( كابتن غزالى _ شاعر المقاومة وذاكرة الوطن ) كتيب صغير , أعاد لرأسى شريط طويل من الذكريات , أيام التهجير , الحنين للأرض , المقاومة الشعبية , نصر أكتوبر , السمسمية , الضمة , أولئك الذين صبروا وضحوا بالعرق والعمر والدم دون ضجيج أو احتفاء . فسيرة الكابتن محمد أحمد غزالى تجسيد لرحلة رجال كُثر عاشوا وماتوا , قاموا وحاربوا من أجل الأرض , الوطن , الدين , الشرف , بالسلاح , بالكلمة , بالغناء بصوت الدم دون تمجيد أو شهرة أو حتى كلمة شكر . ربما كان كابتن غزالى أوفى حظاً من غيره , فبعد أن حكى جمال الغيطانى بفيلم ( حكاية الغريب ) جانب من دوره بالمقاومة الشعبية أيام حرب الإستنزاف وحصار السويس حظى بإهتمام اعلامى لم ينله إلا القليلين ممن لعبوا دور مشابه له ببورسعيد والإسماعيلية . فأهالى القنال قاوموا هزيمة 1967 وحافظوا على روحهم المعنوية بأكثر من وسيلة , فالغناء على السمسمية كان سلاح معتبر من أسلحة المقاومة , فآلة السمسمية البسيطة تحولت بعد العدوان من وسيلة فرح وبهجة لمسحراتى يوقظ روح التحدى , يزيل الألم , يبشر بزوال الليل وقدوم النصر . فالسمسمية أصبحت تغنى لرصاص البندقية ولكل أيد قوية , حاضنة زنودها المدافع بعدما كانت سامر الأفراح وكل المناسبات السعيدة , ففرق ( أولاد الأرض ) بالسويس و( الصامدين ) بالإسماعيلية ) و (شباب النصر ) ببورسعيد كانوا بمثابة خزانات وقود تشعل مشاعر المقاومة وتطيح بوجع الكآبة . فرق تكوينها غاية بالبساطة , سمسمية ( صندوق خشبى مشدود عليه أوتار ) , طبلة , ملعقتين مقلوبتين , وأصوات تعبر بأكثر مما تطرب , ومؤدون لرقصات البمبوطية, وكلمات سهلة , خاطفة , لكنها هادفة وشجية . فوجدان القنالية مدان لها بسهم مُعتبر , فقد كانت حاضرة دائماً بكل تعبيراتهم , افراحهم , انكساراتهم , تحدياتهم , فالضمة حيث يلتف الحضور بشكل دائرى ليستمعوا ويشاهدوا فرق السمسمية صورة أظن يصعب ازالتها من وجدان كل قنالى عايش تلك الأيام وما بعدها مباشرة . فبعد نصر اكتوبر عادت السمسمية رمزاً للبهجة , فكان حضورها أشبه بضرورات الحياة فى المناسبات السعيدة والإحتفالات الوطنية وحتى بالمنافسات الرياضية , خاصة بملاعب كرة القدم . فجيل آخر كان قد جاء خلف الجيل المؤسس , فبالإسماعيلية مثلاً جاء مرسى بركة و فوزى الجمل و حسن سعد ومانى مكى بعد عبدة العثمانلى والوزيرى وحسين مكى ,ومعهم عادت النغمة الراقصة , الشجية , الفرحة . فبساطة الكلمات وصدق الإنفعالات وعزوبة الأنغام كلها كانت جوازات مرور هؤلاء لقلوب وعقول متابعيهم حيث لا ابتزال أو سخف أو تدنى , فالتعبيرات تناغش الوجدان بتلقائية شديدة , فلها حضورها بشتى مواقف الحياة , فهى تحتفى بالأسمر والأبيض , , بأم الخلول والسمك البورى , بصانع القرار , بالبطل الرياضى .
فمن , أنا صاحى يامصر أنا صاحى ,ل دا كنالنا وبحرنا وخيرنا وعزنا .. , ل والله هترجع لبيتك ولغيطك ياخال , ل دول عايرونى وقالولى يا اسمر اللون يالالا للى , ل سرى الليل سرى الليل يايوما , ل آه ياللى ياللى يابو العيون السود ياخلى , كان الوجدان القنالى يتشكل ويقاوم وينتعش . فن جميل , اصيل , نظيف , مشحون بعرق من حفروا قناة السويس ودماء من دافعوا عن الأرض وحرروها, نخشى , ذهابه مع اشياء جميلة أخرى ذهبت وحل مكانها قبح شديد . نخشى ونأمل بذات الوقت الحفاظ عليه , ففن السمسمية تراث يحتاج لعناية مباشرة أكبر من وزارة الثقافة , ولما لا , فعلى رأسها موسيقية , فلاأظن ان عازفة الفلوت ايناس عبد الدايم ستترك جزء اصيل من ذاكرتنا الوطنية يضيع .