هناك مثل شعبى يقول "مصائب قوم عند قوم فوائد"، هذا المثل ينطبق تماما على الموت، مصيبة وخسارة كبيرة لأهل الميت، لكنه فى نفس الوقت مكسب وباب رزق لأشخاص آخرين، يرفعون شعار " كام واحد هيموت النهاردة علشان ناكل من وراه عيش"، أو مجازا يمكن أن نطلق عليهم، "عمال رحلة العالم الآخر". بمجرد أن يموت الشخص، وحتى يدخل قبره، يبدأ 6 أشخاص فى ممارسة عملهم، وهم بائع قماش الكفن، والمغسل، وصاحب سيارة نقل الموتى، والسائق، والتربى، والمقرىْ، وعمال سرادق العزاء. الموت ..مجاناً ! الشيخ رمزي حبشى هكذا يشتهر بين أبناء منطقته الشعبية البسيطة "دار السلام" وهو أيضاً إمام جامع الشهيد الذي أجابنا عن بيزنس الموت، وفاتورة الوفاة قائلاً: إن وجوه الناس وهيئتهم توضح جيداً كم تبلغ تكلفة الوفاة في حي مثل دار السلام وكل الأحياء الشعبية وأضاف أن عدداً كبيراً من المساجد توفر الأكفان والخشبة و السيارة بأسعار زهيدة جداً في المناطق الشعبية، وقد تكون بالمجان في بعض الحالات التي لا يستطيع فيها أهل المتوفي تحمل هذه التكاليف حتى أن المغسل في هذه الحالات يرفض أن يأخذ "مصنعيته" ويكتفي فقط بدفع تكاليف القطن والمسك و بقية أدواته. 20 جنيهاً لسيارة دفن الموتى و 20 أخرى للمغسل و10 جنيهات لسائق السيارة و50 جنيهاً لقماش الكفن الذي عادة مايكون من البفتة .. هذه هي تكاليف القادرين في الأحياء الشعبية كما يقول الشيخ رمزي، ويضيف أن المقريء لا يتعدى كذلك 20 جنيها بالمقابر ولكن الوحيد الذي يزيد أجره عن كل هذا مهما اختلفت الحالة الإجتماعية للمتوفي هو " التربي" فلا يقل أجره عن 150 جنيها لفتح التربة والدفن وفي حال عمل "صوان" عزاء لا تتجاوز فاتورة المقريء والفراشة ومعدي القهوة 300 جنيه. ويضيف الشيخ رمزي أن كل السابقين من "عمال الموت" أحياناً لا يتقاضون أجراً عندما يكونوا من جيران المتوفي وأهله عدا " التربي" وعمال العزاء. الحانوتى "حانوت المنيرة وقصر العيني، إيجار سيارات نقل موتى لجميع المحافظات داخل وخارج البلاد" .. هكذا تجد لافتة محل الحانوت أحمد توفيق عبد الرازق الموجود، رائحة المسك وماء الورد هي العلامة المميزة لمحله بقصر العيني والذي يمتلىء بالأكفان و لوازم "الخرجة" كما يقول اللفظ الدارج. أحمد بدأ حديثه بهجوم شديد على الجمعيات الشرعية التي إنتشرت في مصر قائلاً أنها حولت الموت لبيزنس فهم يستأجرون سيارات تكريم الموتى ويغالون في أسعارها وأسعار الخرجة على أهل المتوفي. وعن فاتورة الوفاة يقول إن أغلب محال الحانوت أًصبحت تعتمد على تأجير مستلزمات المتوفي للجميعات الشرعية ولكن هذا لم يمنع وجود طرائف في بعض حالات الوفاة التي تهتم بالتوجه للحانوت لعمل اللازم مع المتوفي بشكل شبه تظاهري يختفي بالمناطق الشعبية ويظهر جلياً في المناطق الراقية لقدرتهم المالية وفي الصعيد بسبب العادات والتقاليد ، ويضيف أحمد أن أسعار السيارات وصل في بعض المحافظات إلى 500 جنيه بسبب الجمعيات الشرعية وتأجيرها لسيارات الحانوت كما أن بعض أهل المتوفى يشترطون نوعاً معينا من القماش للثلاث لفائف الخاصة بالكفن مثل الصوف والذي تتعدى تكلفته الألف جنيه و الستان الخاص بالسيدات والذي يصل إلى 100جنيه للفة الواحدة والشهية الذي يصل إلى 900 جنيه وهو القماش الملون. جديد في جديد ويضيف أحمد أن بعض أهالى المتوفيين يشترطون أن تكون "العدة" جديدة ولم يتم إستعمالها من قبل بل وأن لا تستعمل بعد ذلك فيقومون بشراء "خشبة" جديدة بحوالي 1000 جنيه، وطاقم غطاء للخشبة بحوالي 400 جنيه، وهي التي تستأجر عادة من الحانوت بحوالي 60 جنيها، وكذلك يشترط البعض على المغسل شراء دكة جديدة للتغسيل بحوالي 100 جنيه، وهي التي تستأجر بحوالي 20 جنيها. تقاليع وعن التقاليع يقول أحمد أن البعض بدأ يخترع تقاليع غريبة لا تمت للشرع أو للدين بصلة، فهناك من يرفض أن يقوم المغسل بوضع أي نوع من البخور ويشترون أنواعاً باهظة قد تصل أسعارها إلى 500 جنيه للكيلو الواحد، وتستخدم لنصف ساعة فقط أثناء التغسيل ، وكذلك يرفضون وضع المسك وماء الورد بدعوى أنهم إشتروا "بارفان" بالشيء الفلاني مابين 150 و200 جنيه، ويقول أن بعض التربية يغالون في مثل هذه الحالات بمجرد أن يرون شكل الخشبة فيصل سعر الدفن إلى ألف جنيه في بعض الحالات تحت عنوان إكرام الميت دفنه، والجملة المصرية الشهيرة "إنت ماتعرفش المرحوم كان غالي علينا أد إيه". ويقول أحمد إن أحدث التقاليع هي تلك التي تحدث بعد الوفاة حيث تشترط دور المناسبات أسماء معينة من المقرئين المعتمدين من الإذاعة "للحفاظ على سمعة" الدار وقد تتكلف الليلة حوالي 8 الاف جنيه بإحدى هذه الدور، بينما في المناطق الشعبية لا تتعدي الألف جنيه.