يوما تلو الآخر يذهب عمودا من أعمدة الصحافة لنشعر مع كل مره نفقد أحدهم بأننا لم نعد لنا ظهرا في بلاط صاحبة الجلاله ،وأن المسئوليه علينا تتضاعف وأننا في حاجه ماسة لأن نجد من بيننا من يحل محل هؤلاء ومع رحيل "إبراهيم نافع" أو الهرم الرابع كما يطلق عليه ..شعرنا جميعا كأهراميين بأننا فقدنا رمزا هاما من رموز الصحافة ليس فقط على المستوى الصحفى والمهنى ولكن أيضا على المستوى الإنسانى . لم أعرف الأستاذ إبراهيم نافع شخصيا ولم أتحدث معه عن قرب ، فلم أقابله سوي لدقائق معدودة في حفلات تكريم المتفوقين من أبناء العاملين التى كانت تقام بمؤسسة الأهرام علي مدار سنوات دراستى . فبحكم عمل والدى بمؤسسة الأهرام لسنوات طويلة كان إسمه يتردد كثيرا فى بيتنا ، ورغم صغر سنى وقتها إلا أننى كنت أستشعر مدى سعادة والدى وحبة الشديد عندما يتحدث عن رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير الأهرام ، ولا أنكر أن إبراهيم نافع كان من أسباب حبى للصحافة منذ صغرى وشعورى بأن الصحفى له مكانه وهيبة . فما قدمه للأهرام والأهراميين عموما وللصحفيين خصوصا كان كفيلا بأن يجعلنا نشعر بالحزن الشديد عند سماع خبر وفاته ليس فقط لأنه كان شخصا ناجحا ومميزا بل كان يجمع بين الكاريزما والهيبة ، فكان ودودا ،بشوشا ، هادئا لدرجة أنه إختار كلمة "بهدوء" كعنوانا لمقاله ، لم يحتد يوما على أحد ،ولم ينهر أحدا له مطلب لديه . وبشهادة المقربين منه والذين عملوا معه لسنوات طويلة أنه كان يسرع فى قضاء حوائج الناس ، فكان يسهر فى مكتبه لوقت متأخر من الليل ليطمئن على طباعة الجريدة ويتابع بنفسه العمل داخل المؤسسة و يتابع "البوستة" بشكل يومى ويبت فيها بأسرع ما يمكن . كان محبا للناس ويسعى لإسعادهم أيا كانت مواقعهم داخل الأهرام . وكان يوم عيد ميلاده عيدا للأهراميين جميعا يحتفل فيه الجميع وتوزع الهدايا على العاملين فى إحتفال مبهج ،كان نزيها دون زيف ، ولم يكن ممن يسعون لخلق الأحقاد و الخلافات والمشاحنات بين العاملين ،ولم يكن له "شلة" من المطبلاتيه أو الفاسدين كما هو سائدا فى الوسط الصحفى الآن كان مدافعا قويا عن الصحفيين ، يحفظ لهم مكانتهم وحقوقهم ،لم يجرؤ أحدا طوال فترة توليه نقيبا للصحفيين على المساس بهم تحت أى مسمى ، ويكفى أنه أسس هذا الصرح الضخم الأنيق لنقابة الصحفيين الذى يعد أفضل مبنى لنقابة صحفيين على مستوى الشرق الأوسط ،كما يرجع له الفضل فى العديد من الإنجازات التى حدثت فى تاريخ النقابة . ولأننا للأسف لا نعيش فى أزهى عصور الصحافة على الإطلاق وتحيطنا المشكلات من جميع الجهات ، نشعر وكأن جزء منا يفنى مع هؤلاء الذين يتركوننا ليرحلوا إلى دار الحق لنجد أنفسنا وحيدين فى زمن تتعرض فيه الصحافة لهجوم شديد ونواجه فيه العديد من الأزمات التى تحتم علينا جميعا التكاتف والتصدى لها.. رحم الله الأستاذ المحترم إبراهيم نافع وأسكنه فسيح جناته .