تنسيق الثانوي الفني الصناعي والتجاري والزراعي 2026 في البحيرة    السيسي يصدر قرارين جمهوريين.. تعرف عليهما    الكنيسة السريانية الأرثوذكسية تُعلن تضامنها مع "الأرمنية": انتهاك حرمة الكنائس مرفوض    هيئة ميناء الإسكندرية تستقبل وفد من سيراليون لبحث التعاون المشترك.. صور    تذبذب أسعار الذهب في مصر وعيار 21 يسجل مفاجأة    السويدي للتنمية الصناعية تجذب استثمارات تركية جديدة لتعزيز صناعة النسيج في مصر    أسعار الفراخ اليوم في الأرض.. ولا عزاء للمربيين    رئيس الوزراء: سنوفر البديل لمستأجري "الإيجار القديم" قبل نهاية مهلة ال 7 سنوات    وزيرا الكهربا والإسكان يبحثان خطة العمل المشترك ودعم التوسع فى استخدامات الطاقة المتجددة    مصر تدرس تنفيذ مشروعات بمجالات النقل والصناعة والبنية التحتية في الكونغو    بالفيديو.. انهيار نفق بداخله 31 عاملًا في لوس أنجلوس    صافرات الإنذار تدوي في تل أبيب| وبيان عاجل من الجيش الإسرائيلي    متحدث «الصحة العالمية»: مئات الشاحنات تنتظر خارج معبر كرم أبو سالم    مسيرة أسطورية ل مودريتش بعد نهاية حقبته مع ريال مدريد    تدريبات قوية لفريق الكرة النسائية بنادي البنك الأهلي استعدادًا للموسم الجديد    الوصل الإماراتي ينسحب من سباق التعاقد مع وسام أبو علي.. ماذا حدث؟    متحدث الوزراء: الدولة لا تعتمد على سنترال واحد ومنظومة الاتصالات أثبتت كفاءتها    "الداخلية" تضبط 48 سائقًا متعاطيًا للمخدرات على الطريق الإقليمي خلال 24 ساعة    حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 10 يوليو 2025    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 6 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    محافظ الإسكندرية يهنئ الكنيسة المصرية برفع موقع دير أبو مينا من قائمة التراث العالمي المعرض للخطر    وفاة المخرج سامح عبد العزيز عن عمر 49 عاما بعد أزمة صحية مفاجئة    سبب وفاة المطرب الشعبي محمد عواد    فيديو.. أحمد السقا: أزعم أمام الله إني إنسان متسامح    شبيه عمرو دياب يتصدر التريند.. أربك جمهور الهضبة    الصحة تنظم ورشة عمل بالتعاون مع مركز برشلونة لسرطان الكبد لتعزيز التشخيص والعلاج    نتائج شهادة الصف الثالث الثانوي الفني الزراعي والصناعي والتجاري    عودة الحركة المرورية على طريق بنها -المنصورة بعد رفع سيارة نقل انقلبت ب9 عمال في القليوبية    حاولت مساعدته.. شاهد على حادثة ديوجو جوتا يروي تفاصيل جديدة    صورة رومانسية لإمام عاشور مع زوجته    ارتفاع الحديد.. أسعار مواد البناء اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    الجيش الروسي يعلن إسقاط 14 طائرة مسيرة أوكرانية    الحوثيون يعلنون أنهم شنوا هجوما على مطار "بن غوريون    الأحد.. انطلاق أولى حلقات الموسم الجديد من برنامج "واحد من الناس"    "كوبري جديد؟!".. الأهلي يتدخل لقطع الطريق على صفقة الزمالك المنتظرة    جمال شعبان يحذر من هذه العلامة: قد تشير لأزمة قلبية    متحور كورونا الجديد - عوض تاج الدين يجيب هل وصل إلى مصر؟    التركيز على السماعات، تفتيش ذاتي لطلاب الثانوية العامة بالدقهلية قبل دخول لجان الامتحانات (صور)    الحكومة السورية: نرفض التقسيم أو الفدرلة و نؤكد تمسكنا بمبدأ سوريا واحدة    رابط الاستعلام عن نتيجة التظلمات في مسابقة 20 ألف وظيفة معلم مساعد    الهيئة العليا للوفد توافق على طلب رئيس الحزب بطرح الثقة في نفسه    اليوم الخميس| آخر تقديم ل 178 فرصة عمل بالإمارات ب 24 ألف جنيه    لولا دا سيلفا ردا على رسوم ترامب الجمركية: البرازيل دولة ذات سيادة ولن نقبل الإهانة    بينهم 3 أطفال.. 5 شهداء جراء استهداف خيامًا تؤوي نازحين غربي خان يونس    وفاة المخرج سامح عيد العزيز بعد تعرضه لوعكة صحية والجنازة من مسجد الشرطة    10 صور لاحتفال زيزو مع أحمد السقا بفيلمه الجديد    الوداع الأخير.. المطرب محمد عواد في عزاء أحمد عامر ثم يلحق به اليوم فجأة    ما حكم الوضوء بماء البحر وهل الصلاة بعده صحيحة؟.. أمين الفتوى يحسم (فيديو)    ترامب: سنعمل على تيسير السلام في السودان وليبيا    "الأهالي مسكوه متلبس".. حكم قضائي ضد المتهم بسرقة شاب بالإكراه في الجيزة    فلكيًا.. موعد إجازة المولد النبوي 2025 في مصر للقطاع العام والخاص والبنوك والمدارس    الولايات المتحدة تشهد أسوأ تفش للحصبة منذ أكثر من 30 عاما    لماذا يحذر الخبراء من الإفراط في تناول الفراولة؟    ما أحكام صندوق الزمالة من الناحية الشرعية؟.. أمين الفتوى يوضح    لرسوبه في التاريخ.. أب يعاقب ابنه بوحشية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 10-7-2025 في محافظة قنا    عصام السباعي يكتب: الأهرام المقدسة    موقف صلاح مصدق من الرحيل عن الزمالك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإيزيديون وفتاوى التكفير
نشر في شباب مصر يوم 20 - 08 - 2014

بدا الوجه الجميل للنائبة العراقية فيان دخيل شاحباً وصوتها القوي يعتصره الألم وهي تستغيث بكل صاحب ضمير لإنقاذ الإيزيديين، ولم تترك وسيلة إلاّ واستخدمتها لوضع العراقيين بجميع شرائحهم والمجتمع الدولي بكل أطره ومؤسساته أمام مسؤولياته لتوفير الحماية لهم، بما فيه الدول الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة .
لم تكتفِ بذلك، بل حملت، بهدف إغاثتهم وتقديم المستلزمات الضرورية من احتياجاتهم، ما يمكن أن تحمله في طائرة مروحية، لتذهب بها إلى حيث يتوزّع الإيزيديون في أماكن يفترشون فيها الأرض ويلتحفون السماء في جبل سنجار شمال غربي العراق، حين اضطروا للرحيل بعد هجمة تنظيم "داعش" الذي أعلن الخلافة وطالب الجميع بالبيعة، ولغير المسلمين بالأسلمة أو دفع الجزية أو الرحيل، وإلاّ فإن القبور ستكون بانتظارهم حيث تقطع الرؤوس بالسيف أو يطلق الرصاص عليها وترمى بالنهر، كما عرضت شاشات التلفاز في مشهد كان الأكثر بشاعة!
ومن سوء الحظ أن الطائرة المروحية التي أقلّت فيان الدخيل كانت قد سقطت لعطل فني وكأن فيان أبت إلاّ أن تشاركهم بمصابهم وألمهم وعذابهم، هكذا هي الصورة خبرٌ كما نقول في الإعلام دائماً، وصورة فيان والطفل الإيزيدي الذي مات من العطش كانتا الأكثر تأثيراً في معاناة الإيزيديين، بل إنهما الصورتان النموذجيتان لمأساة طائفة مسالمة كانت على مرّ تاريخها مصدر ثقة وطمأنينة وسلام وتواصل وتفاعل وتلاق لحضارات وثقافات متنوّعة، ولا أخال أن أحداً ممن شاهد تلك الصور الصميمية المأساوية أو استمع إلى تلك المرافعة التي قدمتها فيان الدخيل إلاّ وتأثّر على نحو بالغ إنْ لم يكن مصاباً بخمول الضمير .
إذا كان المسيحيون وهم من أهل الكتاب الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم قد جرى استباحة دمائهم، فلا عجب أن تستباح دماء الإيزيديين وغيرهم من الديانات والمذاهب والطوائف الأخرى، الذين هم بعرف أصحاب التطرف والتعصب والغلو والجهل من الخارجين على الإسلام .
لقد سبق أن وضِعَ المسيحيون أمام الخيارات الثلاثة القاسية، وإذا تقاعسوا أو تلكأوا، فليس أمامهم سوى "النعوش"، هكذا دفعة واحدة، على نحو جماعي بدأت عمليات إفراغ المسيحيين وهم أهل البلاد الأصليين من الموصل بعد استيلاء تنظيم "داعش" واضطرّت العوائل إلى الهجرة القسرية، وتم سلب ممتلكاتها وما بحوزتها، لترمى إلى الجحيم وتسير عشرات الكيلومترات بين جبال ووديان، حتى تصل إلى أماكن "آمنة"، لكنها مثل غيرها من المهجرين لا تزال تنزف، وهو ما حصل لتركمان تلعفر وللشبك مثلما نشاهد اليوم مأساة الإيزيديين، في منطقة سنجار بالتفصيل، وذلك بعد احتلال منطقة زمّار من قبل "داعش"، واضطرّت عشرات الآلاف من العوائل إلى الرحيل في ظروف بالغة القسوة، وتم احتجاز أكثر من 300 امرأة إيزيدية بعد قتل بضع عشرات من الإيزيديين، وفي ليلة 15-16 أغسطس/آب الجاري قتل 80 إيزيدياً بعد أن أمهلوا ثلاثة أيام لدخول "إسلامهم" ولم يكونوا قد أخذوا المهلة على محمل الجد، فما كان من الداعشيين سوى جمعهم وقتلهم أمام نسائهم وأطفالهم الذين، أخذوا بعد ذلك سبايا إلى مدينة تلعفر التي لا تزال تحت سيطرتهم ولا يزال مصير هؤلاء الأسرى مجهولاً
وعلى صعيد المعلومات التي يكاد كثيرون يجهلون ما تعنيه الديانة الإيزيدية، حيث تقدّر أعداد الإيزيديين بين 400 و500 ألف نسمة، وتشكّل ديانتهم التي تتّسم بنوع من الغموض مصدراً من مصادر شقاء أبناء الديانة الإيزيدية المسالمين الذين تعرضوا للاضطهاد والإبادة تاريخياً، ومن الأسباب التي دفعت الإيزيدية لاختيار العزلة والانطوائية هي الموروث الذي يمسك به أتباعها، والذي بسببه تعرّضوا إلى مذابح ومجازر، ولهذه الأسباب حرصوا على عدم نشر كتبهم المقدسة ونصوصهم الدينية، وذلك لما قد يؤدي إلى تأويلها على نحو يختلف مع جوهرها .
ويمكن القول إن الإيزيدية هي ديانة قديمة وعريقة تؤمن بتعدد الآلهة التي تستحق العبادة والقدسية، وهناك إله أقوى وأعظم منها جميعها "الواحد المطلق اللامتناهي" وطاووس هو ملك ملوك الملائكة الستة، وهؤلاء هم: إله الشمس وإله القمر وإله الفروسية وإله الطوفان وإله الينابيع، وإله الحب . وتؤمن الديانة الإيزيدية بثنوية الخير والشر، "فهما كامنان في ذات الله، وعلى الإنسان بالأنا المثلى، الاستجابة لنداء الضمير، كي ينشر الخير ويقف في وجه الشر" .
وكان إلصاق تهمة "عبدة الشيطان" بالإيزيدية سبباً في ملاحقة الإيزيديين تاريخياً، بزعم أنهم مرتدون عن الإسلام ذلك أن عبادة إبليس تستوجب الاستئصال حسب فتاوى كان قد أصدرها علماء مسلمون في زمن الدولة العثمانية وبالتحديد في عهد سليمان القانوني وسليم الثاني (القرن السادس عشر للميلاد)، ولعلّ ما يتعرّض له الإيزيديون اليوم على يد "داعش" ليس سوى استحضار للفتاوى القديمة، وفي إطار موجة تكفير وإرهاب شملت المسلمين من الطوائف الأخرى، فما بالك بالأديان الأخرى، سواء كانوا من أهل الكتاب أو لم يكونوا، ولعلّ السمة التي تجمع التكفيريين بغض النظر عن ديانتهم ومذاهبهم، هي عدم الاعتراف بالآخر وحقه في الإيمان والاختلاف والتنوّع .
وكلمة "إيزيدية" كما يعتقد المتعصبون والمتطرفون من الإسلامويين جاءت من يزيد بن معاوية الذي حكم الدولة الأموية (ثاني خليفة بعد معاوية 647-683 ميلادية) ولكن حقيقة الأمر إن التسمية ليست لها علاقة بيزيد، بل هي جاءت من مدينة يزد في فارس وهي مشتقة من كلمة إيزيد التي تعني الملاك أو الإله، وبهذا المعنى فإن الإيزيديين هم عبدة الإله أو عبدة الرب، وهو الوصف الذي يعتقدون أنه ينسجم مع معتقداتهم .
وبالمناسبة فهم يقرأون القرآن والإنجيل، وإن كان لهم كتب مقدسة، لكن تعاليمهم معظمها متناقلة وشفوية ومحاطة بالسرّية، الأمر الذي يظن بعضهم أن أصولها جاءت من الزرداشتية المجوسية، لكن في واقع الأمر إن تعاليمهم متأثرة بالمسيحية والإسلام، وتقوم تعاليم الزواج عندهم باقتسام رغيف الخبز إلى نصفين أحدهما للعروس والآخر للعريس، أما الأطفال فيتم تعميدهم بمياه مباركة، ولا يعتنق الإيزيدية إلا من ولد بها، ولا يمكنه اعتناقها، أي إنها ديانة غير تبشيرية ومنغلقة . وفي الفترة بين 15-20 سبتمبر/أيلول من كل عام يحج الإيزيديون إلى فرع الشيخ عدي في "لالش" (شمال الموصل- كردستان) ويؤدون بعض طقوس الاغتسال بالنهر وتقديم القرابين من الحيوانات .
ويؤدون الصلاة إلى الملك طاووس (الإله) خمس مرات يومياً، ولعلّ أسوأ ما يصيب معتنق الإيزيدية هو طرده من محل إقامته أو من مجتمعه، وهذا يعني أن روحه يمكن أن تتجدد، ولا يمكن له بأي حال من الأحوال اعتناق ديانة أخرى، وهم لا يأكلون الخس ولا يرتدون اللون الأزرق، حسب اعتقادات خاصة، موجود ما يوازيها في موروثات لديانات وطقوس مجتمعية أخرى .
الإيزيدية كديانة معروفة في الشرق الأوسط، وأغلبية الإيزيديين في سنجار وهناك مجموعة صغيرة في تركيا تناقص عددها مؤخراً بسبب الهجرة، وكذلك في سوريا وإيران، إضافة إلى أرمينيا وجورجيا، وعرقياً فإن أصولهم كردية ذات جذور هندو أوروبية، لكنهم تأثروا بمحيطهم الموزائيكي، المتكوّن من ثقافات ولغات وسلالات عربية وأشورية وسريانية . ومن أهم كتبهم كتاب الجلوة لعدي بن مسافر ومصحف رش والكلمة تعني الكتاب الأسود، وقبلتهم هي الشمس ويحتفلون في أول أربعاء من شهر أبريل/نيسان كل عام كعيد سنوي حسب التقويم الشرقي .
ما زال بضعة آلاف من الإيزيديين عالقين في جبل سنجار ومهدّدين بالإبادة، وتتفاقم معاناتهم الإنسانية، الأمر الذي يرتّب مسؤوليات على البرلمان العراقي والحكومة العراقية وحكومة وبرلمان إقليم كردستان، والمجتمع الدولي ككل لإنقاذ حياتهم، ولاسيّما المفوضية العليا لحقوق الإنسان والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، خصوصاً أنهم قد يتعرضون إلى فظائع جماعية وأعمال إبادة، ولعلّ المهمّة الأولى هي حمايتهم والحفاظ على حياتهم وإعادتهم إلى بيوتهم ومناطق سكناهم وتعويضهم عمّا لحق بهم من غبن وأضرار .
وثمة دور يمكن أن تقوم به اليونسكو لحماية الآثار التاريخية والثقافية لمعابدهم ومناطقهم طبقاً للاتفاقيات الدولية، واعتقد أن نشر مبادئ التسامح التي تقوم على قبول الاختلاف والاعتراف بالرأي الآخر والحق في اعتناق ما يشاء من العقائد، واحترام المقدسات في إطار التنوّع والتعددية سيكون مهماً لإعادة توحيد المجتمع على أساس الاعتراف بالحقوق والحريات وعدم التمييز، وهو ما دعا إليه إعلان مبادئ التسامح الصادر عن اليونسكو في العام ،1996 وهو الذي ينبغي أن يكون حاضراً في العراق على صعيد التشريع والتربية والإعلام والمجتمع المدني وفي المجمّعات والمعاهد الدينية، لأنه الأساس لمبدأ المساواة والمواطنة وإلغاء الطائفية والتعصب والتطرف والإرهاب .
عبد الحسين شعبان
باحث ومفكر عربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.