الدكتور مجدي حسين رئيس حزب العمل، كتب عدة مقالات روى فيها كواليس 4 رحلات سافر فيها مع الرئيس السابق حسني مبارك على الطائرة الرئاسية ، وذلك تحت عنوان "لقاء مع الرئيس مبارك في السماء" . الرحلة الأولى للدكتور مجدى حسين على الطائرة الرئاسية، كانت في عام 1993، حيث شنت جريدة الشعب حملة ضد انتخاب الرئيس السابق لولاية جديدة، بعدها أصدرت النيابة قرارا بحبس عادل حسين ود.حلمي مراد وصلاح بديوي وعلي القماش ومجدي حسين بتهمة قلب نظام الحكم، وتم القبض عليهم جميع فيما عدا مجدي حسين لأنه لم يكن في منزله، وظل بعيدا عن منزله لفترة، وبعد أن قرر العودة وكان وقتها يعاني من آلام في العمود الفقري، ويقول الدكتور مجدي حسين "وكانت أذني علي طرق باب الشقة أو رنين الهاتف انتظاراً لاستدعاء النيابة فالأساتذة والإخوة الأربعة تم التحقيق معهم جميعاً ولم يبق سواي. ولكن حدث ما لم يكن يمكن أن يخطر علي بال، فأنا أنتظر استدعاء النيابة، فتأتيني دعوة للسفر مع الرئيس السابق حسني مبارك إلي واشنطن" وكان الاتصال من صفوت الشريف، وزير الإعلام وقتها، وقال"أنا أدعوك مع الإخوة رؤساء التحرير لمصاحبة السيد الرئيس في رحلته الوشيكة للولايات المتحدة.. قلت وقد بلغ مني الاندهاش مبلغه : أنا شاكر جداً لهذه الدعوة، ولكن حالتي الصحية لا تسمح لي بالحركة حتي داخل الغرفة ! قال: لا يارجل أنت لما تروح الولاياتالمتحدة الروح هترد فيك وصحتك هتبقي تمام وزي البمب ! ولم أجد فكاكاً تحت هذا الإصرار سوي الموافقة، خاصة وأن السفر بعد أيام، وربما تتحسن صحتي" ويضيف مجدي حسين في مقاله "بعد أن وافقت قيادة حزب العمل على السفر، أرسلت جواز السفر للسفارة الأمريكية للحصول علي تأشيرة" ولكن السفارة الأمريكية رفضت إعطائه التأشيرة بدون حضوره، وهو رفض الذهاب لأنه مريض، يقول مجدي حسين في مقاله "شعرت بسعادة غامرة، ستحل السفارة الأمريكية المشكلة بعدم إعطائي تأشيرة، فقد كنت بالتأكيد غير مرحب جداً بالسفر وأدرك أن فيه نوعًا من الحرج السياسي، ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، وفوجئت بتأشيرة لدخول الولاياتالمتحدةالأمريكية ، واكتشفت شيئاً آخر أراحني وهو أن السفر مع الرئيس للولايات المتحدة بالذات لا يكون علي طائرة الرئاسة بالنسبة لرؤساء التحرير، حيث تكون طائرة الرئاسة مشحونة بوفد كبير يتراوح بين 200 و300 ولا أدري لماذا هذا العدد الكبير؟ ووصلتني في البيت تذكرة سفر تجارية القاهرة- واشنطن- ، وفي المطار فوجئت برؤساء تحرير الصحف الحكومية يسافرون معي علي نفس الطائرة، وقد كانت دهشتهم مروعة، فقد كنت آخر شخص يتوقعون أن يجدوه معهم في هذه الرحلة وأذكر منهم: مكرم محمد أحمد، وسمير رجب، وربما محفوظ الأنصاري، وسألوني في نفس واحد: أنت مسافر علي فين؟ قلت: معكم ، قالوا: كيف؟ ما الذي حدث؟(فقد كان من المفترض أن يحقق معي أمام نيابة أمن الدولة بتهمة إهانة الرئيس وتهم أخري لا السفر معه !!). قلت لهم: لقد سوينا كل الأمور، وسيدخل حزب العمل التشكيل الوزاري المقبل (كنت أمزح بطبيعة الحال)، قالوا وقد تضاعفت دهشتهم وتضاعف قلقهم: لا قول الحقيقة بالضبط. فرويت لهم ما حدث من مكالمة صفوت الشريف . الرحلة الثانية لمجدي حسين على الطائرة الرئاسية كانت إلى المملكة العربية السعودية، وكانت في أواخر عام1997أو بدايات1998، يقول مجدي حسين في مقاله "كنت خارجاً لتوي من معركة صحفية كبري ضد وزير الداخلية (حسن الألفي)، وحققت فيها جريدة الشعب نصراً مؤزراً لم ينتظره أحد، وكانت النخبة السياسية في معظمها تتهمني بالتهور والجنون، فكيف أدخل معركة بهذه الضراوة مع وزير داخلية في نظام استبدادي وفي ظل استمرار حالة الطوارئ حيث يصبح وزير الداخلية من أهم أركان النظام: وخرج الألفي بسبب مباشر وهو حادث الأقصر، ولكن ربط الناس بين الإطاحة به وحملتنا الصحفية. وهذه المرة- وبدون مقدمات- تلقيت دعوة لمصاحبة الرئيس مبارك في رحلة إلي الرياض. إما في ديسمبر1997أو يناير1998ولا أذكر التاريخ تحديداً، ولكن أذكر أن ذلك كان عقب خروج الألفي من الوزارة بعدة أسابيع. ولا أتذكر من الذي دعاني، ولكن أتصور أن الدعوة كانت من رئاسة الجمهورية، ولا أتذكر الآن هل كان د. زكريا عزمي أم شخص آخر. واكتشفت أنني أمام مشكلة فنية سخيفة، فجواز سفري كان عند السفارة الإيرانية لاستخراج تأشيرة، والوقت كان ضيقاً، ولم أتمكن من الحصول علي جواز السفر، فقلت سأحاول السفر فأنا علي طائرة الرئيس! ولم يكن أحد يعرف هذا السر العجيب إلا زوجتي، فقد رأيت أنه لا يصح رفض الدعوة بسبب هذا السبب التافه! رغم أنني أعلم أن رؤساء الجمهوريات والملوك يحملون جوازات سفر! وفي هذه الرحلة دخلت لأول مرة في حياتي عالم السلطة العليا، واكتشفت حجم ما فيه من إغراء ومتعة بحيث يصعب علي أي إنسان مقاومة سحره، إنه عالم أشبه بشبكة عنكبوتية مخملية كأنها تقطر عسلاً! كان الدخول للمطار من بوابة خاصة، ولا أذكر مع من دخلت وفي أي سيارة؟ المهم أنني لم أدخل من بوابات «الرعاع» حيث التفتيش وكل أمور الجوازات السخيفة، ونسيت أنني لا أحمل جواز سفر وأدركت فعلاً أنها مشكلة تافهة في عالم الكبار". ويضيف مجدي حسين في مقاله "وبعد دقائق من دخولنا الطائرة، وكنا نجلس في كابينة مخصصة للصحفيين، دخل الرئيس مبارك قبيل إقلاع الطائرة، وأخذ يصافح رؤساء التحرير، وعندما وصل إليّ رحب بي ترحيباً شديداً، وقال: أيوه كده ذقنك خفيفة، لما بتكون ذقنك كبيرة بتخوف. كنت الوحيد الذي داعبه الرئيس ربما باعتباري ضيفا جديدا علي طائرة الرئاسة، ولكن لم أدر أن هذا بداية الاهتمام الخاص بي طوال الرحلة. ويضيف "وبدأ الرئيس مبارك المؤتمر الصحفي والذي تحول فيما بعد إلي دردشة مفتوحة في كل موضوع وأي موضوع، ولم أكن أتصور أن الرئيس سيبقي جالساً معنا حتي الوصول إلي الرياض ولكن هذا ما حدث. وأضاف مجدي حسين "حرص الرئيس حسني مبارك أن يجعلني محور الجلسة من حين لآخر عبر المداعبات السياسية وغير السياسية، فعندما طلب أحد رؤساء التحرير معونة مالية لمؤسسته (غالبا كان مكرم لدار الهلال) قال له مبارك: تحدث مع مجدي فإذا وافق فأنا سأوافق! وعندما سأل أحد رؤساء التحرير عن سر اختفاء علاء مبارك ولماذا لم يعد يظهر في أي مناسبات عامة؟ قال مبارك : والله لاحظ إن الكلام كتر عليه، فآثر الاعتكاف ولكن طلع الكلام علي علاء آخر، علي علاء مجدي حسين، ولم أفهم الدعابة فقلت له : أنا أولادي صغار ولا علاقة لهم بالبيزنس! فقال أحدهم(ربما جلال دويدار): يبقي أنت مفهمتش! فقلت له: الآن فهمت!! (أي أنه يقصد علاء الألفي نجل حسن الألفي الذي كانت حملتي مركزة عليه).. وضحك الجميع. وعندما طلب أحد رؤساء التحرير مطلباً مالياً آخر لمؤسسته، قال له مبارك خذ من مجدي حسين ده معاه فلوس كتير! ولم أقبل الدعابة هذه المرة.. وقلت: معروف عننا أننا أفقر السياسيين في هذا البلد. ويبدوا أن كلامي كان بصورة حادة فقال بعض رؤساء التحرير يا أخي الريس بيمزح معك. وربما بسبب موقفي الحاد توقف الرئيس مبارك عن المزاح معي! وأضاف مجدي حسين "هبطت الطائرة، ثم ركبنا سيارات إلي أحد القصور الملكية. ووجدتني بجوار اللواء عمر سليمان مدير المخابرات العامة الذي ألقاه لأول مرة، وكان خلال الرحلة يطل علينا من باب الوزراء ليتابع بعض الحوارات لبعض دقائق ثم يدخل غرفة الوزراء، وكنت أتساءل هل يتعالي علي هذه الدردشات بين الصحفيين والرئيس، أم أن طبيعة عمله تلزمه بعدم المشاركة في مثل هذه الدردشات. ولذلك عندما التقيت به في بهو القصر كنت أحترم صمته، لكنه بادرني بالتحية وقال لي: أنت تحمل دوسيهاً أحمر، وقد انتهي عهد الشيوعية!! وضحكنا، وقال لي: تعالي نجلس.. ولا أدري لكم من الوقت أتيح لنا الاستمرار في الحوار، لأنه سرعان ما دعينا لتناول الغذاء. ورغم قصر الحوار فقد شعرت بارتياح لشخص اللواء عمر سليمان ولثقافته السياسية غير المعهودة لدي المسئولين المصريين. وفي المطار بعد العودة صافحت اللواء عمر سليمان وقلت له: أرجوا أن نلتقي مرة أخري لأن هذه المرة لا تحتسب. قال : إن شاء الله ، لكن لم نلتق أبداً بعد ذلك". وكانت هناك رحلات أخري تكلم عنها مجدي حسين بالتفصيل ، ولكن في خلال هذه المقالات ركز مجدي حسين على مفهوم الوجاهة الذي يعطيه السفر على الطائرة الرئاسية، وكم الإغراء الذي يخدع اي شخص مهما كانت قوته ومعارضته للنظام، حيث قال عن رحلته إلى السعودية "وفي هذه الرحلة دخلت لأول مرة في حياتي عالم السلطة العليا، واكتشفت حجم ما فيه من إغراء ومتعة بحيث يصعب علي أي إنسان مقاومة سحره، إنه عالم أشبه بشبكة عنكبوتية مخملية كأنها تقطر عسلاً!" وقال ايضا "لقد عدت إلي منزلي من المطار لأول مرة دون تفتيش حقائبي، ودون ركني لمدة نصف ساعة حتي تقوم الأجهزة الأمنية بفحص جوازي، بل دخلت مصر كما خرجت دون جواز سفر ، سرحت في خيالات بين المطار والروضة، في الفارق المهول بين أن تكون مستضعفاً مستهدفاً من أصغر مخبر وبين أن تسير في ركاب الرئيس. إن أخطر شيء في هذه الصلة، أنك تشعر بأمان دنيوي، فأنت تلتقي عدة مرات في السنة برئيس الجمهورية؟ فمن الذي يتعرض لك، أو يصنع معك مشكلة، كما أنك إذا واجهت مشكلة غير عادية في حياتك، فيمكن خلال مثل هذه الرحلات، أن تهمس في أذن الرئيس أو الوزير لتحل. لذلك قدرت أن من يدخل تحت هذه الشبكة المخملية لابد أن يسلم أوراقه وأن يتحول إلي إنسان مطيع حتي لا يطرد من هذه الجنة ( جنة طائرة الرئيس). والحقيقة فقد كنت أفكر في الإغراء الذي يمثله ذلك للآخرين، وكنت أتخيله، ولكن ليس من رأي كمن سمع". بوابة الشباب سألت الدكتور مجدي حسين، عن هذه العبارات، وقلنا له، هل معني ذلك أن كل من كانوا يسيرون في ركب السلطة، وينفذون تعليمات نظام مبارك معذورون، وأنه هذه الإغراءات منعت الكثيرين من ان يقولوا لا؟ فقال: طوال تاريخ مصر كان هناك أشخاص يقولون "لا" للظلم وللفساد، ولكن المشكلة أن أغلبية النخبة في مصر خلال حكم الرئيس السابق حسني مبارك، وقعوا في المصيدة، وكان هذا تحد كبير وفخ نصبه النظام، وخطة لشراء وإفساد النخبة بعدما تبين فشل حملة الاعتقالات التي قام بها السادات ضد النخبة في عام 1981، وبدلا من ان يصطدم نظام مبارك بالنخبة المثقفة مثلما فعل نظام السادات، قرر أن يفسد النخبة، من خلال الإغراءات المقدمة، من الإقتراب من السلطة، والسفريات، والتعيين في مجلس الشوري، والتمييز بين بعض الكتاب. وأضاف مجدي حسين أنه مثل هذه الإغراءات لم تؤثر فيه، لأنه إذا كان لديه استعداد للتنازل كان قد قدمه من وقت مبكر، ولكن ما كان يريده هو إيجاد علاقة صحية بين حاكم وصحفي معارض، ولكن ما اكتشفه خلال الرحلات ال4 هو محاولة لاستقطابه، وكسر عينه وليس حبا من النظام فيه. وعندما سألناه عن إشادته بعمر سليمان نائب الرئيس السابق في مقاله قال: أنا كنت مخدوعاً فيه، بسبب ما كنا نسمعه عنه، فالدقائق المحدودة في الكلام لا تعطي فرصة لفهم الشخص الذي تتحدث معه، وما كان يقال عن عمر سليمان أنه أكثر عداء لإسرائيل وأمريكا من مبارك وأكثر ثقافة كان نوع من الإنطباع السطحي، روج له عناصر صحفية لها علاقة بعمر سليمان، ولكنه عندما تولى المسئولية كنائب لرئيس الجمهورية، لم يقل كلمة واحدة مقبولة. وعندما قلنا له من هو الأكثر قوة في عصر مبارك فقال: لا تستطيع أن تحدد شخصا معينا سواء كان زكريا عزمي أو صفوت الشريف أو كمال الشاذلي، فكل شخص كان قويا في مجالا والمنطقة المتاح له أن الحركة فيها، ولكن بحكم كون زكريا عزمي رئيس الديوان والمقرب من مبارك وذراعه الأيمن فهو كان الأقوى.