لا أري أمامي "رجولة".. والمرأة فقدت جدعنتها أصبحنا شعبا "هشا".. وفتنة وجود البترول في دول الجوار أصابتنا بالجنون أصبحنا خائفين زيادة عن اللزوم.. وقلقين أكثر مما نستحق عبارة "تجديد الخطاب الديني" أصبحت مملة.. والإنسان المصري الذي يستخرج من التراب ذهباً اختفي المصريون ينتهجون سلوك "على قد فلوسه" البرلمان رفض قانون ازدراء الأديان لأن الكل سلفي الهوي ظروف صعبة يعيشها الشعب المصري تحديدا منذ أحداث 25 يناير 2011، تغييرات عديدة ظهرت بالمجتمع، سلوكيات وطباع لم نعتدها من قبل، في حوارنا مع الدكتورة آمنة نصير، أستاذة الفلسفة والعقيدة بجامعة الأزهر، وعضو مجلس النواب، حاولنا أن نلمس معها الجرح، ونكشف المرض الذي أصاب المصريين، والحالة التي أصابت الأسرة والشباب المصري.. التفاصيل في السطور القادمة.. نتحدث كثيرا عن تجديد الخطاب الديني، لكن في النهاية هناك مشكلة تتعلق بالرسالة التي تصل من علماء الدين في مصر للشعب؟ عبارة تجديد الخطاب الديني أصبحت "مملة"، والمهم كيف نرتقي بالشعب المصري، وهنا أتحدث عن الارتقاء الثقافي والعقيدي المضيء المستقيم، كيف نأخذ هذا الشعب من حميمية العاطفة للدين، إلى عدم معرفة جوهر الدين، في ال40 سة الأخيرة أصبحت لدينا حالة من الهلع في المظهر سواء للبنت أو الرجل، أصبح كثير من الشباب يهتمون بمظهر الالتحاء وهذا لم أكن أشاهده عندما كنت طالبة بالجامعة، وأصبح هناك حرص على تربية اللحية بالنسبة للرجل، وارتداء النقاب بالنسبة للبنت، صحيح أن المظهر للبنت بدون مغالاة شيء جميل، فالحشمة من جمال المرأة، ولكننا أخذنا نوعاً من المغالاة. وكيف انتشرت هذه الثقافة في مصر، أو من نشرها إذا كانت ثقافة وليست أمرا دينيا؟ السلفيون هم من نشروها نتيجة ثقافة دول الجوار، فهي منتشرة في السعودية ومازالت، نقلوا هذه الثقافة رغم أن الإسلام لم يطلب منا ارتداء النقاب، فالآيات القرآنية في سورة النور"قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنّ" كيف يأمرنا الله تعالى بغض البصر ويطلب من المرأة النقاب، فهذا تناقض لا يليق بالآية القرآنية، وليضربن بخمورهن، فالنقاب هو توارث وميراث من القبائل العربية واليهودية قبل الإسلام، وتجذر النقاب في هذه المنطقة، وعندما جاء الاسلام حرص على كثير من المظاهر نتيجة العرف أو الميراث أو نتيجة أن هذا الأمر هو الذي يحفظ شرف المرأة والبيت وهذا غير سليم، فالذي يحفظ شرف الناس الأخلاق والتربية القويمة ومراقبة سلوكياتنا وبث الوعي الوسطي لديننا الذي تربينا عليه. ولماذا طغت ثقافة النقاب على ثقافة المصريين التي تحدثت عنها؟ نحن أمة نشأنا على ضفاف النيل نتسم بالطيبة وليس لدينا هذا التطرف والجمود ولا هذه النطاعة، للأسف هؤلاء الذين أوفدوا إلينا بأموال دول الجوار والذين لقبوا أنفسهم بالسلفية مثل محمد حسان، وأبو اسحاق الحويني، وتجذروا في وجه بحري بشكل كبير جدا، وانتشروا في الصعيد نتيحة إهمال الصعيد، مما أدى لانتشار التطرف، فمصر ابتليت لأسباب اجتماعية واقتصادية وإنسانية كثيرة تحتاج لرسائل جامعية، ألخصها أن هذا التطرف، وجد في مصر تربة استوعبته، كما أن هؤلاء المتاجرين المتأسلمين وجدوا طريقا لهم، وفتحوا القنوات بهذه الأموال الطائلة التي أتوا بها من هذه الدول، ومساعدتهم على أن يستلبوا ويبتلعوا مصر الوسطية في تدينها. ولكن أين علماء الدين في مصر؟ في الحقيقة حدث صراع في مصر على هذه الأيديولوجية، هذا الصراع أوجد تطرفاً تجاه الشمال وتجاه اليمين، تطرفا بالنقاب والجمود الفكرى وتضييق مساحة الحلال والوصاية على الإنسان، واستدعوا من النصوص ما أخذوا يدعمون به آراءهم والأفكار التي نشروها بمصر، وضيقت المساحة إلى فتح مساحة التحريم على كثير من حياتنا مما أدى إلى شيء من الاضطراب العقدي والنفسي والاجتماعي وأوجد حالة من الالتصاق ما بين الجماعات الانسانية ما بين الشباب والشيوخ، لم نكن نعرفها قبل ذلك في طبيعة الشعب المصري الهينة اللينة الطيبة، التي لا تميل إلى التدين العنيف، كما أنها تميل إلى الحرص في التدين. من كلامك يبدو أن مصر تعاني أزمة تتعلق بالأسرة وتماسكها ودورها في المجتمع؟ دور الأسرة اهتز من أول قائدها والعائل لها والمسئول عنها، حيث السفر للخارج واللهث على المادة، في حالة من الاستمرار في التطلع للأكثر، كنا زمان شعبا يرضى بالقليل، هذا لم يعد موجودا الآن، فتنة وجود البترول في دول الجوار جننتنا، اللهفة للثراء السريع وتحصيل أكبر نسبة من المال، والنظرة للغير وأصبح لسان حالنا يقول "اشمعنى ابن فلان عنده عربية وبنى بيت"، أصبح التطلع لكلمة اشمعنى والمقارنات طوال الوقت دفعت الشباب والرجال للهجرة والسفر، في بعض الأحيان كانت تكون هجرة غير قويمة، وغير رشيدة، وجدنا مئات من أولادنا ماتوا في البحار في هذه الهجرة نتيجة الجشع النفسي، والقوامون على الأسر لتلبية البيوت، والمرأة تحملت هذه العبء منفردة مما أعطى للأولاد حالة من الانفلات وعدم الهيبة، مع وجود الأم منفردة بالمسئولية افتقد البيت المصري هيبة ولي الأمر المتواجد بالبيت، حتى أصبح مجيئة من السفر، من العام للآخر عبء ثقيل على الأبناء والزوجة نفسها، لأنهم تطوعوا على المعيشة بدون الأب، عيشة هينة لينة وقرش سخي، وأصبح ولي الأمر مجرد محصل أموال وفقد دوره الريادي والقيادي والدعم النفسي وقوة البيت وسلامة الأولاد وانضباط الأسرة، كل هذه تفكك في غياب هذا الأب أو الزوج وحدث ما حدث من جرائم لم نكن نعرفها قبل ذلك سواء للبنت أو الولد، انهار كثيرا من جمال الأسرة المصرية الطيبة التي ترضى بالقليل، والتي تقبل يدها في كل صباح وتقول "الحمد لله مرضية" هذه الجمل ماتت من لسان المرأة المصرية، "الحمد لله.. نمنا متعشيين ومرضيين" هذه الجمل الممتلئة بالرضا النفسي والأخلاقي وعطاء الله، ماتت في الأسر تحت المتوسطة وماتت معها القيم.. ولكن الأوضاع الاقتصادية المتردية، هي التي دفعت الكثيرين للهجرة؟ نحن أصبحنا خائفين زيادة عن اللزوم وقلقين أكثر مما نستحق، مثلا غياب كيلو السكر، هل هذه مسألة ممكن تقوم من أجلها ثورة؟ اذكر في قريتي بأسيوط أنه لم تكن هناك أسرة جائعة لأن أغنياء القرية، كانوا يهتمون بالأسر المطحونة كان هناك تكافل اجتماعي، لم تكن هناك نظرة التطلع والنظر لما في يد الغير، وهذه أمراض نفسية، أخطر ما يمكن دمرت طبيعة الشعب المصري الراضي الساكن، فكرة اللهث خلف الثراء، دون أن نتعب.. وهنا أحب أن أشير إلى وجود أشقائنا السوريين في مصر الذين ملأوا جميع مجالات العمل، فوجودهم فضح وكشف شبابنا. وهنا أتطرق أيضا لنقطة أخرى تتعلق بالاستسهال، فمثلا "الخادمة اللي عندك، يوم ما تجوز بنتها عايزاك تساهم في جوازها، يوم جوزها ما يمرض عايزاك تعالجه، عايزة تشترى حاجة شتوى تلجأ إليك" رغم أن أدءها في العمل سيئ جدا، لم يعد هناك الانسان المصري الجميل "اللي بيطلع من التراب دهب"، اتمحى بكل أسف.. ولماذا لم نعد نهتم بقيمة العمل، ونتقن ونخلص فيما نقوم به؟ كما قلت نحن ركزنا اهتمامنا بالمظهر ولم نهتم بجوهر سلوكنا وأخلاقنا كيف نكون صادقين وأمناء ونعمل ونصدق القول والفعل، اختلافات دخلت لسلوكنا بلغة "بيض وارمي" والموظف يقول "على قد فلوسه" معادلة غريبة، كأننا أمعنا في إخفاء المظهر، وأهملنا قوة الجوهر بنقائه وصدقه وأمانته وعمله، كنت أتمنى أن يبقى جوهرنا قويا نقيا، ومظهرنا نعتدل فيه بموروثنا.. في الماضي كانت كلمة "استبينا: كأنها عهد من العهود، والآن نكتب شيكات ووصولات وفي النهاية نخون بعضنا البعض ونلجأ للمحاكم، هناك اختلاف في جوهر الشخصية المصرية، أنا الآن تخطيت ال70 سنة، وأتكلم عن أجيال عاصرتها وثقافات عايشتها تختلف عن ثقافة الآن.. هل المجتمع المصري مجتمع ضعيف لهذه الدرجة ليتأثر ويتحول بهذا الشكل خلال سنوات تعد قليلة في عمر الأمم؟ الثقافة هي أسرة وتعليم ومناخ عام، وهذا جزء من المناخ الذي تسيد في المجتمع، مناخ مراوغ غير أمين يعتمد على اللعب بالكلمة، لم يصبح لدينا المجتمع الجاد الذي تثق في كلامه، وبالتالي سهل على من يتربص بنا أن يأخذنا في أي اتجاه، أصبحنا شعبا هشا، يحزنني حقيقة أن أقول "مش شايفة رجولة أمامي"، فاكرة زمان كلمة الراجل التي عايشتها في ابويا وعمي واخويا حاجة تهز الأرض، غياب في رجولة الانسان وجدعنة المرأة، أبويا عندما كان يهل كان ليه هيبة ورجولة، الآن هناك شغل صغرنة وصوت عالى على الفاضي وهلفطة في الكلام. الحضارة اليونانية، أكتر حاجة أسقطتها هو وضعنا الحالي وسفسطة الكلام، كلام بلا معنى أو حكمة وبلا منهج، شعب لبلبة كلام، الكارثة في الفيسبوك والمواقع، طالق لسانك للهوى من غير كنترول، وهناك غياب أمانة الكلمة، أخطر حاجة يعيشها الشعب مع فتنة العصر الالكترونيات التي لم نخترعها وأسأنا استخدامها. تقدمت بطلب للبرلمان لتعديل قانون ازدراء الأديان.. ولكنه قوبل بالرفض من قبل النواب؟ فكرة ازدراء الأديان ترجمة بشكل خاطئ عما أردت أن أقوله، والاختلاف في الآراء في إطار القيم الاخلاقية لا غبار عليه، فهو إرادة إلهية لإثراء البشرية، إنما الإسلام وضع ضوابط، فرأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، كما قال الإمام الشافعي، ولا يوجد إنسان يمتلك الحقيقة منفردة، فبالاختلاف نثري بعضنا البعض بضوابط أخلاقية بعيدا عن التجريح، وهنا حدث تجريح من بعض الناس، هذا التجريح كان يجب أن نتبع فيه قاعدة "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" وكنت أود في أزمة إسلام البحيري -عندما بدأ يدخل في فتنة العقل، وفتنة الكاميرا، ففتنة العقل ابتعاده عن الانضباط باستخدام لغة النصوص الصحيحة، فعلوم العقيدة لها لغة خاصة ومصطلحات خاصة إذا الانسان لم يتقنها ينحرف ويقع وهذا ما حدث لإسلام البحيري- لذا كنت أود أن تتدخل مؤسسة الأزهر، طالما هي حريصة على أمور الاختلافات أن تستدعيه وتأخذ على يديه، وتناقشه فيما قاله، وتقول له إنه ناقش قضايا قديمة متجددة، وتدرس في علم العقيدة، وأنه دخل إليها بدون مصطلحاتها ومقوماتها ولغتها التي لا تجرف إلي الأخطاء، وبالتالي ذلت قدماه، ولكن هذا لم يحدث. ولماذا رفض القانون الذي تقدمت به بالبرلمان، ولم يحظ إلا بمساندة نواب معدودين على أصابع اليد؟ البرلمان رفض القانون لأننا لدينا هوى السلفية ككل، بقت موجة اجتاحت الناس ابتعدنا عن حكمة العقل ووسطية الدين فرفضوا هذا القانون، وأنا ما أردت إلا الإصلاح، حزب النور عمل تكتلا ولعبها بشكل خبيث دون أن يظهر في الصورة.