في يوم مشمس من ايام الشتاء الدافئ جلست بسمة ابنة العشرين ربيعا علي سطح المنزل مع ابيها عبد الستار افندي الموظف بمكتب صحة الحي أحضرت بسمة لابيها كوبا من الشاي مغمورا به ورقة خضراء من النعناع لعله يشعر بالانتعاش لما رأته في عينيه من هموم وعندما وقعت عيناها الزرقاوتين علي عين أبيها فوجدتها ترنوا نحو بستان الحي وتخرج من شفتيه آهات الأسي فقالت له ماذا بك يا ابي ولماذا تنظر نحو البستان هكذا فقال عبد الستار افندي لابنته تذكرت هذا البستان عندما كنا نذهب انا وأمك وكنت آن ذاك طفلة صغيرة كنا ننظر اليك وأنت تلعبين بين الورود والأشجار الجميلة ونري في عينيك الامل في مستقبل مشرق لكن القدر لم يمهل امك ورحلت عن دنيانا بعد صراع مع المرض اللعين تأرجحت الدموع في عيون بسمة عندما تذكرت الأم التي حرمت منها مبكرا الا انها تماسكت عن البكاء لتخفف عن أبيها آلام الماضي وقالت له هون عليك هذا قضاء الله قال صدقتي يا ابنتي يا ابنتي ما اراه في عيون الاباء عندما يأتون لتسجيل المولود الجديد شيئ محزن أراي في إحدي عيونهم الفرحة و أراي في العين الاخري ملامح الخوف علي طفلهم البرئ لما ينتظره من مستقبل مجهول لايستطيع ان يري أفقه من يحيي في حاضرنا المظلم. تارة اخري وأثناء حديثهما تتجهه عيون عبد الستار افندي الي البستان ولكنها هذه المرة محدقة ولامعة ببريق التحدي وهو يقول لابنته بسمة الحياة تبدأ من هناك وأشار بيده الي البستان فهو نبع الهواء الصافي الذي يملئ الصدور فتصح العقول وتنشط الأبدان ويتجدد الأمل فقالت له بسمة كيف ذلك يا أبي والبستان صار مهجورا وأشجاره هرمه متساقطة الأوراق وكأنها تعيش خريفا أبديا لا يعقبه ربيعا أبدا وأصبحت عالة علي الزهور اليافعة تمتص منها قطرات الماء في محاولات يائسه منها للبقاء كيف وقد جف لحائها وتصدعت سيقانها وصارت عششا للخفافيش وأغصانها لا تتمايل الا في الظلام الحالك تحت أقدام الغرابيب السود و تفوح منها الروائح الكريهه بدلا من رائحة الياسمين ومرت ليلة طويلة علي بسمة وهي تفكر كيف يعود البستان الي رونقه وتعود معه الحياة لأهالي الحي حتي استيقظ أهالي الحي علي صوت مفزع من داخل البستان فاذا به بلدوزر عملاق يقوده شبح غريب يسير بين أروقة البستان و يقتلع الاخضر واليابس وكأنه أرض بور لاحياة فيه تصد أهالي الحي لهذا الشبح واجبروه علي التراجع بالاصرار والعزيمة من أجل أن تعود الحياة للبستان فرح أهالي الحي بما فعلوه وتسابقوا علي نظافة البستان وغرسوا كل انواع الزهور التي تبعث الامل في نفوس العاشقين للحياة فمنهم من غرس زهرة القرنفل ومنهم من غرس زهرة التولب واخر غرس زهرة النرجس حاول البعض إجتثاث الأشجار الهرمة المتصدعة لكنهم لم يفلحوا فتلك الاشجار جذورها ممتدة في عمق الارض منذ زمن بعيد ولا يقوي علي نزعها الا من يملك الألات والمعدات اللازمة وأهالي الحي بسطاء لا يملكون وما ان سمع رئيس الحي بما حدث حتي أسرع للبستان وأثني علي ما فعلوه ووعدهم ان يهتم بنفسه بالبستان وعندما ساله أهل الحي عن تلك الاشجار الهرمة قال سنعالجها ونتدبر أمرها وفي يوم فوجئ اهالي الحي بسياج من حديد حول البستان ولما سألوا عن السبب قالوا أمر به رئيس الحي حتي يحمي البستان فقالوا نعم الرأي ومرت الأيام و الاشجار الهرمة بغرابيبها وخفافيشها لازالت تسكن البستان وكان الامر اكثر غرابة عندما لاحظ الأهالي وجود جنايني غريب الأطوار لا يظهر الا بالليل وفي يده منجل يعكس به ضوء القمر من حدة شفرته , وكلما غرسوا نبته جديدة أو زرعوا وردة جميلة وجدوها في الصباح منزوعه أو مقطوعة أو ذبلي تقصي أهالي الحي عن الجنايني فعلموا انه كان يعمل جنايني مقابر لا يعرف غير زراعة الشوك والصبار ولم يري في حياته فل أو ياسمين ولم يزرع من قبل حقل أو بساتين