كل شيء كان زمن السلطة الفلسطينية حرام وخيانة أصبح اليوم حلال ومبارك في ظل الحكومة الربانية في قطاع غزة, إنني اذكر كيف كان الرئيس الشهيد ياسر عرفات يبذل الكثير من الجهود لكي يقنع الفصائل الفلسطينية بوقف المقاومة المسلحة لكي يتاح للعمل السياسي وقته المعلوم ولكي يأخذ الشعب الفلسطيني قسطا من الراحة ولكي تأخذ الفصائل الفلسطينية استراحة المقاتل, وكذلك فعل الرئيس أبو مازن ولكن كان يواجه صعوبة أكثر وقد تحمل الكثير ونال الكثير من الشتائم الشخصية عندما كان يطالب الفصائل بوقف متبادل لإطلاق النار بين هذه الفصائل وبين إسرائيل التي كانت تتذرع بإطلاق الصواريخ لكي تمارس الحرب البشعة على الشعب الفلسطيني الأعزل, والغريب أن حركة حماس كانت على راس الفصائل التي كانت تحارب القيادة الفلسطينية عندما تطالبها بالتهدئة أو وقف إطلاق النار وقد وصل الأمر في حينها لكي يصرح قادة هذه الحركة أن الرئيس أبو مازن كان يطلب وقف إطلاق النار فقط من اجل إخراج الاحتلال من ورطته العسكرية ومن اجل رفع ضربات المقاومة عن هذا الاحتلال, ولكي ننعش الذاكرة لمن لا يعلم فقد توافقت الفصائل الفلسطينية عام 2005م على إعطاء هدنة للاحتلال بعد جهود مضنية خاضتها القيادة الفلسطينية في ذلك الوقت وصلت إلى ذهاب كل الفصائل إلى القاهرة من اجل التوافق على هذه الهدنة المشروطة بعامل الوقت وكانت في ذلك الوقت تحمل نتيجة سياسية لهذه التهدئة وهي انسحاب إسرائيل من غزة بشكل أحادي ودون تنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية ليس إلا لكي يحصل في قطاع غزة ما حصل عام 2007م من انقلاب على الشرعية ووصول الشعب الفلسطيني إلى الاقتتال ومن ثم الانقسام الأليم, وأنني اذكر أن حركة حماس قامت في حينها بابتزاز القيادة الفلسطينية في أصعب الظروف من خلال الطلبات العديدة ومنها إصلاح منظمة التحرير ووصول هذه الحركة إلى المشاركة فيها بل وقيادتها لهذه المنظمة, وقد وافق في حينها الرئيس أبو مازن على هذه الطلبات وعلى إجراء الانتخابات رغم معرفته بالوضع الداخلي لحركة فتح ظنا منه أن هذه الحركة من الممكن أن يتغير فكرها الذي لا يعترف بالشراكة السياسية وتقديرا منه أن الانتخابات والاحتكام إلى أصوات الشعب الفلسطيني من الممكن أن يجنب الشعب الفلسطيني لغة الاقتتال الداخلي على السلطة. أما الآن فما أشبه اليوم بالأمس فها نحن نشاهد حركة حماس تذوق من نفس الكأس الذي كانت تسقيه للسلطة الفلسطينية قبل الانقلاب وها نحن نرى هذه الحركة تطالب الفصائل بل وتفرض عليها الهدن المجانية مع الاحتلال في أصعب الظروف وتحت واقع الحصار الأليم وتحت واقع الضربات والقصف الإسرائيلي اليومي على هذا القطاع الذي لم يتنفس الصعداء منذ سيطرة هذه الحركة على مقاليد الحكم هناك وها نحن بتنا نستمع إلى العديد من المصطلحات التي كانت تكفر بها حركة حماس ومنها مصطلح المصلحة الوطنية العليا والسلاح الشرعي الواحد وترشيد أدوات المقاومة والاعتدال بالمطالب السياسية, وكل ذلك تفعله حركة حماس دون أي ثمن سياسي من الممكن أن يدفعه الاحتلال. مادامت الأمور بهذا الشكل فلماذا هذا الإصرار على الانقسام ولماذا هذا التوغل في الانقلاب ولماذا الإصرار على اختلاف البرامج السياسية والفكرية ولماذا الإصرار على لغة التخوين والتكفير ولصالح من تبقى هناك حكومتان وصولا إلى تعددية المرجعيات ولماذا الإصرار على استبعاد وحدانية القرار والتمثيل الفلسطيني قبيل المعركة السياسية القادمة في أيلول بعدما أصبح الجميع مقتنع بجدوى المقاومة الشعبية والسياسية وتفوقها على المقومة المسلحة التي استنزفتنا قبل أن تستنزف أعدائنا وما أكثرهم في هذا العالم الظالم ويا رضى الله ورضى الوالدين.