مصر البلد العربي الوحيد الذي يتربع فيه الاستغلال على عرش السلبيات وأصبح ظاهرة يندى لها الجبين ، فالمصري يستغل المصري من خلال المكان والزمان والنفوذ ، فإذا كنت مسافرا بالقطار أو الأتوبيس أو السيارة وأردت شراء أي منتج بمحطات القطار وبمواقف السيارات والأتوبيسات أو الإستراحات والكافيتريات والمطاعم في طريق السفر فلا بد لك من أن تدفع أضعاف السعر الأصلي نظير حصولك على ما تريده لأن المضطر أثناء السفر إلى الشراء فهو مضطر كذلك للدفع بالسعر الذي يريده البائع ، واصفا تلك المضاعفة في السعر بأنها أسعار سياحية وكأن هذا المكان يحمل ترخيصا من وزارة السياحة للبيع بتلك الأسعار الباهظة ، فالمطاعم والمقاهي إما عادية أو سياحية وفارق السعر لوجود الخدمة السياحية ، أما تلك الأماكن فأصبحت أسعار أكثر من السياحية وخدمة أقل من العادية ، ناهيك عن المأكولات الفاسدة وربما لحوم الكلاب والحمير لكونها لا تخضع للرقابة المستمرة ، فهذا هو نوع من أنواع استغلال المصري للمصري من خلال المكان ، فما بالنا باستغلال المصري للسائح سواء كان عربيا أو أجنبيا ، وبالرغم من أن وزارة السياحة وبالتعاون مع شرطة السياحة تقدم دليلا بأسعار وسائل التنقل للسياح في المناطق السياحية ويبذلان كافة جهودهم لحماية السائح إلا انك لم تجد سائحا عربيا إلا ويقص عليك قصصا عن استغلال أصحاب التاكسيات لهم ، فالاستغلال موجودا لأنه أصبح ثقافة مكتسبة بغض النظر عما يسببه هذا الاستغلال من سمعة بلد سياحي عريق مثل مصر الغالية ، وبالرغم من أن بعض البلدان العربية تقطع طريق السفر داخلها في صحراء قاحلة إلا إنك عندما تجد استراحة أو كافتيريا أو مطعم تجد كل الأسعار بها مثل الأسعار داخل المدينة بالرغم من عدم وجود رقابة مستمرة عليها ولكن عدم الاستغلال في تلك البلدان ثقافة مكتسبة ، وبالرغم من إضافة الشحن الدولي والجمارك لأسعار المنتجات المصرية عند التصدير إلا أن المصريين العاملون بالدول العربية يشترون المنتجات المصرية في تلك الدول العربية المستوردة بأسعار أقل من سعرها بمصر ، ويسأل عن ذلك الشركات والمصانع القائمة بالتصدير والذين لا يراعون حق الشعب عليهم ، أما استغلال المصري للمصري من خلال الزمان فهو استغلال المواسم والمناسبات والأعياد وأشهرها قدوم شهر رمضان المبارك أعاده الله على جميع المصريين والأمة الإسلامية بالخير والصحة والسعادة ، لنجد ارتفاعا في اسعار السلع الرئيسية واللحوم والدواجن ، فالسكوت عن هذا الاستغلال أدى إلى التمادي فيه لينتقل شيئا فشيئا ليشمل كافة الأماكن وكافة الأزمان ، وتعجبت من حديث أحد المسئولين مع إحدى الفضائيات ناصحا المواطنين بعدم شراء كميات من الأرز الآن للشهر الكريم لأن التجار سيضطرون لإخراج المخزون قبل موسم الأرز والذي يتناسب هذا العام مع الشهر الكريم ومن ثم ستنخفض أسعاره ، فالشعب مطالب بمقاطعة اللحوم حتى يرضى عنه الجزارون ومطالب بمقاطعة الأرز حتى يرضى عنه التجار ، وكأن الجزارون والتجار ليس من فئات الشعب المغلوب على أمره ، بل هم أقوى من وزارتي الزراعة والتجارة أي أقوى من الدولة ، أما استغلال المصري للمصري من خلال استغلال النفوذ لنجد المسئول عن مؤسسة ما وكأنها تركة له ليقوم بتعيين الأقارب والمعارف ويحرم الأحق منهم بالتعيين في تجاهل تام للوائح والقوانين ، ومن ثم رفع شعار الواسطة والمحسوبية ومزجه بالرشوة والإكرامية مقابل أداء عمله ، فاستغلال النفوذ أصبح ظاهرة ملفتة للنظر في مجتمعنا المصري ، بدليل كم قضايا الرشوة والإختلاس المرتبطة باستغلال النفوذ التي تنظر في المحاكم ، والتي يتهم فيها إما موظفا صغيرا أو مسئولا كبيرا أو حتى وزيرا ، فالمصريون جميعا سواسيه أمام الله ومن ثم يجب أن يكونوا سواسية أمام القانون ، أما إذا انساق البعض وراء أهوائهم ومصالحهم ، فهم لا محالة يتجهون إلى الظلم والفساد ، وتتجلى عظمة القرآن في قوله تعالى)) : بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ)) ، وكان الله في عون الشعب المصري من استغلال المكان والزمان والنفوذ. دكتور / محمد عبد الصبور فهمي ([email protected]) أستاذ الرياضيات التطبيقية - بالتعليم العالي بليبيا