في تسعينات القرن الماضي كانوا يربطون الإرهاب بالجهل.. ولكن الوضع تغير الآن، ونجد أن الجيل الجديد من الإرهابيين جامعيون.. فالإرهابي محمود شفيق الذي نفذ تفجير الكنيسة البطرسية كان طالبا في كلية العلوم بجامعة الفيوم.. وأحد المشتركين في هذا الحادث كان طالبا في كلية الطب، وغيرهما كثيرا، فكيف يتحول شاب جامعي إلى إرهابي؟.. فكلمة السر في غسيل المخ!..
عمرو عمارة أحد المنشقين عن الإخوان يقول: قبل 2005 لم يكن متاحا لأي شاب الانضمام لجماعة الإخوان، حيث كانت تقتصر على من هم من نسل الإخوان، ولكن منذ هذا التاريخ وبعد وصول 88 عضوا إلى البرلمان اختلفت الرؤية، وقررت الجماعة استقطاب أكبر عدد من الشباب، وقام بهذا الدور أعضاء الأسر والشُعب وخصوصا في القرى والأرياف، وكانت البداية من رصد عدد من الشباب، وكانت تركز على الشاب اليتيم أو الفقير أو العاطل من خلال الأموال والعمل أو المساهمة في استكمال التعليم وأنا كنت من هؤلاء، أو الشاب العاصي، وكانت هناك طريقة معينة لاستقطابه، فمثلا إذا كان يشتري مخدر من صيدلية ويعمل بها إخواني أو حتى على أي مقهى فيبدأ يتحدث معه بأسلوب بسيط عن أن ما يقوم به حرام، فهو يبدأ بأن يحببه فيه، ويبدأ يحدث نوع من التواصل ويسأل عليه باستمرار وعن أحواله، ثم يضعوا وقت لكي يعرفوا مدى استجابة الشاب من عدمها، ثم يطلب من الشاب أن يصلي معه ركعتين في المسجد، وتحدث عملية جس نبض للشاب عن مدى تقبله للانضمام للجماعة، وكانت الجماعة تستغل العامل المادي بشكل كبير، ويحاول الإخواني توفير فرص عمل للشباب في أماكن تابعة للجماعة وأعضاءها، أو توفير عرائس إذا كان الشاب يرغب في الزواج، وتكون العروسة من الجماعة أيضا، فهو بذلك يضعه في بيئة مختلفة عن المجتمع الذي كان يعيش فيه، ويظل مسيطرا عليه طوال الوقت
ويضيف قائلا: وبعد كل ذلك يترك الإخواني هذا الشاب ويبتعد عنه لفترة لكي يعلم هل سيجري هذا الشاب وراءه ويبحث عنه أم لا، وهل العقيدة ثابتة لديه أم أن هناك نقطة تحول، لأنه في مرحلة الفرز والتزكية، وفي تلك المرحلة يصل الشاب إلى مرحلة أنه لا يستطيع الابتعاد عمن يسأل عنه ويوفر له كل شيء وغيّر له حياته، ولذلك في وقت قليل لو خيروا هذا الشاب بين أهله والجماعة سيختار الجماعة، وهذا ما حدث معي بالفعل، فكنت أقول أموت من أجل الجماعة، ثم ينضم الشاب للجماعة، ويتم إعطاءه بعض الكتب ويعرفوه طبيعة الجماعة ورسائل حسن البنا مثل أنه يترك ما في يده ويذهب للصلاة وغيرها من الرسائل التي لو طبقها يدخل المرحلة التالية، ويتعرف على مكتب الإرشاد، ويصبح تحت الاختبار ليروا مدى حبه وطاعته للأوامر الإخوانية، وطوال الوقت يرسل رئيس الشعبة ملاحظات عن الشاب، ثم تقرر الجماعة هل سيدخل هذا الشاب النظام الدعوي أم النظام الخاص بالبيزنس، ولكن النظام الدعوي كان يتطلب أن يكون الشاب متقنا للغة العربية ويستطيع استقطاب أكبر عدد ومحبوب في منطقته، بجانب عمل مجموعة رصد في المجتمع وذلك بالدفع بعدد من الشباب في الوظائف الحكومية والانضمام إلى بعض الأحزاب المدنية، وبذلك استطاعوا أن يسيطروا على عقل الشاب
ويستكمل حسين عبد الرحمن- أحد الشباب المنشقين- خطة الإخوان لغسيل المخ قائلا: ينضم الشاب إلى أسرة التربية، وكنا نقوم بعمل دائرة وكل شاب يقرأ 10 آيات من القرآن، وتحدث عملية تأهيل دعوي، وانتظار رسالة الدكتور بديع كل أول شهر، وكانوا دائما يصدرون للشباب أفكار عن المشروع الإسلامي، فطوال الوقت يكون الحديث عن ذلك، وعن حركة حماس ومؤسسها الشيخ أحمد ياسين، ولازم يفهم الشاب أن الهدف الأساسي هو تحرير المسجد الأقصى، بجانب أن المجتمع يتجه للعلمانية والكفر فلازم إصلاحيات، ولذلك يقتنع الشاب بأن كل ما تقوله الجماعة يجب أن ينفذ من أجل المشروع الإسلامي، كما أن الجماعة زرعت فينا طوال الوقت أن الصراع دائما مع المؤسسة العسكرية في مصر، بسبب إعدام سيد قطب، وأنها مؤسسة خائنة، فكانوا دائما يتحدثون عن الثأر البايت من جمال عبد الناصر، وزرع عامل الكراهية للمؤسسة العسكرية، كما كانوا يقيمون معسكرات عبارة عن رحلات مصيفية إلى بورسعيد أو الإسكندرية، ولا ينضم إليها الصفوف الأمامية للجماعة بسبب الأجهزة الأمنية، فهم كانوا يبحثون عن السيطرة على الشاب طوال الوقت، ولهذا السبب مازال بعض شبابهم متمسكين بولائهم للجماعة وعلى استعداد للموت من أجلهم
أما نبيل نعيم- القيادي السابق بتنظيم الجهاد- فيقول: استطاعت التنظيمات الإرهابية أن تملأ عقول الشباب بأفكارها عن طريق قراءة تلك الأفكار عليهم وجذبهم باسم الدين والجنة، ويعطون الشاب بعض الكتب التي تحتوي على منهجهم، مثل كتب: الصلاة وحكم تاركها" لابن عثيمين، وتقوم المدرسة السلفية بتوزيعه، وتسبب هذا الكتاب في تكوين مجموعة تكفيرية من الشباب، وهو يتبنى رأيا واحدا وهو أن تارك الصلاة كافرا، فعندما يجد الشاب والدته لا تصلي تصبح في نظره كافرة ومرتدة، ويبتعد عن البيت، فيجد الجماعة في استقباله، فهم يسعون لإبعاده عن أهله من أجل السيطرة عليه بشكل أكبر، فيوصلوه إلى مرحلة تكفير من حوله أولا، حتى يصبح في أحضانهم،
فيشكلون عقله حسب ما يريدون، وذلك من خلال قراءة بعض كتب الجهاد، فكتاب سيد إمام" العمدة في إعداد العدة للجهاد في سبيل الله" قلب دماغ نصف شباب مصر، واستقطب الكثير من الشباب للتنظيم، فاعتناق فكر سيد إمام هدف التنظيم للسيطرة على الشباب، فلا أحد يحمل السلاح في أي دولة إلا ويعتنق فكره، وكتبه تعتبر مرجعا لكل الجماعات، وفي نفس الوقت الشاب لا يجد من يرد على هذه الأفكار والكتب فيصل إلى أن يصبح جهادي، وهذا ما يحدث الآن في التنظيمات الجهادية وداعش، أما الانتحاري فيكون السيطرة عليه بشكل مختلف، فيجب أن يبتعد عن أهله وعن الدنيا كلها، وينضم لمعسكر أو منطقة معزولة حتى يتم تأهيله بشكل كاف للعملية الإرهابية، وحتى لا يجد أي شيء يؤثر عليه وعلى عاطفته ويجعله يغيّر قراره
" بوابات الجحيم".. هكذا وصف ماهر فرغلي الانضمام إلى الجماعة الإسلامية التي انشق عنها بعد مراجعة أفكاره ليخرج من تلك الجماعة التي ضمت الكثير من الشباب في تسعينات القرن الماضي.. ويتحدث عن خطة تلك الجماعة الإرهابية لغسيل عقول الشباب قائلا: الجماعة لا تنتقي عنصر لديه أفكار في أي اتجاه، فيبحثون عن العنصر الخام الذي لا ينتمي لأي أفكار أو تنظيم، ويستحثون عنده العاطفة الدينية، فيتحدثون معه عن الدين والعدل وأنه سيجد كل ما يتمناه في الدولة الإسلامية وسيكون قوي، ويتحدثون معه عن إقامة الخلافة العادلة التي بها الخليفة العادل أو المدينة الفاضلة،
ثم التحدث معه عن إقامة الدين عن طريق إقامة جماعة لها أمير وله السمع والطاعة، فيدخل في الجماعة، ويسلم لها نفسه وينسى ذاته، لأن عقله أساسا" أبيض" ليس به أي أفكار، ويستطيعون تشكيله كما يريدون، ثم يتم إدخاله في كتب التاريخ وكل الكتب التي تتحدث عن السمع والطاعة والفقه، فيجعلونه دائما يعيش في إطار الماضي، والمستقبل الوحيد هو أنه ستكون هناك خلافة، وهو عالم خيالي ووهم، وهذا ما استغله البغدادي لضم الشباب لداعش، فكلمة الخلافة تعتبر مغناطيس يجذب العديد من الشباب
ويضيف قائلا: هناك أمور مرحلية أخرى يدخل فيها الشاب، ويتم عرض فيديوهات وكتب معينة عليه، ويتعرف على شباب مثله، فيتم وضعه في دائرة بنفس الفكر ويتأثر بهم وبالمجتمع الجديد الذي دخله، لأن الجميع له لغة واحدة، فلا توجد في عقله أفكار سوى الأفكار التي تأتيه من الجماعة، وحتى المساجد يذهب للصلاة في مسجد معين تحت سيطرة الجماعة حتى لا يتأثر بأي أفكار أخرى، ثم يبحثون عن" العوائق"، وهي أي عوائق من الممكن أن تعوق الشاب عن استكمال رحلته مع الجماعة، فيقومون بهدم تلك العوائق،
فإذا كان الأهل هم العائق وأنهم يرفضون ما يقوم به توجهه الجماعة لفكرة أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وأن الدين أهم من بر الوالدين فيبعدوه عن أهله، وإذا كان العائق هو الخوف من السجون فيحدثونه عن الصبر على البلاء وثوابه، فالشاب يكون لعبة في أيديهم، أما من سيقوم بعمل عملية إرهابية فيكون له إعداد أعلى من كل ذلك، حيث يختارون أقوى الشباب وأقربهم للسمع والطاعة، ويقولوا من يريد الشهادة فيجدوا من يوافق على القيام بما يأمرونه به،
وبشكل عام هناك مذكرات الشيخ الجهادي عبد الله العدم الذي وضع خطوات لاستهداف الشباب وانضمامه لأي جماعة إرهابية، وتلك المذكرات تعتبر مرجعا لكل الجماعات الإرهابية وموجودة حتى الآن ويطبقون ما بها من أجل جذب الشباب لهم، كما لديه محاضرات عن طرق استهداف أي هدف، فهو مرجع في صناعة الإرهاب بشكل عام ومحاضراته موجودة على الانترنت