محمود حميدة هو فنان مُثقف يبحث دائمًا عن مُتعة الحياة وحكمتها، وتميز بقدرته الفائقة على إجادة الأدوار المُعقدة والمُركبة في السينما، خفيف الظل ولكنه حاد الطباع، يُبدع في تجسيد الشخصية عندما يكون مهموماً فيفرغ طاقته ليُخرج أفضل ما لديه، يصفونه بالمغرور، لكنه التميز والاختلاف، والطموح..انطلق بسرعة البرق وقدم بطولاتٍ في سن صغيرة وأصبح الجواد الرابح لكُل المُنتجين، ورغم أن أحاديثه الإعلامية قليلة جدًا ولكنه رحب بنا.. ومن داخل مكتبه استقبلنا بحفاوة بينما على الحائط كانت تتراص صوره وشهادات ودروع تكريمه، وعندما قابلناه لفت انتباهنا أنه ظهر مُرتديًا قميصاً أحمر اللون كان يبدو غريباً بعض الشيء.. ومن هنا بدأ الحوار. - ارتداؤك اللون الأحمر هل تُحاول أن تكون شبابًا أكثر من خلال الألوان؟
بضحك أجاب: "لأ ده عشان أصارع الثيران"، فهذه أول مرة أرتدي فيها اللون الأحمر منذ 10 سنوات، وأنا من النوع الذي لا يختار ما سيرتديه؛ والأحمر فتحت الدولاب ووجدته أمامي فارتديته، فعادة أرتدى ما أمامي أو يختار لي أبنائي ماذا سوف أرتديه، وما الذي يُناسبني فهذه الأمور لا تشغل بالي كثيرًا ويهتم بها بناتي.
ما هي حدود النجومية التي صنعتها في رأيك؟ لا أحد يصنع نجوميته، فمن يصنع النجومية هم الآخرون، ومعنى كلمة نجم هى وظيفة اجتماعية لها دور في المجتمع، فمثلًا في الفصل المدرسي يوجد نجوم أحدهم يلعب رياضة، وآخر يعزف مزيكا، إذن هؤلاء يُعتبرون نقاط جذب بالنسبة للآخرين حتى يفهموا سر الموضوع، وهؤلاء وظيفتهم أن يكونوا نجوماً.. المجتمع يصنعهم وليس هم من يصنعون أنفسهم، وأنا أمارس عملي فقط، أما الجزاء فليس بيدي، وعلى رأي فؤاد حداد قال "العمل أجره وثوابه فيه".
- بمناسبة الحديث عن الشاعر فؤاد حداد.. لماذا تحفظ كل أشعاره وهو الأقرب إليك؟ كنت قريباً جدًا من أشعاره وأثر في شخصيتي بشكل كامل وأصبح شعره مُرتبطاً بحياتي وأذاكره كثيرًا، ولدي شعراء كثيرون أعرفهم لكن ليس على سبيل التحصيل ولا التذوق؛ وهو غيّر أسلوبي وطريقتي في التعامل، ومنهجي في الحياة بعدما قرأت أشعاره، لأنني وجدت أنه يمس الواقع بشكل كبير، وله منهج مختلف.
- الموسيقى هل تحبها وتمارسها؟ أحبها جدًا لكن للاسف جربت العزف لكنني فشلت، وطردوني، وقالوا لي "متنفعش"، وأنا مُستمع جيد للموسيقى.
- هل مازلت تُسافر لقريتك وتستعيد ذكرياتك هناك؟ أسافر كثيرًا للبلد ولكن لم أعد أمسك الفأس مثل السابق، فمن قبل لأننى كنتُ مُجبرًا على تحمُل المسئولية بدلًا عن أبي؛ حيث كان وحيد والده، وتخرج في كلية الزراعة، حتى يُصبح فلاحًا أصيلًا، لكن بعدها عمل مُدرسًا، وهذه الحكاية تواجدت عندي بدوري، وبالمناسبة.. جدي اسمه محمود حميدة ووالدي أطلق علي نفس الاسم المركب، وأنا تحملت المسئولية مبكراً ولم أعش طفولتي بالتأكيد.. وهذا أثر علي نفسيًا.
- هل حاولت الذهاب لطبيب نفسي؟ طبعًا ذهبت، وكانت أول مرة عندما كان عمري24 أو 25 سنة، وما حدث معي وقتها حالة تُسمى فراغ نفسي نتيجة أنني لم أعش طفولتي؛ فالإنسان عندما يمُر بمرحلة لم يعشها بعد سن مُعينة فلابد أن يعيشها ويقضيها في كبره، فمثلًا إذا مر أحدهم بمرحلة المراهقة ولم يعشها، وهذه تحدُث كثيرًا؛ يعوضها فيما بعد قد يكون في عمر الخمسين أو الستين لكنه يعيشها متأخرة؛ لأنها شيء إنساني، فعندما تجدين رجلاً كبيراً مثلي عمره تعدي الستين يمشي معجباً بنفسه مُرتديًا قميصاً مشجراً.. فهو يرغب في أن يعيش حالة المراهقة، وفي معظم الأحيان يسخر منه المجتمع حوله، أما أنا فحاليًا أمارس طفولتي مع أحفادي، ألعب معهم وأداعبهم مثلما رأيت عند دخول حسن يركض ليحتضني ثم نضحك ويذهب ليلعب.
- ذكرت في تصريح لك أن بناتك أعدن تربيتك، كيف؟ يجب أن يكون الشخص مُتفتحاً أكثر فيعرف عن طريق أبنائه أخطاءه وعُقده، وهذا معناه إعادة تربية، وعندما أتعامل مع بناتي ومن خلال التفاهم معهم أُعيد تربية نفسي، بمعني أن الشيء الذي لم أكن أحبه من أهلي أثناء ممارستهم لعملية التربية معى بما فيها من قهر وظلم، أحاول أن أتجنبه مع بناتي.
-هل عانيت من قهر وظلم الأهل؟ تربينا جميعًا على هذه الطريقة؛ فعندما يُخبرك والدك بأن شيئاً ما خطأ ويأمرك بألا تفعله؛ فهل هذا اسمه قهر؟، والأمر بالنسبة لي لايتعدى كونه مُحاولة من الكِبار لاستعارة حياة أبنائهم وبناتهم ليعيشوها.. وبالتالي يحلمون ويقررون بدلاً منهم..وعلى سبيل المثال أمسك في يدي سيجارة وفي نفس الوقت أمنع أبنائي من التدخين.. ففي هذه الحالة ماذا أشرح لهم وكيف؟.
- تُعلق صور فيلم "دكان شحاتة" ودائمًا تتحدث عنه، هل تعتبره الفيلم الأقرب لشخصيتك؟ "معنديش أنا الكلام ده خالص"، وليس لدي شيء يُسمى شخصية أقرب لقلبي أو لنفسي؛ لأن كلهم بالنسبة لي سواء؛ فبعد خروجي من الفيلم أنسى الشخصية تمامًا وفورًا، ونادرًا ما أشاهد أعمالي إلا بالصدفة، فلا أجلس أمام الشاشة لمشاهدة أفلامي، بل أُشاهدها في حالة واحدة إذا كانت من إنتاجي، وهذا وضع مختلف؛ لأنني كمنتج يجب أن أجلس لمراجعة المشاهد، وعمليات الصنع؛ لذلك يجب أن أرى الفيلم كثيرًا وأفرزه.
- كمنتج هل لك مقاييس معينة في صناعة الفيلم؟ الصناعة هى التي لها مقاييس، ولايوجد أحد لديه مقاييس تخصه لوحده، فقياس الصناعة يتم قياسه حسب الأنظمة الجديدة للصنع سواء فيما يخُص البصر أو السمع، وذلك حسب آخر تطور في هذه الأنظمة ثم يتم البدء في القياس على أساسها.
- قضيت 7 سنوات في هندسة وفشلت ثم حولت لكلية التجارة.. هل لديك الجرأة لتحويل مسار حياتك مرة أخرى الآن؟ بالتأكيد لدي الجرأة لتحويل مسار حياتي مرة اخرى، وممكن جدًا أُغير كل حياتي في لحظة، وإذا غيرتها سوف أمثل أيضًا! وبالمناسبة.. أنا لا أقول أسراري لأحد، وهناك أشياء كثيرة تضايقني في شخصيتي وأرغب في تغييرها، مثلًا ألا يكون لدي نفور تجاه الطرف الآخر؛ وأحاول أن أتقبل الرأي الآخر بصدر رحب، كل هذه أشياء لا أحبها في شخصيتي لكنها تحدث معي، ولذلك أحاول العمل عليها لتغييرها.
- فيلم "اسكندرية نيويورك" سبب لك مشاكل في 3 فقرات في ظهرك، وفي فيلم "جنة الشياطين" خلعت طقم أسنانك وكتمت أنفاسك.. هل الفن أهم من صحتك؟ كل شخص في عمله لابد وأن يدفع الثمن، فمثلًا الفران الذي يصنع لنا خُبزا جميلا، حتى نأكل ونعيش هو يدفع الثمن من صحته وجسده، وعندما آكل الخبز الذي صنعه الفران؛ إذا يجب علي أن أدفع أيضًا الثمن مثله، فخلع الأسنان كان ضرورة لأداء الشخصية وقتها، وكانت عملية؛ لأن حينها لم يكن هناك تطور أو شخص يقوم بعمل مكياج ويظهر على الشاشة ونُصدق كأنه لا توجد أسنان، فكان وقتها سيظهر زائفاً؛ لذلك كان علي التضحية فلم أفعل ذلك من باب الفراغ لكن الدور كان يحكُمني ويتطلب ذلك ففعلته؛ لأنني لا أمتلك الأداة الني تُحقق لي هذا.
- عملت مع مخرجين كِبار وآخرين شباب.. فما تقييمك للتجربتين؟ الأمل دائمًا في الشباب، ولا يجب أن يكون الشباب مثل الكبارفالمفترض أن يكونا مُختلفين عنهم، وأفضل منهم، ودائمًا يسألني معظم الناس نفس الأسئلة عما إذا كان هناك شخص يشبه أحمد زكي؛ فأجيب نعم هناك مليون ممثل مثل أحمد زكي، ومثل نور الشريف، ومثل أم كلثوم، لكن نحن لا نراهم، وعندما أقول ذلك يستهتر الناس بهذا الكلام مع أنه حقيقة.
- هل ترد على من ينتقدونك؟ لا بل أفضل الصمت، ولا أتابع أيا منها على الإطلاق فلا أضعها في رأسي ولا أعطيها قيمة، فمن يرغب في التعامل معي لابد أن يحترم رغبتي ونظامي، ثم أن هذا دليل على حبي للتعامل مع المثقفين والمطلعين على الأخبار بشكل مستمر.
- وسط مكتبة زاخرة بالكتب ما آخر كتاب قرأته؟ حاليًا اقرأ في الفكر والفلسفة وأذاكرهم، وأقرأ لعلي حرب وجورج مقدسي وحسن حنفي، ونصر حامد أبو زيد، وأخدت الثقافة على أساس أن الثقافة كتب وناس.
- هل هناك أعمال فنية تستعد لها؟ لا يُحسنُ النُطقَ إلا مُحسنُ الإصغاء.. هكذا قال فؤاد حداد.. وهذا هو ردي علي السؤال!.