أهالي أشهر قرية في زراعة الياسمين يعملون 6 أشهر.. ثم يعانون البطالة 6 أشهر! منذ 35 عاماً.. كيلو الياسمين كان ب 8 جنيهات واللحمة ب 4 جنيهات! المصانع تشتري الياسمين من الفلاحين بأسعار رخيصة ثم تقوم بتصديره بالدولار العاملون في جمع الياسمين يصابون بأمراض المفاصل والعمود الفقري والغضروف "يا ورد من يشتريك وللحبيب يهديك.. يهدي إليك الأمل الهوى والقبل.. يا ورد أبيض غار النهار منه" على أنغام أغنية محمد عبد الوهاب انتقلنا إلى محافظة الغربية حيث قرية "شبرا بلولة" التي تغنى في محاسنها الكثيرون، وهم يتنسمون عبق الياسمين الذي يفوح بين شوارعها الضيقة، وسكانها البسطاء، وبيوتها الريفية التي تخبرك عن أحوال قاطنيها، لم تكن القرية هذه المرة دافئة سعيدة، فقد ذهبنا إليها بعد موسم الحصاد حيث نزعت زهور الياسمين لتكشف عن حزن أهلها، تفاصيل أكثر في هذا التحقيق. أحد الفلاحين اسمه أحمد عجمي بدأنا معه جولتنا، يقول: تبدأ زراعة الياسمين من شهر يونيو، وحتى ديسمبر، هذه الأشهر الستة تمثل موسم الزرع والحصاد، حيث يتطلب جمع الياسمين الكثير من الأيدي العاملة، ويبدأ الفلاح وأسرته في جمع المحصول منذ الثانية بعد منتصف الليل وحتى العاشرة صباحًا؛ لأن هذه الفترة يتكون فيها الندى على الأزهار فيكسبها وزنًا وبريقًا.
أمراض العظام اتفق الفلاحون على أن الأمراض التي تصيب أغلب عاملي القرية تأتي في العظام؛ كأمراض المفاصل؛ والعمود الفقري؛ بالإضافة إلى الربو والسرطان الناجم عن الرطوبة التي تصيب الفلاحين أثناء الجمع، ويشير أحمد عجمي إلى أن المصانع لا تقدم للقرية أي خدمة صحية، "المفروض يوفروا مستشفيات للناس لكن مفيش"، واشتكى من عدم وجود أي تأمينات أو تعويضات على المزروعات في حالة تعرضها لأي تلف، ويلفت "عجمي"، إلى أن أصحاب المصانع يبيعون الياسمين للدول الأجنبية بالدولار، فيصبح بإمكان صاحب أي مصنع أن يكون في غضون 5 سنوات "مليونيراً"؛ لأنه يحصل على الزهور بمبالغ زهيدة، فما بال هذه المصانع التي تصدر للعديد من الدول ويقول: إن عملية جمع الياسمين مملة، فالكيلو الواحد يستغرق وقتًا طويلاً، كما أنها نبتة سريعة العطب فإذا تم جمعها وانتظر طويلًا يذبل، وتصبح بلا فائدة، والفلاحون شكواهم تتمثل في انخفاض العائد المادي الذي يتقاضونه لذا يجدون أنها مهنة غير مجزية، وسعر كيلو الياسمين من المفترض أن يكون ب 4 دولارات ولكن المصانع تعطيهم النصف، بينما في عام 1984 كان كيلو الياسمين ب 8 جنيهات واللحمة ب 4 جنيهات، وأصحاب المصانع يحددون السعر للكيلو ويرفضون رفعه، وفي الماضي كان هناك مصنع للدولة اسمه "المؤسسة" لكن تمت خصخصته وبيعه. تكاليف الإنتاج من جانبه قال بسيوني محمد، رئيس الرعاية البستانية بالإدارة الزراعية لمركز قطور: إيجار فدان الياسمين يبلغ 35 ألف جنيه، ويقسم المحصول إلى الثلثين للعامل والثلث لصاحب الأرض بينما لا يحصل العامل على أجر لعملية الجمع، وإنما يحاسب على كيلو الياسمين، وأقصى ما يستطيع جمعه الفلاح من الليل للصباح 3 كيلوجرامات، وري الياسمين يتكلف 1500 جنيه، بينما التسميد يحتاج إلى كميات كبيرة من سلفات النشادر وسوبر الفوسفات والتسميد الأزوتي وبسلفات البوتاسيوم، بينما مقاومة الآفات لا تتكلف الكثير. وعلى الجانب الآخر يقول "ياسر" وهو صاحب مزرعة للياسمين: إن القرية لا تشهد بطالة طيلة ال6 أشهر التي يتم خلالها الزرع والحصاد، بينما نصف العام الآخر يعاني جميع من في القرية كبيراً وصغيراً من البطالة بنسبة 80%، فالفلاحون اعتادوا هذه المهنة "فلا يوجد أمامنا أي بديل آخر". ويقول المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة حامد عبد الدايم: إن إجمالي المساحة المزروعة من نبات الياسمين 850 فدانا والمشكلة التي يواجها الفلاحون مع المصانع تعد أمرا لن تستطيع الوزارة التدخل فيه لأنها قطاع خاص، فمن الطبيعي أن يكون هناك تعاقد وتنسيق بين المصنع وبين المزارعين، ولكن يحتاج الأمر هنا لشيء من الجرأة، فإذا توقف الفلاحون عن التوريد لهذه المصانع، واتفقوا على سعر معين سيجبرون جميع المصانع على الموافقة خوفا من تضررهم، والوزارة تقوم بتحديد الأسعار لما يقع تحت سيطرتها مثل قصب السكر، حيث يزرع الفلاحون ويوردون للمصانع التابعة لوزارة الصناعة. تصدير وأكد الدكتور محمد المصري مدير مركز البساتين السابق ورئيس قسم النباتات الطبية والعطرية بمركز البحوث الزراعية، أهمية القرية التي تزرع أرقى أنواع الياسمين على مستوى العالم، والمحصول يتم تصدير 90% منه إلى فرنسا وبعض دول الاتحاد الأوروبي، والقرية تزرع نباتات أخرى غير الياسمين وهي العتر، والنارنج، والريحان، وجميعها يستخرج منها زيوت عطرية وأخرى طبية. بعد ذلك ذهبنا لأحد مصانع الياسمين، يقول الدكتور أحمد عبد الدايم أحد المشاركين به: إنتاج القرية من زهر الياسمين يبلغ في اليوم 6 إلي 7 أطنان، والطن من زهر الياسمين يعطي 700 كيلو جرام عجينة، والكيلو في الظروف المثلى للإنتاج به 500 جرام زيت، وهذا في شهري 8 و9، فخلال هذه الأشهر تكثر نسبة الزيت في العجينة، بينما يحدث العكس في الأشهر الأخيرة حيث تزيد كمية العجينة المستخرجة من الزهر نسبةً إلى الزيت، فينتج الطن من العجينة 4 كيلو بدلاً من 2,5 وتقل نسبة الزيت إلى النصف، كما أن الفدان في قمة الإنتاج يخرج 40 كيلو زهر ياسمين في اليوم، والفدان به 1000 شجرة، وأضاف: أنهم لا يستخرجون من الزهر سوى عجينة فقط "نحن نصدرها عجينة وليست زيتا" وفى الخارج يذيبون العجينة في كحول؛ ليحصلوا على الزيت ويتبقى الشمع، وأوضح أن الشجرة تطرح زهر الياسمين يوميا لذلك إذا تأخر الجمع يتساقط على الأرض، ثم بعد حصولهم عليه يقومون بوزنه لتبدأ عملية التصنيع وفيها يتم تعبئة حلل النقع وهي عبارة عن آلة عميقة يوضع بها زهر الياسمين ثم نقوم بوضع مذيب عضوي عليها نقى يسمى (الهيكسان) ويترك لمدة نصف ساعة، ووظيفته هي سحب الروائح العطرية من داخل الزهرة ثم سحبها عبر أنابيب إلى الأعلى عبر "طلمبة"، وفي المرحلة الثانية لكي نحصل على الرائحة العطرية التي ذهبت في الأنابيب للأعلى يقوم جهاز التركيز الأول بتفريغ (الهيكسان)، ليصعد بالياسمين للأعلى، في حين يتبقى بالأسفل مخلفات الياسمين وبها كمية من (الهيكسان) وللتخلص منه، يبدأ بغلق آلة تسمى حلة الضغط، تقوم بتسخين (الهيكسان) فيصبح في صورة غازية فيركز عليه بخار تبلغ حرارته أعلى من 100 درجة مئوية، وهناك أنبوب آخر تسقط عليه مياه باردة، فيتحول الغاز إلى صورة مائية مرة أخرى ليحصل على (الهيكسان) ثانياً. وأضاف أن كل حلة بها مكثف؛ ليتخلص من بواقي المذيب الموجود في العجينة بعد ذلك هناك وحدة تسمى (أبسليوت) وهنا يتم تحويل العجينة إلى زيت حر، وخلال مرحلة الفلترة لا يتم وضع المستخلص إلا بعد مروره في جهاز الفلتر للتخلص من الشوائب، وليكون في صورة نقية تمامًا ثم يأتي التركيز النهائي للتخلص من أي أثر للهيكسان في العجينة، وهناك طريقة أخرى تدعى مساعد الفاكيوم حيث يفصل كل مكون عن الآخر، وأعطانا قطعة صغيرة من عجينة الياسمين المركزة، قائلا: إن كيلو العجينة ب 2300 دولار. زيت الياسمين هناك بعض الدول التي تطلب زيت ياسمين حر، وتتكون العجينة من 40% شحوم و60% زيت، وليفصل زيت الياسمين عن العجينة يضيف لكل كيلو 10 كيلو كحول تركيز 100% أو99,9%، ويذيب فيه العجينة ويخفض درجة الرطوبة إلى 30% تحت الصفر، وعند فلترته يصعد في آلة الشحم ويهبط الزيت لأسفل جهاز الترشيح حيث يسخن الزيت في المكثف ليطير الكحول، وكيلو العجينة ينتج 600 جرام زيت تقريباً، ومعظم الإنتاج يتم تصديره إلي فرنسا ليدخل في صناعة أغلي أنواع العطور والزيوت الطبية علي مستوي العالم.