وزير التعليم العالي يؤكد أهمية تنوع الأنشطة الطلابية لذوي الإعاقة بالجامعات    محافظة الدقهلية تواصل فعاليات دمج أطفال دور الرعاية بالمجتمع (صور)    أسعار البيض اليوم الجمعة بالأسواق (موقع رسمي)    قمة مصرية روسية اليوم بموسكو لتعزيز العلاقات في مختلف المجالات    لأول مرة.. بابا الفاتيكان أمريكيا| وترامب يعلق    خلافات عميقة وتهميش متبادل.. العلاقة بين ترامب ونتنياهو إلى أين؟    ريال مدريد يستعد لإعلان تنصيب ألونسو خلفًا ل أنشيلوتي    إحباط محاولة غسل 50 مليون جنيه من تهريب المخدرات وضبط عنصرين أجنبيين بمدينة نصر    5 حالات اختناق بمنزل وحادث اعتداء على سوداني بالجيزة    ضبط عناصر إجرامية بحوزتهم مخدرات بقيمة 3.5 مليون جنيه    عرض فيلم "Only the River Flows " بمكتبة مصر الجديدة العامة    بوتين: روسيا ستبقى قوة عالمية غير قابلة للهزيمة    وفد «محلية النواب» يتفقد الخدمات الصحية لمستشفى الناس بشبرا الخيمة (صور)    احتفالات روسيا بالذكرى ال 80 للنصر العظيم..حقائق وأرقام    مصلحة الضرائب: 1.5 مليار وثيقة إلكترونية على منظومة الفاتورة الإلكترونية حتى الآن    فاركو يواجه بتروجت لتحسين الوضع في الدوري    ماركا: تشابي ألونسو سيكون المدرب الجديد لريال مدريد    إنفانتينو يستعد لزيارة السعودية خلال جولة ترامب    وزير الري: سرعة اتخاذ قرارات طلبات تراخيص الشواطئ تيسيرا ودعما للمستثمرين    وزير الإسكان: بدء تنفيذ مشروع «ديارنا» السكني بمدينة القاهرة الجديدة    جدول امتحانات خامسة ابتدائي الترم الثاني 2025 بالقليوبية «المواد المضافة للمجموع»    بسبب الأقراص المنشطة.. أولى جلسات محاكمة عاطلين أمام محكمة القاهرة| غدا    انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني للطلبة المصريين في الخارج غدا    الموافقة على الإعلان عن التعاقد لشغل عدة وظائف بجامعة أسيوط الأهلية (تفاصيل)    وزير المالية: الاقتصاد المصري يتحرك بخطى جيدة ويوفر فرصًا استثمارية كبيرة    مروان موسى ل«أجمد 7» ألبومى الجديد 23 أغنية..ويعبر عن حياتي بعد فقدان والدتي    حفيدة الشيخ محمد رفعت: جدى كان شخص زاهد يميل للبسطاء ومحب للقرآن الكريم    الجيش الأوكراني: تصدينا خلال ال24 ساعة الماضية لهجمات روسية بمسيرات وصواريخ    اقتحام مستشفى حُميّات أسوان بسلاح أبيض يكشف انهيار المنظومة الصحية في زمن السيسي    الهيئة العامة للرعاية الصحية تُقرر فتح باب التقدم للقيد بسجل الموردين والمقاولين والاستشاريين    «دمياط للصحة النفسية» تطلق مرحلة تطوير استثنائية    افتتاح وحدة عناية مركزة متطورة بمستشفى دمياط العام    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 9- 5- 2025 والقنوات الناقلة    أسعار الدولار أمام الجنيه المصري.. اليوم الجمعة 9 مايو 2025    أحمد داش: الجيل الجديد بياخد فرص حقيقية.. وده تطور طبيعي في الفن    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    زعيم كوريا الشمالية يشرف على تجارب لأنظمة صواريخ باليستية قصيرة المدى    أسرة «بوابة أخبار اليوم» تقدم العزاء في وفاة زوج الزميلة شيرين الكردي    في أجواء من الفرح والسعادة.. مستقبل وطن يحتفي بالأيتام في نجع حمادي    الهباش ينفي ما نشرته «صفحات صفراء» عن خلافات فلسطينية مع الأزهر الشريف    طريقة عمل الآيس كوفي، الاحترافي وبأقل التكاليف    رئيس الطائفة الإنجيلية مهنئا بابا الفاتيكان: نشكر الله على استمرار الكنيسة في أداء دورها العظيم    سالم: تأجيل قرار لجنة الاستئناف بالفصل في أزمة القمة غير مُبرر    تفاصيل لقاء الفنان العالمي مينا مسعود ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي    «ملحقش يتفرج عليه».. ريهام عبدالغفور تكشف عن آخر أعمال والدها الراحل    غزو القاهرة بالشعر.. الوثائقية تعرض رحلة أحمد عبد المعطي حجازي من الريف إلى العاصمة    الأهلي يتفق مع جوميز مقابل 150 ألف دولار.. صحيفة سعودية تكشف    الجثمان مفقود.. غرق شاب في ترعة بالإسكندرية    في المقابر وصوروها.. ضبط 3 طلاب بالإعدادية هتكوا عرض زميلتهم بالقليوبية    طلب مدرب ساوثهامبتون قبل نهاية الموسم الإنجليزي    وسائل إعلام إسرائيلية: ترامب يقترب من إعلان "صفقة شاملة" لإنهاء الحرب في غزة    «إسكان النواب»: المستأجر سيتعرض لزيادة كبيرة في الإيجار حال اللجوء للمحاكم    حكم إخفاء الذهب عن الزوج والكذب؟ أمين الفتوى يوضح    عيسى إسكندر يمثل مصر في مؤتمر عالمي بروما لتعزيز التقارب بين الثقافات    محافظة الجيزة: غلق جزئى بكوبري 26 يوليو    ب3 مواقف من القرآن.. خالد الجندي يكشف كيف يتحول البلاء إلى نعمة عظيمة تدخل الجنة    علي جمعة: السيرة النبوية تطبيق عملي معصوم للقرآن    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخلق القويم وإقامة العدل بين الناس
نشر في شباب مصر يوم 25 - 08 - 2014


مستشار/ أحمد عبده ماهر
يتصوَّر البعض أنهم سيجدون ثواب أعمالهم الصَّالحة بعد الممات بحبوحة وسِعَة فى القبر، وبدخول الجنة حين البعث، ويرى آخرون أن متطلبات الحياة غير متطلبات الدين، وآخرون يتصوَّرون العمل الصَّالح منحصرًا فى الصلوات، والزكاة، والصوم، والحج، والتسبيح، فصارت عندهم تلك الشعائر أهدافًا يتوجب فناء النفس فيها وفق منطقهم وقطع الوقت لأجلها، لكن هؤلاء وهؤلاء إن تدبروا بعض آيات القرآن لكان لهم شأن آخر، ومعتقد وعمل غير ما هم فيه، فالله تعالى يقول : {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }النحل97 ؛ بما يعنى أن جزاء العمل الصَّالح سعادة الدنيا وأجر فى الآخرة، وليس الأمر محصورا على أجر الآخرة كما يظن البعض، فكلما كان نصيبك من الحسنات أكبر كانت سعادتك فى الدنيا أكبر، ولا ينقص ذلك من أمر رفعة منزلتك فى الآخرة شيئا.
إن كلمة دين فى معناها اللغوى العام يختلف باختلاف موقع الكلمة فى سياق الجملة، فقد تعنى الشريعة، وقد تعنى الطريق، أو السلوك…وغير ذلك من المعاني، لكن ما أود الإشارة إليه هو كلمة دين بمعنى شريعة، فالنَّاس تصوَّروا المسجد والقرآن وشهر رمضان وحج البيت العتيق، هى الدين الذى أرسل الله به نبيه، ولا شيء فوق ذلك، لكن الدين الذى أُرسل به محمد صلى الله عليه وسلم هو السعى فى الحياة بكل الطاقة والهمة، لعمارة الكون ودعم الخُلُق القويم بين النَّاس، وإقامة العدل، على أن يتخلل تلك الصورة الحياتية بعض الشعائر يؤديها المسلم فى أوقاتها المخصوصة التى خطها الله كعوامل مساعدة لصلاح دنيا النَّاس ومآلهم بآخرتهم، ولم ينحصر الدين أبدًا فى تلك الصورة الملتحية أو المنتقبة فى جلباب يحمل سواكًا، ويظن صاحبه أنه على هدى النَّبى صلى الله عليه وسلم، لقد كان لابد للمسلمين أن يدركوا معنى كلمة {وعملوا الصَّالحات} الملازمة للإيمان والتى ما ترك القرآن ذكرهما معا، وهو موضوع سيأتى تفصيل بيانه بهذا الكتاب.
إن الاستقامة على منهج الله فى {افعل ولا تفعل} فى الشعائر، ليست كافية لإحراز السعادة فى الآخرة، بل يجب أن يكون المسلم إيجابيًا فى الحياة، وما يكون ذلك إلا بالبذل لعمل الصَّالحات بعمارة الأرض، ونشر حسن الخلق، وفى ذلك يقول النَّبى صلى الله عليه وسلم :بسنن البيهقى بالحديث رقم { 20571} عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق}، فحسن الخُلُق من أسباب بعثة محمد، كما إن الدعوة إلى الله هى مخ سنته صلى الله عليه وسلم، والاستقامة على منهج الله، وتدبر القرآن والكون المنشور، من مناهج دين المسلم، وكلها فرائض ذهل عنها النَّاس حين تصوّروا المسئولية فيها تقع على المتخصصين فى دراسة علوم الدين.
ومما يدل على أن العبادة الحقيقية غير الصَّلاة، وأن الصَّلاة لا تعدو إلا أن تكون عاملا مساعدا لصلاح العبد قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ }البينة5 ؛ فتأمل الآية لترى أن الصَّلاة كانت بعد العبادة والإخلاص لدين الله، كما أن كلمة [ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ ]الواردة بالآية لا تعنى أداء الصَّلاة، إنما تعنى أن يكون قول العبد فى الصَّلاة
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }سورة الفاتحة الآية5 هو أساس حياته داخل الصَّلاة وخارج الصَّلاة، فذلكم هو معنى كلمة
[ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ ]، فالأمر ليس مجرد قيام وقعود وتكبير وتسليم، لكنه الانضباط على منهج الله والإخلاص العملى داخل وخارج الصَّلاة فتلكم هى إقامة الصَّلاة، وذلك هو دين القيمة.
ولك أن تتأمل أن بالآية رقم {5} من سورة البينة ما يفيد أن العبد الذى يكون على هذا المنوال سيكون صاحب مال يزيد عن حاجته، ويكون عليه فيه زكاة، ولا يمنع أن تكون قلَّة المال أحيانا نوعًا من الابتلاء لاستبيان حقيقة الصبر عند العبد، واستجلاء الإيمان فى قلبه، حتى يجزيه الله الجزاء الأوفي، لأن أصحاب الصبر ذوو حظ وأجر عظيم، وفى ذلك يقول تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }فصلت35 ؛ وقوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِى هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) سورة الزمر10.
مُقَوِّمات السعادة كما وردت بالقرآن
لقد جعل الله السعادة فى الدنيا من نصيب أصحاب العقائد الأصيلة النابعة من دين سماوى قويم، ونفس راضية، تلك النفوس التى علمت وعملت بما علمت وتعلم، وتبذل بإخلاص دءوب لنماء الحياة الخاصة والعامة.
ولابد للعبد من تقويم نفسه بإرغامها على البذل لصلاح الدنيا وإصلاحها، ولابد من تهيئة الإنسان نفسه لتقبل الأصوَب والأحسَن والأَوْلَى، حيث يقول تعالى: { وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ{17} الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ{18} سورة الزمر.
ولابد للإنسان من نصيب لإبلاغ دين الله لمن لا يعلمون الإسلام، وتصويب السالكين فى الإسلام ليكونوا وفق شريعة الله وسُنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم، وفى ذلك يقول رضى الله عنه فى شأن الدعوة والبلاغ وأنها السُّنة الأساسية للرسول: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِين) سورة يوسف108 ؛ وقوله تعالى فى شأن تصويب أمر السالكين: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }آل عمران110.
فعمل الصَّالحات، والاستقامة على أمر الله، واتِّباع سُنَّة نبيه، والاصطباغ بصبغة الدين وعدم التَّفلُت أو التبرؤ منها، والذِّكر العملى الدائم لله، وكثرة الاستغفار والدعاء، كلها أمور تحقق سعادة الدارين.
لكن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ليس كما يمارسه المأفونون، ويجب على الجميع أن يعلموا بأن وظيفة النائب العام هى مهمة المحتسب فى عهود الظلام الفكرى والفقهي، وأن مفتش الصحة ومأمور الجمرك وضابط الشرطة ومن على شاكلتهم جميعهم مفوضون بمقتضى سلطة الدولة فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فلسنا بحاجة لملتح تخبط الفقه فى رأسه ليقيم الشريعة بنفسه فى دولة قوامها أكثر من ثمانين مليونا من البشر؛ وعليه أن يقوم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى حدود ما يعرف ولمن يعرف فقط، لأنه ليس صاحب ولاية عامة..
ضرورة اتباع سُنَّة الرسول وحُبِّ النبى وآل بيته:
كثير منا من فهم السُّنة المطلوب اتباعها أنها هى السُّنة النَّبوية، وهو خلط فاسد، أدى إلى انهيارات متعددة فى كيانات العقيدة لدى كثير من أهل الإسلام، بل لقد تبدلت الأهداف القرآنية تماما حين التحفنا بهذا الخلط، إنه يجب على المسلم أن يعلم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كان رسولا نبيا، وأنه لابد من معرفة الخط البيانى الذى يفرق بين كلمة رسول وكلمة نبي.
فالرُّسولية تعنى الرِّسالة التى بُعث بها، والنبوة تعنى العلوم المساندة لنبوّة النَّبي، كعصا موسى وإحياء عيسى للموتى، والمعجزات العلمية الموجودة بالقرآن والتى لا زلنا نكتشف منها ما نكتشف لتتأكد عقيدتنا فى رسولية محمد صلى الله عليه وسلم، وأن منهجية ما جاء بالكتاب هو من لدن الله، فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }النساء59 ؛ وقوله: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ }المائدة92 ؛ وقوله: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) سورة النور54 ؛ وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ }محمد33 ؛ وقوله: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ }التغابن12 ؛ تذكير بمقام الرسول ووجوب طاعته، لا تذكير بمقام نبوَّة النبي.
فمن العرض السابق للآيات يتلاحظ وجوب طاعة الرَّسول، بما يعنى طاعته فيما جاء به من رسالة، ولم تذكر آية واحدة طاعة النَّبي، وإنه حتى فى الاتباع فإن الله أمر باتباعه فى الرِّسالة ولم يأمر باتباع نبوته، وذلك من قوله تعالى: {156} الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{157} قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّى رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِى وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِى يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ{158} الأعراف157 158؛ لأنه يستحيل أن تتبع نبوته، بما يعنى أننا مأمورون بالإيمان بنبوته، وطاعته فى رسوليته.
فالذين قالوا بالسُّنة النَّبوية، وأفردوا لها طقوسًا وعناصر من التصرفات الشخصية لرسول الله، وزعموا أنها نابعة من حُبهم له صلى الله عليه وسلم، إنما ابتدعوا عِلْمًا لم يأمر به الله، فضلا عن إنهم لم يُحبوا الرَّسول لرسالته، إنما أحبوا نُبُوَّته ومعجزاته وكراماته وصفاته الشخصية، لذلك لا تعجب إن رأيتهم يهتمون بتفل النَّبى وبول النَّبي، وسيف النَّبي، واسم السيف، واسم ناقة النَّبي، وعدد عباءات النَّبى وألوانها، وناهيك عن إطلاق لحاهم كما كان يفعل النَّبي، والسواك والجلباب، والتطيب بالمسك، والضرب بالدف وحده لإعلان النكاح، وعدّ الإشهار بغيره من الآلات الموسيقية الوترية وغيرها فسقًا، والتداوى بما كان يتداوى به النبي…وغير ذلك، وكل ذلك مما لا شأن له بأوامر الله بالاتباع فى الرِّسالة والطاعة للرسالة.
وإن كل ما جاء بالقرآن يبدأ بقول [يا أيها النبي] وهى ثلاثة عشر موضعًا، ليست أحكامًا شرعية واجبة النفاذ حتما فى حق المسلمين، إنما قد تكون أوامر تخص النَّبى أو فيها تفضيل، مثل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }الأنفال64 ؛ فنحن حسبنا الله، لكن الذين اتبعوا النبى أناس لن يجود الزمان بمثلهم فكيف ننفذ الأمر كشريعة؟.
وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِى أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِى قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الأنفال70…وهكذا، كما أن قوله تعالى عن طاعة النَّبى أو اتِّباعه كانت ضمن ذِكْرِهِ كبشارة بالكتب السماوية السابقة؛ ولا يمنع أن نقوم بمثل ما أمر الله به نبيه، لكن لنا الخيار، ولنا حق الوقوف على الأنسب..
وحتى لا يختلط الأمر على أحد، بخصوص الآية التى قال الله فيها: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }الأحزاب59 ؛ فليست هى المنوطة بفرض الحجاب على المرأة وعدم إبداء الزينة، لأنه قال فيها: [ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ]؛ بما يعنى أن الآية تنص على شكل معين من أشكال اللباس؛ لتُعرف به الحُرَّةَ من الأمَة؛ بينما تشريع الحجاب ورد بالآية 31 من سورة النور التى قال الله فيها: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِى الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }النور31 ؛ لأن الله بدأ السورة بقوله: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }سورة النورالآية رقم 1.
نخلص من ذلك أن هدى الرَّسول ذكرته السيدة عائشة رضوان الله عليها بقولها:{كان خُلُقُه القرآن}، بما يعنى أن سُنَّتَهُ هى رسالته، ورسالة الإسلام أخلاقية بحته، ويتخللها بعض الشعائر كعوامل تساعد المسلم على الاستقامة، لذلك فمن أراد سعادة الدَّارين فعليه بالخُلُق والمنهج الذى كان عليه الرَّسول صلى الله عليه وسلم، لكن لا يفوتنى أن أذكر أن حُبَّ النَّبي، وحُبَّ سيرته، وحُبَّ صفاته، من هالات وكمالات الإيمان، كما أن كثرة الصَّلاة عليه من الفرائض، ومودة أهل قرابته من علامات رحمة الله للعبد.
كما لا يفوتنى أن أذكر أن وجودنا بالحياة وقد أنعم الله علينا بنعمة الإسلام له ثمن لابد من الوفاء به، وهو المودة فى قربى رسول الله، حيث يقول تعالى: {ذَلِكَ الَّذِى يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ }الشورى23.
وبالله التوفيق .
المستشار أحمد عبده ماهر
محامي بالنقض، محكم دولي، كاتب ومفكر إسلامي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.