lلمستشار/ أحمد عبده ماهر للحوار الحضاري أعداء، وللمناظرات الجدية منفرين، وللتصلب الفكري زعماء، أولئك هم شر البرية، يناصبونك العداء من أول الطريق، لا لجريمة اقترفتها، لكن لأنك لست منهم، أو تعزف لحنا غير لحنهم، هم أساطين الخلاف بلا سند، وهم أصحاب الرؤية الواحدة، يتصورون أنهم يحوزون الحق المطلق، رغم أنه لا وجود للحق المطلق في الحياة إلا لنصوص الرسالات السماوية، وغالبا ما تجد تلك النصوص في واد وتأويل البشر لها في واد آخر، بل تجدهم يختلفون حول تأويل النص الواحد، لذلك صاروا يطلقون لقب مؤمن وكافر على عواهنها ووفق هواهم. إن أكبر ما يعانيه أتباع الرسالات هو التفرق، ومن بين العلاجات الموضعية التي ابتدعوها حلولا جعلوا لها مصطلحات مثل (اختلافهم رحمة)، و (خلافهم في الفروع وليس بالأصول)، وغير ذلك من المسكنات الساذجة. أما التسامح فيحصره أعداء الحوار فيما بين الفصيل الواحد، ولا يرون له مناسبة إلا في فئتهم التي عاشوا في أحضانها، لكنهم لا يتسامحون مع الفصيل الآخر، بل ترى الغلظة تفور من قلوبهم على ألسنتهم وتصرفاتهم تجاه الآخر، وهم يظنونها غيرة على القوالب التي يسمونها الثوابت، بينما هي في حقيقتها حمية الجاهلية التي عصم الله عنها المؤمنين الحقيقيين. إن الذين لا يمتلكون خلفية فكرية وثقافية مناسبة، يجدون في اللا تسامح قوّة لشخصياتهم التي لا ترى إلا زاوية واحدة من زوايا الأمر، بينما يصمون أسماعهم عن أي قول لا يتفق وما دأبوا عليه، وللأسف فإن أتباعهم ينتقلون من منطقة الإيمان بالله إلى منطقة الإيمان بالفقيه الذي يشجي أسماعهم، أو هو الواسطة بينهم وبين الله في كل ما يعتقدون، فهم لا يكلفون أنفسهم عناء تمييز ما يقال لهم، وكيف يميزون وهم لا يستمعون إلا لفكر واحد، لذلك تنشأ الفظاظة والانحراف في التصرفات والجنوح بها إلى ما تأباه النظم المتحضرة. إن المركزية الثقافية تخلق نوعا من الصرامة غير المبررة، وتوحي لأتباعها بالنرجسية والذاتية مع نبذ الآخر، فما شعب الله المختار إلا نوعا من هذه الثقافات، وما أسطورة تفوق الجنس الآري إلا شيئا من هذا، فنحن العرب مثلا نقنع بأننا خير أمة أخرجت للناس، وننسى أساس هذه الأمة وهو رسالة القرءان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمعروف أيضا، فلم نهتم إلا بالجزء الأول من الآية التي تعني بشرائط هذه الخيرية والتي إن طبقتها البشرية جمعاء بصورتها الحقيقية لأراحوا واستراحوا. فالأزهر والفاتيكان والكنيسة الأرثوذوكسية وغيرهم كلهم لا يرى الحق إلا من زاوية واحدة، مع إنهم جميعا يؤمنون بالخالق ويوم القيامة والجزاء والملائكة والجنة والنار، لكن لكل منهم زاويته التي ينفذ منها فكريا لعقول البشر، ومن خلال تلك الزاوية التي يتم تلوينها وصبغها بصبغة تغري باتباعها، يكثر الأتباع الذين تحدوهم العاطفة قبل العقل، ومن خلال تلك العواطف يكون نبذ الحوار وانعدام التسامح والغلظة والفظاظة. وللتقهقر أسباب منها الجهل الذي هو أصل كل بلية، لا أعني جهل الدين، لكن جهل الفكر وانعدام الحضارة التي تعاني منها بلاد العرب، فهم سر تقهقرنا الدائم، وأضرب لكم المثل على جهلنا الفاضح بالحضارة، فلازالت كثير من العقول بيننا تتصور بأن إعداد القوة يكمن في البندقية والمقاتل الشرس العنيد المثابر في الميدان، وإن مجرد تصوري الذي سأصرح لكم به يفتح عليّ باب جهنم من أعداء الحوار. فإني أرى بأن إعداد القوة لحماية الأمة الإسلامية يجب أن يكون في المعمل والمدرسة والجامعة، فبهذا سنكون أقوياء ويمكنا المنافسة على مركز الصدارة في العالم، لأن القنبلة الذرية تمنع عن مقتنيها لعب أصحاب البنادق والمفخخات، وتلك القنبلة وما هو أكثر منها،.... يحتاج للمعمل والمدرسة والجامعة، وسيستغرق وصول الأمة لأهدافها لتؤمن نفسها زمنا أقل مما قطعه بن لادن ورفاقه في جبال تورا بورا، ولن نخسر شباب الأمة الذين قتلهم الدواعش.... وستعرفون ساعتها بدلا من إنشاء موقع يحمل اسم كلنا بن لادن فستنشئون موقعا يحمل عنوان كلنا أحمد زويل، فهذا هو الفقه لمن أراد أن يكون فقيها، وذلكم هو الاختلاف مع ضرورة الحوار حتى نصل معا لأمر جامع لا نحتاج بعدها أن نقول اختلافهم رحمة، فذلك هو الفرق بين غجرية الأمس وحضارة اليوم. مستشار/أحمد عبده ماهر مجام بالنقض ومحكم دولي وكاتب إسلامي