لا شك أن كل دولة وكل حكومة بمسئوليها ووزرائها وخططها ومؤسساتها تسعى دوما لفك شفرة شعبها بمكوناته المختلفة من أجل التواصل معه وإقناعه بتحركاتها وسياساتها للحصول على دعمه وتأييده، لأنه لا نجاح بالقطع دون دعم الشعب، وأهم مكون شعبي تسعى أي دولة لمخاطبة عقله وإقناعه بالطبع هم فئة الشباب نظرا لكونهم الفئة الأعرض والأكثر نشاطا وتفاعلا والأطول عمرا أيضا والأقدر على تحمل جهد المسئولية. وبالقطع فإن الدولة المصرية بكل مكوناتها ومؤسساتها سعت وتسعى لفك شفرة عقول شبابها لتسهيل التواصل بينهم وبينها، وشهدنا العديد من الفعاليات والمناسبات التي خصصت من أجل هذا الهدف، والتأكيد الدائم على لسان كل المسئولين هو الاهتمام بالشباب ومنحهم الفرص للمشاركة في بناء مصر والفوز بحبهم وتأييدهم ولا أحد ينكر أهمية هذا الهدف وقيمته إذا تحقق. وفي وسط كل هذا نجد أحمد خالد توفيق، أديبنا وطبيبنا ومبدعنا الراحل منذ ساعات، يأبى أن يتركنا دون أن يقدم لنا وللمسئولين بالأخص وصفة سحرية وسهلة للفوز بعقول وقلوب الشباب. وصفة ومعادلة جربها الرجل نفسه على مدى عقود وشاهدنا نتيجتها المضمونة في جنازته التي شيعت اليوم على أكتاف الآلاف من الشباب موفدين وممثلين لملايين غيرهم من شباب مصر الذين عشقوا هذا الرجل وتربوا على كتاباته. أحمد خالد توفيق أقنعهم بالإبداع والصدق وتقديره لعقولهم وخيالهم الذي أطلق له العنان في كتاباته فحقق لكل منهم ما يريد، سواء متعة القراءة والمعرفة أو خوض المغامرة أو لذه البطولة وحتى التغلب على الرعب حققه لهم في كتاباته. وأمسك بيد كل منهم إلى طريقه فمن أراد الكتابة تعلم من كتاباته ومن أراد النجاح اقتدى بأبطال رواياته، ومن أراد سلام النفس والعيش الهادئ اقتدى بأخلاق أحمد خالد توفيق نفسه وتواضعه وأدبه الجم ومشاركته وتفاعله من أبناء وطنه دون كلل أو ملل. هكذا فاز أحمد خالد توفيق بقلوب وعقول شباب مصر دون أي يقدم لأي منهم وعودا براقة من أي نوع، فقط احترم عقولهم وقدرها وخاطبها وأطلق لها العنان للإبداع مثله، فلم يكن غريبا أن نشاهد هذا التدفق غير المسبوق على جنازة أديب مثله رغم مشاغل الحياة القاسية على الجميع هذه الأيام.