941.
الكيلاني يشكل حكومة مدنية جديدة:
بعد أن تم تعين [الشريف شرف] وصياً على العرش، قدم مجلس الدفاع الوطني برئاسة رشيد عالي الكيلاني استقالته إلى الوصي الجديد في 12 نيسان 1941 لغرض تشكيل حكومة مدنية جديدة، وقد كلف الوصي السيد الكيلاني بتشكيل الوزارة الجديدة في اليوم نفسه، وتم تشكيل الوزارة على الوجه التالي:
1 رشيد عالي الكيلاني رئيساً للوزراء ووزيراً للداخلية.
2 ناجي السويدي وزيراً للمالية.
3 ناجي شوكت وزيراً للدفاع.
4 موسى الشابندر وزيراً للخارجية.
5 رؤوف البحراني وزيراً للشؤون الاجتماعية .
6 علي محمود الشيخ علي وزيراً للعدل.
7 يونس السبعاوي وزيراً للاقتصاد.
8 محمد علي محمود وزيراً للأشغال والمواصلات.
9 محمد حسن سلمان وزيراً للمعارف.
وفور تشكيل الوزارة أعلن الكيلاني عن عزم الحكومة على عدم توريط العراق في الحرب، مع الالتزام بمعاهدة التحالف مع بريطانيا، والتمسك بالتعهدات الدولية. وقد لاقت حكومة الكيلاني تأييداً كاسحاً من أبناء الشعب الحانقين على الاستعمار البريطاني وأعوانه.
عاشراً:القوات البريطانية تسقط حكومة الكيلاني،وتعيد عبد الإله وصياً على العرش وولياً للعهد:
تسارعت التطورات في البلاد بعد أحكام سيطرة رشيد علي الكيلاني والعقداء الأربعة على مقاليد الحكم، ولاسيما وأن الحركة قد لاقت تأييداً واسعاً من أبناء الشعب عامة الذين كانوا يحدوهم الأمل في التخلص من الاستعمار البريطاني الذي أذاقهم الأمرّين، ولم يدركوا أن الاستعمار الألماني البديل أسوأ منه، وهكذا أصبحت الأمور صعبة للغاية بالنسبة لبريطانيا، وتنذر بمخاطر كبيرة.
وبناء على ذلك طّير السفير البريطاني [كورنوليس] برقية إلى المستر تشرشل رئيس الوزراء جاء فيها:
{ إما أن ترسلوا جيشاً كافيا إلى العراق، أو انتظروا لتروا البلاد في أيدي الألمان}.
فلما اطلع تشرشل البرقية أسرع بالإبراق إلى وزير الهند لإرسال قوات عسكرية، وإنزالها في البصرة على عجل. (21)
كانت الحكومة البريطانية قد أبلغت العراق قبل وقوع الانقلاب أنها عازمة على إنزال قوات في البصرة لنقلها عبر العراق إلى حيفا في فلسطين حيث تقتضي ضرورات الحرب، وبموجب المعاهدة العراقية البريطانية يحق لبريطانيا ذلك، بعد إبلاغ ملك العراق بذلك.
ولذلك فقد اتصل القنصل العام البريطاني في البصرة بوكيل المتصرف، يوم 10 نيسان، وأبلغه أن فرقة من الجيش الهندي على ظهر ثلاث بواخر حربية، وبحراسة طرادين حربيين، وثلاث طائرات، سوف تدخل المياه الإقليمية العراقية خلال 48 ساعة، وطلب منه إبلاغ حكومته بذلك للموافقة على نزول تلك القوات في البصرة.
كما قام مستشار وزارة الداخلية، المستر [أدمونس] في بغداد بزيارة رئيس الوزراء الكيلاني، وابلغه بنفس الأمر. (22)
وعلى الفور أجتمع مجلس الوزراء وبحث الأمر، وبعد مناقشة مستفيضة اتخذ قرارا بالسماح للقوات البريطانية بالنزول، وفق الشروط التي اتفق عليها في 21 حزيران 1940، والتي نصت على نزول القوات لواء بعد لواء، على أن يبقى اللواء مدة معقولة، وهو في طريقه إلى فلسطين، ثم يليه نزول اللواء التالي، بعد أن يكون اللواء السابق قد غادر الأراضي العراقية، وعلى الحكومة البريطانية أن تشعر الحكومة العراقية بعدد القوات المراد إنزالها. (23)
كما قررت الحكومة العراقي إيفاد اللواء الركن [إبراهيم الراوي] إلى البصرة لاستقبال القوات البريطانية، كبادرة حسن نية من الحكومة.
لكن بريطانيا كانت قد قررت غزو العراق، وإسقاط حكومة الكيلاني بالقوة، وإعادة عبد الإله وصياً على عرش العراق، وكانت تعليمات القيادة البريطانية تقضي باحتلال [منطقة الشعيبة] في البصرة، واتخاذها رأس جسر لإنزال قواتها هناك، والانطلاق بعد ذلك إلى بغداد.
وفي يومي 17 و 18 نيسان 1941 نزلت القوات البريطانية في البصرة، وعلى الفور أبرق رئيس الوزراء البريطاني تشرشل إلى الجنرال [إيمسي] في رئاسة الأركان البريطانية، يأمره بالإسراع بإنزال 3 ألوية عسكرية في البصرة، وقد بدا واضحاً من تصرف تلك القوات أنها لن تغادر العراق، كما هو متفق عليه، بل لتبقى هناك حيث قامت بحفر الخنادق، وإقامة الاستحكامات، وترتيب بقائها لمدة طويلة.
وفي 28 نيسان 1941 أبلغ مستشار السفارة البريطانية في بغداد وزارة الخارجية العراقية بنية بريطانيا إنزال قوة أخرى قوامها 3500 جندي وضابط، في 29 نيسان ، وقبل رحيل القوات التي نزلت في البصرة قبلها.
وعند ذلك أدركت حكومة الكيلاني أن بريطانيا تضمر للعراق شراً، وأنها لا تنوي إخراج قواتها كما جرى عليه الاتفاق من قبل، بل لتستخدمها لاحتلال العراق من جديد.
وعليه اتخذت قرارها بعدم السماح لنزول قوات بريطانية جديدة في البصرة قبل مغادرة القوات التي وصلت إليها من قبل.
كما طلبت الحكومة العراقية من السفير البريطاني تقديم أوراق اعتماد حكومته كدليل على اعتراف بريطانيا بالوضع الجديد في العراق .(24)
وفي الوقت نفسه قررت الحكومة العراقية القيام بإجراءات عسكرية احترازية لحماية العراق، وأصدرت بياناً إلى الشعب بهذا الخصوص، وقد أشار البيان إلى إخلال بريطانيا بنصوص معاهدة التحالف، وأن الحكومة قد قدمت احتجاجاً رسميا إلى الحكومة البريطانية، كما أشار البيان إلى عزم الحكومة على التمسك بحقوق العراق، وسيادته واستقلاله.
لكن الحكومة البريطانية تجاهلت مواقف الحكومة العراقية واحتجاجاتها، وأنزلت قوات جديدة في البصرة في 30 نيسان، وحاولت تلك القوات قطع الطريق على القوات العراقية المتواجدة هناك، لكن القوات العراقية استطاعت الانسحاب إلى المسيب، مقرها الدائم، وكررت الحكومة احتجاجها على تصرفات القوات البريطانية، لكن الحكومة البريطانية تجاهلت ذلك الاحتجاج، وأقدمت على ترحيل الرعايا البريطانيين من الموظفين، وأصحاب الشركات، والعاملين فيها، كما أوعزت لهم بتهريب موجودات البنوك من العملات.
عند ذلك أيقنت الحكومة أن الصِدام بين الجيشين العراقي والبريطاني بات أمرٌ حتمي، وقررت اتخاذ عدد من الإجراءات العسكرية لحماية بغداد.
فقد أرسلت عدداً من قطعاتها العسكرية إلى المنطقة القريبة من [الحبانية] حيث توجد قاعدة جوية بريطانية كبيرة.
لكن ثلاث أسراب من الطائرات البريطانية قامت على الفور بقصف تلك القوات المتمركزة في [سن الذبان] بجوار بحيرة الحبانية، وذلك صباح يوم الجمعة المصادف 2 أيار 1941، وبذلك اشتعلت الحرب بين العراق وبريطانيا، وقام على الأثر السفير البريطاني بإصدار بيان موجه إلى الشعب العراقي، كان قد أعده سلفاً، هاجم فيه بشدة حكومة الكيلاني، واتهمها بشتى التهم، وبذلك كشف البيان عن جوهر السياسة البريطانية وأهدافها الاستعمارية العدوانية تجاه العراق.
وفي اليوم نفسه قدم السفير البريطاني إنذاراً للحكومة العراقية بسحب قواتها من أطراف الحبانية، وهدد باتخاذ أشد الإجراءات العسكرية ضدها. وعلى اثر تلك التطورات والأحداث المتسارعة، أجتمع مجلس الوزراء، واتخذ
قرارات هامة للدفاع عن العراق، كان منها:
1 إعادة العلاقات مع ألمانيا، والطلب بإرسال ممثلها السياسي على الفور، وطلب المساعدة منها.
2 إقامة العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي فوراً.
3 نشر بيان صادر من رئيس الوزراء حول العدوان البريطاني على القوات العراقية.
4 إرسال احتجاج شديد اللهجة إلى الحكومة البريطانية على تصرفاتها تجاه العراق.(25)
وعلى الأثر قام الوزير العراقي المفوض في تركيا بمقابلة السفير الألماني [فون بابن]، وطلب منه تقديم كل مساعدة ممكنة للصمود بوجه القوات البريطانية، وقد أبلغه السفير الألماني أن تقديم المساعدة يتطلب مدة من الزمن، وسأله كم من الزمن تستطيع القوات العراقية الصمود أمام القوات البريطانية، وأخيراً تم الاتفاق على إرسال عدد من الأسراب من الطائرات الحربية الألمانية للدفاع عن مدن العراق التي أخذت تتعرض لقصف الطائرات البريطانية، ريثما يتمكن الألمان من تقديم مساعدة فعالة للحكومة العراقية.(26)
وفي الوقت نفسه غادر الدكتور[كروبا] سفير ألمانيا السابق في العراق متوجهاً إلى بغداد لفتح السفارة الألمانية، حيث وصلها في 18 أيار، وبصحبته 5 طائرات حربية، وبعثة عسكرية جوية برئاسة الفيلد مارشال فون بلومبرج].
لكن المارشال الألماني أصيب قبل هبوط طائرته في مطار بغداد بصلية من الطائرات البريطانية، وقتل قبل نزوله في بغداد، وذلك خلال اشتباك جوي مع الطائرات البريطانية.(27)
وفي الوقت نفسه تلقى العراق كميات من الأسلحة عن طريق سوريا، حيث كانت ألمانيا وإيطاليا قد استولت على تلك الأسلحة بعد انهيار فرنسا.
فقد حصل العراق على 15 ألف بندقية، و354 مسدساً و5 ملايين خرطوشة مدافع رشاشة، و10000 قنبلة عيار 75 ملم، و 6000 قنبلة عيار 155 ملم، و30 ألف قنبلة يدوية، و 6000 قنبلة زمنية، وغيرها من الأجهزة العسكرية والمتفجرات، وأجهزة الاتصال اللاسلكية وغيرها.(28 )
ورداً على سحب موجودات البنوك، أعلن الكيلاني انسحاب العراق من منطقة الإسترليني، وحاول تغير العملة بالتعاون مع المانيا، لكن الزمن لم يمهله لتنفيذ ذلك، فقد تصاعدت الأزمة بعد أن فتحت القوات البريطانية النار على القوات العراقية المتواجدة في البصرة، واستطاع الفوج العراقي الموجود هناك الانسحاب من المنطقة في 2 أيار 1941.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.