أمل والعزبي دخلا الحقوق والعلوم... وعبدالفتاح "كفيف" صار معيدا في الألسن.. وسارة درست الطب والاقتصاد معا مع ظهور نتيجة امتحانات الثانوية العامة تمتلئ البيوت بمزيج من مشاعر الفرحة والحزن، ويشترك الجميع في مشاعر ترقب نتيجة التنسيق، حيث يكلل البعض جهده بالالتحاق بالكلية التي يفضلها، بينما لا يحالف آخرين الحظ. وقد جرت العادة على تسليط الضوء على أوائل الثانوية العامة، البعض يرسم لهم في مخيلته صورة أشبه ب"نجيبة متولي الخولي" بطلة فيلم "الثلاثة يشتغلونها"، حيث ظهرت الأولى على الثانوية العامة في صورة الطالبة "الدحيحة" التي لا تعرف شيئا عن الحياة سوى الكتب، بينما تتعثر في سنوات دراستها الجامعية ولا تتمكن من الحفاظ على تفوقها. "الشباب" قررت اقتفاء أثر أوائل الثانوية العامة لدفعة 2011، الذي أتموا هذا العام تخرجهم، عدا طلاب الطب، لتتابع وترصد عن كثب ما حققوه، وكيف سارت حياتهم بعد الثانوية. بداية ذهبنا إلى كليتين من الكليات التي لا يعتبرها البعض من "كليات القمة"، إلى علوم القاهرة، وحقوق عين شمس، لنجد أحمد العزبي خريجا في الأولى، وأمل السعيد خريجة في الثانية، على غير ما قد يتوقعه الكثيرون. احتجت أمل محمد السعيد على تسمية "كليات القمة"، معللة ذلك بأن كل تخصص له أهميته في المجتمع ولا يمكن الاستغناء عنه، ولا يمكن أن يكون المجتمع كله أطباء ومهندسين، ولو طرحنا –جدلا- فكرة الاكتفاء بكلية الطب والهندسة وإلغاء بقية التخصصات والوظائف سنكتشف حجم الخلل الذي سيصيب حياتنا. وتنصح أمل أولياء الأمور قائلة: "دعوا لأبنائكم حرية الاختيار، هم الأدرى بقدراتهم وميولهم، كما تنصح الطلاب بالحوار الشفاف مع الأهل حول فرص العمل التي يتمنى الطالب الالتحاق بها بعد تخصصه في مجال معين، فلا يمكن أن يكون المبدأ عند الطالب أو الأسرة هو "التجربة والخطأ" وإنما يجب أن تكون هناك رؤية واضحة وهدف من دخول أي مجال". وتضيف الثامنة على الشعبة الأدبي في الثانوية العامة 2011، أنها دخلت الشعبة الإنجليزية في كلية الحقوق جامعة عين شمس بكامل إرادتها لحبها لدراسة القانون، رغم تلقيها عدة فرص لمنح في جامعات خاصة، وبالفعل حصلت على المركز الخامس على دفعتها بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وتحضر حاليا دبلوم في القانون الخاص، وماجستير، تعمل في مكتب محاماة لتكتسب الخبرة إلى أن يحين فرصة التقديم في النيابة. وعن ذكريات الثانوية تقول أنها كانت الفترة الأكثر توترا وقلقا ولكن بعد انتهائها ستكتشف أنها أجمل فترات حياتك، ففيها تكون أكبر مسئولياتك هي دراستك، والتي لا تقارن بضغوط العمل ومسئوليات ما بعد التخرج. وتنصح أوائل الثانوية بالاستمتاع والاستفادة من تجربة السفر إلى الخارج في الرحلة الترفيهية التي تنظم لهم، ثم العودة للتفكير بجدية في الكليات التي يفضلون الالتحاق بها، وفي مستقبلهم بشكل عام، فهذه ليست نهاية الطريق، وأهم شيء هو اختيار الكلية الأقرب لميولهم بغض النظر عن مسمياتها¬¬¬¬. أما أحمد العزبي فهو "أينشتاين" مصري، أو نسخة مصغرة و"وريث علمي" للدكتور مصطفى مشرفة، بمجرد الحديث معه تشعر بأنه عبقري أكثر من اللازم، ومع ذلك يقول: "بكره العيال الأوائل الدحيحة اللي بيقعدوا يخبوا دول!". العزبي هو الخامس مكرر على الجمهورية علمي رياضيات، التحق بقسم الفيزياء والرياضيات في كلية العلوم جامعة القاهرة، وتخرج بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وحصل على المركز الأول على القسم والدفعة، في واحدة من أصعب الأقسام والكليات العلمية في الجامعة، وعن اختياره يقول: "اخترتها لأنني أحب الفيزياء النظرية والرياضيات، هندسة لم تكن مناسبة لي، عقلي يميل إلى الأمور المجردة والنظرية"، وبمجرد تخرجه التحق بمركز تدريب الفيزياء النظرية في مدينة زويل، وعُيّن معيدا في المركز، في انتظار تعيينه معيدا في جامعة القاهرة، كما تعلم اللغة الألمانية في معهد جوتة وحصل على دورة اللغة كاملة. أما عن الكليات فيقول: "أساس الاختيار تحمل المسئولية، على الطالب أن يتحمل مسئولية قراره واختياره، وعلى أهله أن يتركوا له فرصة الاختيار، لأنهم لن يعيشوا معه دائما، أنا اخترت كلية العلوم بالرغم من منحة الهندسة التي قدمتها لي الجامعة الألمانية، كان يمكنني النجاح في الهندسة أيضا، ولكنني أبحث عن التميز وليس مجرد النجاح". وفي كلية الإعلام بجامعة القاهرة، قابلنا سارة عبدالحميد إمام، المعيدة بالكلية، والتي كانت الثامنة على الشعبة الأدبية، والتي أشارت لنا أنها فضلت الالتحاق بكلية الإعلام، والتي كانت أحد أحلام حياتها، وأشارت إلى أنها حصلت على المركز الثاني على الشعبة الإنجليزية في الكلية عند تخرجها، وتم تعيينها كمعيدة، وتضيف أنها خلال سنوات دراستها لم تكتف بالانقطاع للدراسة النظرية، وإنما شاركت في محطة راديو "ماجنولوجي" على الانترنت، كمذيعة وسيناريست، وقدمت فيها برنامج اسمه "نضف ودانك"، ثم اشتركت في برنامج إذاعي على محطة "ساقية الصاوي" اسمه "اللي فات مماتش". وأضافت معيدة الإعلام -التي تتأهب لتبدأ أولى خطواتها في الدراسات العليا- أنها اشتركت لمدة سنتين في منظمة دولية للتبادل الثقافي اسمها AIESEC ، وسافرت معها في معسكر شبابي إلى روسيا حيث عملت كمدرسة للغة الإنجليزية للأطفال، وهناك اكتشفت قدراتها على التدريس والشرح. وتنصح سارة التي تعتبر الثانوية العامة بالنسبة لها "ذكرى جميلة" الطلاب قائلة: "تذكر أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، ابذل قصارى جهدك وسيكون الله بجوارك دائما". وتوجه سارة رسالة إلى أوائل هذا العام قائلة: "نتيجتكم ستظل أهم وأكبر إنجاز حققتموه، ومصدر فخر دائم لكم، استمتعوا بهذه الفترة قدر المستطاع وكونوا أصدقاء العمر، وحافظوا على نجاحاتكم في الحياة الجامعية، فالوصول إلى القمة ليس هو الصعب وإنما الحفاظ عليها". واتفق معها أحمد محمد عبد الفتاح، أول الثانوية العامة للمكفوفين في نفس العام الذي تم تعيينه معيدا في كلية الألسن بجامعة عين شمس، حيث قال للأوائل الجدد: "هذه بداية الطريق، والتحديات التي ستقابلونها أكبر وأصعب". ويضيف عبدالفتاح: "كان طموحي الالتحاق بكلية لها علاقة باللغة العربية، وبالفعل دخلت قسم اللغة العربية بكلية الألسن جامعة عين شمس، وتخرجت فيه بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وحاليًا أنا معيد في القسم واستعد للدراسات العليا". ويتابع عبدالفتاح متحدثا عن فترة حياته الجامعية: "على مستوى الأنشطة في الجامعة، كنت عضوا لفترة في أسرة صناع الحياة عين شمس، وفي نشاط طلابي اسمه SSP، وعملت ككاتب في مجلة VOCAL online magazine ومؤخرًا في نفس المجلة كمدرب، وحصلت على مركز متقدم في كتابة القصة القصيرة على مستوى الجامعة، وعلى لقب شاعر الكلية لثلاث سنوات على التوالي، والمركز الثالث كطالب مثالي على مستوى الكلية، كما تأثرت بالاضطرابات السياسية في مصر في السنوات الأخيرة ومظاهرات الجامعات، وكنت من المشاركين فيها على فترات". ويختتم "طه حسين" الجديد كلامه قائلا: "الثانوية العامة مرحلة صعبة وفاصلة في حياة كل طالب مصري، ولكنها أيضا من أجمل الأوقات، أصدقاؤها لا يمكن تعويضهم، وفرحة نجاحها لا يعادلها شيء آخر.. كانت أيام حلوة بجد!". "نحن نكتشف أنفسنا طوال الوقت".. هكذا قالت سارة علي بهجت الخامس مكرر على شعبة علمي علوم، سارة قصة كفاح ونجاح عجيبة، حصلت على منحة لدراسة الاقتصاد في الجامعة الأمريكيةبالقاهرة، واستمرت بها عاما كاملا قبل أن تقرر الالتحاق بكلية الطب بجامعة القاهرة، بالتوازي مع دراسة الاقتصاد، وبالفعل حققت المعادلة الصعبة، واستطاعت الجمع بين الدراستين، لتنهي دراسة الاقتصاد وتحصل على المركز الأول على دفعتها. وتقول سارة: "كانت تجربة مثيرة، كنت أحب الاقتصاد ولذلك قررت دراسته، ومع الوقت شعرت بأنني في حاجة إلى دراسة الطب، شيء ما بداخلي كان يناديني لأتخذ هذا القرار، الاقتصاد دراسة بحاجة إلى تفكير عميق ونشط، والطب يحتاج دراسة مكثفة وجادة، ودراستهما معا ساعدتني في تكوين شخصيتي وأضافت لي الكثير من الخبرات والمهارات". وتضيف أنها عملت لمدة خمسة فصول دراسية كمساعد تدريس، في الجامعة الأمريكية، منها فصل بعد التخرج، وحاليا تحصل على تدريب صيفي في منظمة الصحة العالمية في برنامج (اقتصاديات الصحة) الذي يهتم بدراسة الشئون الاقتصادية والإدارية للمنظومة الطبية في مختلف الدول وتقويمها. وعن سر نجاحها تقول: "في البداية والنهاية هو توفيق من الله سبحانه وتعالى، إلى جانب دعم أسرتي لقراري، وعدم تعنتها معي أو معارضتها للجمع بين دراستين، كانوا يقولون لي أنها حياتي وعليّ أن أقرر بحرية". وتشير إلى أن التجربة شهدت بعض الصعوبات فأحيانا كانت الجداول الدراسية تتعارض، وكان بعض الأساتذة يتعاونون معي في مرونة الحضور في أيام أخرى، والبعض لم تكن لديهم المرونة الكافية، ولكن في جميع الحالات كنت أحرص على ألا أطلب ما هو ليس من حقي، ولم أكن أقول لمعظمهم أنني أجمع بين الدراستين، حتى لا يتعاطف معي أحدهم بدرجات ليست من حقي. وتختتم حديثها موجهة رسالة إلى الطلاب وأولياء الأمور: "فكروا في اختيار الكليات بشكل منطقي واختاروا ما تحبوه لتتميزوا فيه، ولا تنقادوا خلف التنميط السائد في المجتمع". "خدمة الناس هي الغاية الأسمى من كل دراستنا".. هكذا قال أيمن سعيد عطية صقر الثاني على الجمهورية شعبة علمي رياضيات أن التحق بكلية الهندسة في الجامعة الألمانية لعلمه بإمكاناتها العلمية الهائلة، ولحصوله على منحة دراسة مجانية فيها، وبفضل الله، وباجتهاده، استطاع الحفاظ على المنحة، وكذلك الحصول على منحة دراسة ماجستير في ألمانيا، بعد حصوله على تقدير امتياز. وأضاف صقر: "سنوات الجامعة مختلفة كليا عن المدرسة، تعلمت فيها أن التعليم بدون تطبيق، وبدون أن نعي لماذا ندرس ونتعلم، إهدار للوقت". ويشير إلى أن أجمل تجربة في الحياة الجامعية هي اكتساب الأصدقاء من الطلاب والمعيدين والأساتذة، سواء في إطار الدراسة أو الانشطة الطلابية العديدة التي شارك فيها مثل IEEE و AIESEC واللي سافر من خلالها إلى تركيا، وتعلم منها مفهوم ال"Global Citizen "، والذي يعني "المواطن العالمي المتساوي مع كل البشر بلا تمييز"، كما اكتسب مهارات الثقة في النفس والعرض أمام الجمهور بلا رهبة، وأن يعرف ذاته ويفخر بها ولا يقلد الآخرين. ويختتم صقر حديثه بنصيحة للطلاب قائلا: "الحياة الجامعية فترة لا تعوض، جرب فيها كل ما هو مفيد، لا تجعل المذاكرة والتقديرات تشغلك عن الأنشطة الطلابية، مارس الرياضة، تناول طعاما صحيا، حافظ على صحتك، الصحة ستساعدك على المزيد من الإنتاج والإنجاز، اعرف الله بعقلك، أيا كانت ديانتك، ناقش وحلل لتفخر بنفسك عندما تصل إلى الحقيقة، اجعل إسعاد الأخرية غايتك، تضمن الحماس الدائم طيلة حياتك، وازن بين متطلبات حياتك المختلفة، ولا تستسلم للعقبات بسهولة".