من طبعي الإقتصاد في المديح والإطراء ، إلاّ أن مقالتك هذه أمدتني بدفقات من علاج منبه ، رغم ما أصابني من هوادة نتيجة توالي النكبات والمصائب التي استفحلت وتعددت حتى عدت أو عاد من يشاطرني همها لا يدري إلى أين يتجه ، وعلى من يبكي ويندب . دعنا يا سيادة الوزير لا نغفل الجانب الديني ، وهو الأساس في محنتنا وسوء حالنا فالآية الكريمة تقول : (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) أولسنا نحن الذين كنا نكتب التقارير على بعضنا وما زلنا لحد الآن ، فنودي بإخواننا وأساتذتنا وزملاؤنا إلى السجون وأعواد المشانق ؟ بل وبجيراننا وأهل بيوتنا أحياناً . ويا ليتنا تبنا . ألم تكن بعض النسوة تضع جهاز التسجيل تحت وسادة زوجها ثم تستدرجه بالكلام حتى ينتقد فلاناً ويسب فلاناً من المسؤولين الحكوميين ، فتسرع عند الصباح لتدفع بالشريط المسجل إلى الجهات الأمنية ، فيساق الزوج إلى السجن ، وتسارع هي لتطلب الطلاق . فكيف بالله يعيننا الله ويحيينا حياة طيبة ونحن ما زلنا نبيع الشرف والمباديء بمال السحت . هذا من الناحية الدينية ، وهي اهم ما في أمرنا هذا . أما مسببات الإجتراء علينا في حدودنا وأمننا وانهارنا ، وهي مشاعة للجميع عرفاً وقانوناً وشرعاً ، لنا وللدول التي تتشارك معنا فيها ، حتى وإن كانت لا تنبع من أرضنا ، فهنالك لهذا الأمر سببان : الأول مخططات القوى الظالمة الكبرى ، وهذا السبب لايمكن لعاقل ان يستهين به ، بل هو السبب الرئيس في احتضار نهرينا العظيمين دجلة والفرات ، وأنهارنا الأخرى ، لأن في تنفيذ هذه المخططات تحقق لمعظم المساويء الأخرى التي تكتنف مجتمعنا الداخلي . المخططات تنفذ بحذافيرها ما عدى بعض الفلتات هنا وهناك ، وهذه تحصل إما لغرض التمويه وخداع الإعلام ، أو لأن هنالك مقاومة شديدة ضد هذه المخططات يقوم بها الشرفاء ، فقد يحصل أن يستوزر خيرة الوزراء في هذه الوزارة أو تلك ، كفاءة وأمانة وعلماً وديناميكية ، ولكنه سيصطدم بمعارضة لا قبل له بها ولا طاقة ، حينما يتوجه للإصلاح والبناء ، رغم إخلاصه وصدقه ، وسيتفاجأ بتيار قوي يحبط كل اعماله العظيمة ، رغم جودتها ورغم تأكده أنها مدروسة ومحسوبة وناجحة . ولكن أيادٍ ظاهرة وأخرى خفية ستحبطها ، فيغادر الوزير منصبه وهو ما يزال يشعر بحاجته إلى المزيد من الوقت ليكمل ما قام به من أعمال جليلة ، ولكنه لا يحظى بهذه الفرصة ، ولا حتى الوزير الذي يتسلم منه الوزارة يحظى بها من بعده ، لأن الأوامر الحزبية أو الأوامر الخفية الأخرى ، ستنقض كل أعماله الصالحة ، ليبدأ الوزير الجديد بخطة جديدة ومنهاج جديد ، ليس لسبب إلاّ ليثبتوا أن الطرف الآخر الذي ينتمي إليه الوزير الأول فاشل وسيئ ومغرض !! وفي هذه الحالة سيكون الصالح العام ومقدرات الأمة هي الضحية الحقيقية لتلك الخيانة . ثم تنهال على الوزير المصلح الإتهامات بعد مغادرته منصبه ، ويوصم بأشد الأوصاف المنكرة والنعوت السيئة ، ويتهم بأنه لم يفعل شيئاً ولم يقدم خدمة للأمة ! أما السبب الآخر ، فهو تعهدات أصحاب المناصب الرفيعة لأحزابهم وطوائفهم بالسير والعمل ضد الطرف الآخر ممن يشاركونهم الحكم . وهؤلاء لن يكترثوا بخدمة الشعب الذي استأمنهم على مقدراته من أجل البقاء في مناصبهم وإرضاء لمن قدموا له العهود والمواثيق (المقدسة) ، فينشغلوا بالمنازعات والمهاترات ، وينسوْا أو يتناسوْا الأمانة التي استأمنتهم عليها الأمة ، ثم ينسحب ذلك على كل مفاصل الدولة ، وينشغل الجيش والقوى الأمنية والإستخباراتية في ولاءات متعددة هنا وهناك ، وتحاك المؤامرات وتقام الدعاوى الكيدية بين القيادات ضد بعضها وتطلق الإتهامات ، ويضعف الجيش وتضعف المؤسسات الإستخبارية التي هي عماد الأمن الداخلي والخارجي . تضعف مرتين ، مرة لما يحصل من اصطفافات ومنازعات ، واخرى لأن العناصر التي زُجت فيها كانت على أساس الحزب والطائفة والقومية ، وليس على أساس الكفاءة والنزاهة والأمانة ، وبهذه الطريقة تغمط حقوقنا في مياهنا ، وتُنشأ السدود على انهارنا ، لأن قلوبنا شتى ودولتنا غير مهابة وجيشنا غير مرهوب الجانب .. منصور بسيم الذويب