فيما يُعتبر دليلاً على هجرة قُرّاء الصحف الورقية منها الى الاليكترونية..اتجاه الأولى لتعزيز تمويلها الذى أصابه الوهن والضعف من تراجع نسبة التوزيع بزيادة المساحة الاعلانية مقارنةً بالمادة الصحفية المقروءة مُستغلّة اسم الصحيفة وشهرتها بجذب الاعلانات وبمساحات واسعة تتضاءل لجوارها الأعمدة الصحفية لمقالات الكتاب والتحقيقات الصحفية المعهودة بها .. وهذا ماتأكد لى لدى شرائى احدى هذه الصحف القومية الشهيرة يوم السبت 23يوليو من هذا العام وبمجرد أن تناولت الصحيفة وبدأت أقلّب صحفاتها الواحدة تلو الأخرى فلم أجد ثمة مقال أو تحقيق صحفى أو ثمة خبر يمكن قراءته الأمر الذى كان هو دور تلك الصحف تثقيفيّا وتوعويّا واخباريّا بالأساس .. الا أننى قد وجدت اعلانات وبمساحات متنوعة تملأ الصحيفة بالكُليّة بالدعاية لسلع مختلفة وسيارات وفنادق واكسسوارات وغيرها من الاعلانات التجارية التى استغلّت حاجة هذه الصحف للأموال لتغطية مرتبات موظفيها مُستغلةً لذلك اسمها العريق وشهرتها فأتت على مساحة الصحيفة بالكليّة غير تاركة ثمة مساحة للكتاب والصحفيين وأقلامهم ليغيب دور الصحيفة التثقيفى والتوعوى والصحفى بالأساس .. وقد أصابنى هذا وغيرى بالحسرة والحزن الشديدين.. اذ كيف لهذه الصحيفة وفى مثل هذه المناسبة الوطنية وهى ذكرى ثورة 1952 لاتنشغل بتذكير قُرّائها بأحداث الوطن ولاتاريخه أو تثقيفهم بالأساس وكيف للصحف أن هجرت دورها هذا الى الدور الاعلانى والتسويقى فقط .. وهل كسرت هذه الاعلانات أقلام الكُتّاب والصحفيين على التوالى ؟؟ أسئلة وأسئلة باتت تحتاج بالحاح لاجابات .. وكانت أول اجابة هى ارجاع الأمر الى التطور الحادث على المستوى المعرفى والتثقيفى والصحفى اذ خلق التقدم بألياته الحديثة والتقنية المُعاصرة بدائل رخيصة نسبياً لهذه الصحف كشبكة الانترنت العالمية والتى جعلت من المواقع الاليكترونية لهذه الصحف محل دهشة واعجاب من القراء سواء باستعمال الألوان الجازبة او مساحات النشر المتاحة والتى تعطى المساحة للكاتب اكمال رؤيته بمقاله بلا ابتسار للفكرة ودون حجر عليها بمبرر عدم وجود مساحة كافية ومتبقية من المساحات الاعلانية اللازمة لاستمرار الجريدة بالقيام بدورها .. كما قد حققت هذه المواقع مُكنة التواصل اللحظى بين الكاتب وقارئه الذى يمكنه التفاعل بالمشاركة والتعليق كذلك. كما بمكنتها سرعة النشر للخبر منذ لحظة حدوثه بما هو أسرع من نشره بالورقية .. كل هذا كان سبباً مُباشراً فى اتجاه قارئى الصحف الى مواقعها الاليكترونية كبديل عن الورقية .. وان كانت هذه الأخيرة لها الريادة دائماً بكونها سهلة الحمل والتناول أيّا كانت الحالة التى عليها القارىء راكبا أو واقفا او مستلقياً .. كما وأن الكتابة الاليكترونية لايمكن أن تصل للاستيعاب والقبول الحادثين بالورقية الأمر الذى يجعلنا نطالب المؤسسات الصحفية بالارتقاء بدورها وسيلة وهدفاً بالاستفادة من تجربة الصحافة الاليكترونية الحديثة وأنصحها بضرورة الاندماج فى كيانات صحفية كبيرة بما لايجعلها بحاجة للاعلانات والتمويل الاعلانى التسويقى لها كأداة للانفاق على دورها وموظفيها وصحفييها بالقدر الذى يحافظ على احترام القراء لها وبما يجعلها جديرة بدور المنافس للصحافة الاليكترونية التى باتت طاردة للصحافة الورقية بدورها ذو القيمة المتضائلة نسبياً عما سبق. ان انشاء نقابة للصحافة الاليكترونية وان كان خبر الساعة الجدير بالاحترام والاهتمام بما يتناسب مع تنامى دور هذه الصحافة وقبول قُرّائها وكُتّابها انما ليس بديلاً عن الصحافة المقروءة الأخذُ دورها فى التراجع .. ومن هذا المنطلق فاننا نناشد تلك المؤسسات الصحفية الكبرى باعادة النظر فى دورها ودور الاعلان الداعم لها والذى أصبح طاغياً على مادتها الصحفية المقروءة .. وكذا فى دورها التثقيفى المُحاكى للكتاب المقروء بالحال الذى جعلنا نشعر بعدم الاستعاضة عن رحيل كتّاب عظام قد رحلوا كطه حسين والعقاد وادريس وأنيس منصور ومصطفى محمود وذكى نجيب محمود وهيكل وغيرهم من الكُتّاب الذين كانت بهم تلك الصحف منارة تثقيف وتوعية واعلام وتوجيه للرأى العام بالأساس. لذا نتساءل أين مثل هذه الهامات التنويرية العالية القامة ودورها فى المحافظة على الوجدان المصرى والقيم الوطنية والثوابت المُعتقدية والتاريخية كذلك .. يجب الاندماج فى كيانات صحفية كبيرة لمواجهة هذا الزحف من الصحافة الاليكترونية اذ الانزواء والانفراد فى هذا العصر هو نوع من التقزم أمام تهديد أليّات التقدم المعاصرة بامكانياتها وادواتها المذهلة والتى باتت تلبى حاجة القارىء من المعلومة السريعة كوجبات التيك أواى والتى لاتُثرى ثقافة الفرد الحاصلة من وراء الصحافة الورقية .. وكذا لاتُلبى حاجة دورها الانفاق عليها او موظفيها وصحفييها .. لابد لتلك الصحف من الخروج عن دائرة دعم الدولة بالاندماج فى كيانات كبيرة حتى تكون مستقلة برؤاها السياسية غير التابعة والمبررة لسياسة الدولة ورؤى مُصدرى القرار فتبيت مؤسسةًً للفساد حامية له بتوجيه الرأى العام بالسكوت عليها وتقبلها بالتنصل من ميثاق الشرف الصحفى وموجباته .. ليكون لها الاستقلاية اللازمة للصحافة كسلطة رابعة تحقق الرقابة على دور كافة الأجهزة بالدولة كأداة كاشفة للفساد وللعوار الادارى والانحراف بالسلطة وتوجيه الرأى العام بلفت انتباهه اليها لتقزيمها ومحاربتها .. وكذا تُعطى رؤى المفكرين لصانع القرار موجهةً له بحيادية ووطنية وبلا تبعية له .. لقد جاء الوقت ياسادة لتكون الصحافة المقروءة أداة بناء كما كانت من قبل سواء كان بدورها التثقيفى أو الرقابى اللازم لتكون الكيانات الصحفية كالأهرام والأخبار والجمهورية ركائز للصحافة الوطنية ذات البُعد التاريخى والتراثى والقومى المُتحرر مؤخراً من ربقة تبعية الدولة والمنطلق الى ساحة المنافسة الحديثة مع كافة قنوات الاعلام قاطبة سواء كانت مقروءة أو مسموعة أو مرئية لتطوف من حولها كافة الصحف الحديثة تستلهم من خبراتها وريادتها كميثاق شرف جديد لازم اتباعه حتى يعود لأسماعنا هذا النداء من جديد.. أخبار أهرام جمهورية شارع الصحافة..