(( عندما تغلق نافذتنا المطلة على التأريخ ....وتعلق الأقلام على أعواد المشانق ....ويجف نبع الحقيقة ....لابد من مدوّنٍ يدون لنا ما يجري ....وإلا سنضطر الى تبرئة يزيد من دم الحسين ....كما تم تبرئة اليهود من دم عيسى)) أحاول أن أقول من خلال هذا الاستهلال يجب علينا أن نكتب تاريخنا بأيدينا ولا نجعل المنتصر هو من يكتب التاريخ بدلاً عنّا كما فعل أسلافنا فأنتجوا لنا تأريخاً مشوهاً متناقضاً يكتنفه الكثير من الغموض هدرت فيه الكثير من الحقائق والحقوق وصرنا نتعبد بأقوال الطغاة وتركنا أقوال القديسين والحكماء خلف ظهورنا ......... كتب مايكل روبين هو "باحث مقيم" في معهد أمريكان إنتربرايز. مقالة في موقع معهد أمريكان إنتربرايز بعنوان((هل القرآن يُدين أو يؤيد الانتحار ؟)) أكرر نفس عنوان المقالة للرد على مقالته هذه التي حاول من خلالها أن يوضح أراء المتطرفين في تفسير النصوص القرآنية وما حدث من جراء هذه التفاسير من أعمال عنف امتدت عبر أكثر من أربعة عشر قرن وساق مثلاً الآية 154 من سورة البقرة والتي جاء فيها: "وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ" واستطرد يقول أن ما بنيَّ على هذه الآية ومثيلاتها من الآيات القرآنية كان لوحده كفيلاً بجعل المسلم يلقي بنفسه إلى الموت وهو سعيد لأنه سيحصل بالمقابل على الفردوس ودون حساب أو كتاب وهذا وفقاً لما ورد في هذه الآيات ، وكأنه أراد أن يقول أن هناك عجزاً في توضيح مضامين هذه الآيات ، قد يكون ما ذهب إليه هذا الباحث فيه بعض الصحة ولكن هنا يتبادر إلى أذهاننا عدة أسئلة: هل كان هؤلاء الفقهاء والمفسرين موجودين حين نزل القرآن ؟، وهل ما كُتِبَ من أسباب نزول الآيات القرآنية متفق عليه بين المسلمين ؟ وهل كان المسلمون الأوائل يعملون بمنطوق هذه الآيات وكما في الروايات التي أوردها المؤرخون؟ للجواب على هذه التساؤلات كان لابد للباحث – وهو باحث ومتخصص في الحضارات الشرقية- أن يراجع ما كتب من تفاسير مختلفة ومتباينة لمعظم الحوادث التاريخية وهذه مهمة الباحث وليس اجتزاء الأحداث والآيات وتفسيرها حسب هواه بل كان الإنصاف يقتضي تقديمها كما هي وكما اتفق عليه المسلمون أنفسهم وأن وجد خلاف في بعض التفاسير هنا يجب على الباحث أن يورد هذه الخلافات . وأستمر الباحث كاتب المقال في القول بأن القرآن كان يدعوا للموادعة والهدوء عندما كان ضعيفاً في مكة وحين أصبح فاعلاً وقوياً في المدينة صارت الآيات تنزل باستخدام القوة وكأنما كان يوحي إلينا بأنه كان يحرض على الاعتداء على الآخر وهذا ما نفاه القرآن بنفسه ،ولكن وكما قلت إنه الاجتزاء من القول ونسي أن يورد قوله تعالى ففي سورة البقرة أيضاً ((فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " .)) وهي مكية . ومن هذه الآية وغيرها نفهم بأن الإسلام وأقصد الإسلام المحمدي وليس كما أرادوه أن يصبح لا يقبل بالاعتداء على الآخرين وإنما تمت صياغة هذه التفاسير وفق الهوى فعند البحث في بطون الكتب الغير معتبرة نجد الكثير من هذه الأوهام وبالتالي استغلت كثغرة للنفاذ إليها من قبل الكثير من المتطرفين ... فالمسلمين في حقيقة الأمر ليسوا كذلك فهم قومٌ مسالمون ويؤمنون بجميع الديانات والكتب السماوية والرسل والملائكة ولا فرق عندهم بين كل الأنبياء ....ولكنها السياسة التي أدخلت هذه المفاهيم التي نسمعها حالياً فأنا حين أسمع هذه الفتاوى أقف مذهولاً أمام أسلوب التفسير الذي اعتمده هذا الفقيه أو ذاك وكأنما تم إعداد هؤلاء الفقهاء وفق مواصفات خاصة مهمتهم تشويه الدين . فالمسلمون لم تصدر عنهم إساءة إلى أي من الرسل أو الأنبياء ولم يتجرأ مسلم في يوم من الأيام على نشر أية صورة كاريكاتيرية لأي من الأنبياء لأن ذلك مخالف لشريعته ولكن هناك بالمقابل ومنذ عشرات السنين إساءة متعمدة للرسول الكريم (محمد)(ص) ولا أعرف إن كان الغرض منها تعبئة الرأي العام الإسلامي ضد الديانات الأخرى وبالتالي جرّه إلى معركة خاسرة من كل النواحي وكما حدث بالفعل ... وفي سورة البقرة نفسها نجد هذا الآية. "آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ " البقرة(285). وكما قلت فأن الإسلام قد حرّم أذية النفس المحترمة ووصف الشخص الذي يقدم على قتل نفسه بطريقة الانتحار (صفة القاتل) وموعده النار خالداً فيها حيث قال عزَّ من قائل . ((وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) {البقرة:195}. لا أعرف لماذا تجاهل الكاتب كل هذه الآيات في نفس السورة . أنا اتفق مع الباحث كاتب المقال في ضرورة تصدي العلماء المعتدلين لهذه التفاسير التي ابتدعتها الحركات المتطرفة معتمدة بذلك على بعض الكتب التي كتبت في فترات متباعدة لإرضاء بعض السلاطين وإعادة الإسلام الحقيقي الذي جاء به محمد بن عبد الله إلى أيدي الناس ليتعاملوا به كنظام أخلاقي ودنيوي وليس فقط أخروي فهو دين نظم علاقات الناس فيما بينهم من خلال الكثير من الآيات التي وردت وفيه الكثير من الأحكام والتشريعات ،وكما نظّم علاقات الأفراد بالخالق ولم يجعل فيها أي حرج وقال من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وقال لا أكره في الدين وقال وهديناكم النجدين ...والكثير من هذه الآيات التي تدلل على سلميّة الدعوة حيث قال وادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة .... وهنا دعوة للمؤرخين للاضطلاع بواجبهم بضرورة التصدي لكتابة التاريخ بعيداً عن التطرف والانحياز إلى أي طرف ....ففي الوقت الحاضر نجد القليل من يكتب بموضوعية ويتوخى الدقة في الكتابة و نشر الحقيقة كما هي ،أما البقية فنجدهم ينطلقون من عدة عوامل أما دينية يدفعهم بذلك التعصب الأعمى وأما قومية وأما دافع المصالح وهذا سوف يربك الباحثين مما يجعلهم يستبعدون كل هذه الأفكار المشوشة وبالتالي تضيع الحقيقة بين هذا الشد والجذب الذي تشهده الساحة السياسية الآن.....