- الأديب الكبير سعيد الكفراوي: - رويت لنجيب محفوظ ما حدث لي في المعتقل.. فقال لي" انت إسماعيل الشيخ" - تعرضت لعنف وسمعت صرخات من وراء الزنازين.. ولكن الفيلم كانت به مبالغات بسبب "صراع الأنظمة السياسية" - ذهبت للسؤال عن نجيب محفوظ في مقهي ريش منذ 50 عاماً .. ومن يومها مازلت أجلس في نفس مكاني - كتبت قصة قصيرة اسمها "المهرة".. وبعدها بأيام أصبح اسمي "23" - كانوا يتهمونني فى الصباح بالانتماء للإخوان.. وفى المساء يحققون معى باعتبارى شيوعياً - محفوظ إلتزم في الرواية بكل شيء رويته له .. لكنه أضاف الكثير من خياله مثل شخصية "زينب" وطلبة الجامعة - صلاح نصر اتهم نجيب محفوظ بتقديمه فى صورة "خالد صفوان" ..والرقابة اشترطت تغيير النهاية لعرض الفيلم - ممدوح الليثي رفض ترشيح أحمد زكي لبطولة الفيلم لأن شكله لا يصلح لدور حبيب سعاد حسني..وأحمد مظهر رفض الاساءة لصديقه عبد الناصر - كمال الشناوي أطفأ سيجارته في جسد محمد صبحي ليبدو المشهد طبيعياً .. وسعاد حسني طالبت بالنهاية المحذوفة انتهي الأديب الكبير نجيب محفوظ من كتابة رواية " الكرنك " عام 1971.. ومنذ 40 عاماً تقريباً كان هناك عرض خاص لفيلم " الكرنك " في حضور أبطاله ومخرجه وغياب الجمهور والصحفيين.. فقط حضره مسئولون عن الرقابة ووزير الثقافة والذين طلبوا تغيير أحداثه لتنتهي بقرارات 15 مايو التي قام بها الرئيس السادات، وذلك على خلاف رواية نجيب محفوظ التي تنتهي بنكسة 1967، وحتى يتم عرض الفيلم.. تم تغيير النهاية حسب التعليمات، وأصبح الفيلم ضمن أهم 100 فيلم في تاريخ السينما العربية، ولكن طوال السنوات الماضية لم يتوقف السؤال حول مدي مصداقية ما تم عرضه.. وهل كان حقيقياً أم لمجرد " تصفية الحسابات السياسية " ؟ والآن حان وقت الإجابة من البطل الحقيقي للفيلم والذي لن يكتفي فقط بالكلام لأول مرة، بل سيقوم كذلك بدور الراوي والمحرك الرئيسي لأحداث الفيلم والرواية منذ بدايتها. كواليس الفيلم الفيلم أحدث ضجة وقت عرضه، ليس فقط بسبب مشهد الاغتصاب الذى أدته سعاد حسنى بجرأة، ولكن أيضاً بسبب الدعوى القضائية التى رفعها صلاح نصر، رجل المخابرات القوى فى عهد عبد الناصر، ليطالب فيها بمنع عرضه باعتباره يتعرض له ويقدمه فى صورة " خالد صفوان" ، ورفضت المحكمة دعواه وحكمت بمواصلة عرض الفيلم، وعندما سمح الرئيس السادات بعرضه شن الناصريون حملة ضد نور الشريف وجميع أبطال الفيلم واعتبروه يهدف إلي تشويه صورة عبد الناصر، أما وزير الثقافة وقتها يوسف السباعي فكان معترضًا على وجود شخصية "حلمي " المثقف اليساري التي أداها الفنان محمد صبحي ، وطلب من صناع الفيلم توضيح أن نظام السادات ليس له يد في مسألة التعذيب الذي كان يحدث بالسجون في الستينيات.. ولذلك – كما قلنا – تم تغيير النهاية، وهناك فيلم آخر وهو " أهل القمة " تم إنتاجه في عام 1981 خلال فترة الرئيس السادات ومنعته الرقابة من العرض بدون إبداء أسباب .. وبعد مشاهدته وافق الرئيس شخصياً علي عرضه رغم أنه يهاجم سياساته، والغريب أن هذا الفيلم كان روايته ل " نجيب محفوظ " وأبطاله " سعاد حسني " و " نور الشريف "ومخرجه " علي بدرخان ".. أى نفس فريق عمل " الكرنك "! ، وكواليس تصوير هذا الفيلم كانت بها مفارقات كثيرة ، فكان من المفترض أن يؤدي الفنان الراحل أحمد زكي شخصية "إسماعيل الشيخ" ، ولكن المنتج وكاتب السيناريو ممدوح الليثى رفضا تماماً .. وكان يرى أن أحمد زكى " شكلاً ولونا" لا يصلح أن يكون حبيب " سعاد حسنى "، وتم استبداله بالفنان نور الشريف، وكان صلاح جاهين هو المستشار الفني لفيلم " الكرنك" وغضب بسبب موقف المنتج من أحمد زكي .. فصمم أن يقوم ببطولة فيلم " شفيقة ومتولي" والذي قامت ببطولته ايضاً سعاد حسني وأخرجه كذلك علي بدرخان، أما الفنان محمد صبحي فقال إن مشهد تعذيبه في الفيلم كان حقيقًا وأن الفنان كمال الشناوي اطفأ السيجارة في جسده فعلاً رغم أنه في "بروفات" الفيلم كان من المفترض أن يطفئها على "بلاستر" موضوع على بطنه، ولذلك كان صراخه حقيقياً بسبب حرق السيجارة من جسده، أما كمال الشناوي والذي أبهر الجميع بأدائه شخصية " خالد صفوان " فهو أصلاً لم يكن المرشح الأول للدور.. فقد تم ترشيح جميل راتب ولكن "لكنته" الغريبة منعته من الاستمرار بالفيلم، كما سبقه الفنان أحمد مظهر والذي رفض بسبب علاقته القديمة بالرئيس عبد الناصر، ولكن هذه العلاقة لم تمنع صلاح ذو الفقار من المشاركة بالفيلم.. علماً بأنه اصلاً تخرج في كلية الشرطة ، ونفس الحال بالنسبة للفنان الكبير فريد شوقي والذي كانت علاقته جيدة جداً بالرئيس عبد الناصر ولكنه اعتبر الفيلم هجوماً علي سلبيات لعصر وليس انتقاصاً من شخصية الزعيم الراحل ، كما كان ضمن ابطال الفيلم الفنان علي الشريف والذي تعرض بالفعل لفترة اعتقال خلال عهد الرئيس عبد الناصر حينما كان متهماً في قضية " قلب نظام الحكم". صراع بين نظامين سعاد حسني دافعت خلال حوار صحفي مع مجلة "الكواكب" عام 1987 عن فيلم " الكرنك" وقالت إنه كان يظهر أخطاء الثورة ولم يُنكر عظمتها ، ولأن الفيلم كان يركز على شخصية " خالد صفوان" فإن الرقابة لم تُجز الفيلم إلا بعد إضافة المشهد الأخير والخاص ب " ثورة التصحيح" ، وقالت إنها تتمني أن يُحذف الجزء الأخير وتظل نهاية الفيلم مفتوحة كما كانت، لكن قبلها بسنوات – بالتحديد عام 1980 – أكد كاتب السيناريو والحوار ممدوح الليثي، وهو أصلاً كان ضابط شرطة ، في حوار صحفي أن الرقابة رفضت الفيلم في بادئ الأمر بسبب مشاهد التعذيب والاغتصاب، لكن ممدوح سالم، رئيس الوزراء وقتها وهو ايضاً كان ضابط شرطة ومسئولاً عن أمن الرئيس عبد الناصر الشخصي في الفترة بين 1960 1967 ، طلب مشاهدة الفيلم قبل الموافقة عليه وبعدها قال"الحقيقة أقسى من الخيال، وما كان يحدث في المعتقلات لا يتحمله أى أحد، لكن يمكن تغيير النهاية بإضافة حدث ثورة التصحيح والقبض على خالد صفوان "، وعموماً.. هذا الفيلم فتح الباب لسلسلة أخري من الأفلام التى فتحت النار علي عصر عبد الناصر مثل " حافية على جسر الذهب " عام 1976 لعاطف سالم و "وراء الشمس" لمحمد راضي و"أسياد وعبيد" لعلي رضا و " طائر الليل الحزين " ليحيي العلمي وكلها ظهرت عام 1977 و " القطط السمان " لحسن يوسف سنة 1978 و"احنا بتوع الاتوبيس" لحسين كمال عام 1979 ، لكن بالعودة للرواية .. سنجد أنها الوحيدة من بين عشرات الروايات التي سجل نجيب محفوظ في نهايتها تاريخ الانتهاء من كتابتها - ديسمبر 1971 - وبهذا التوثيق كأنه يتبرأ من ركوب موجة الهجوم على عبدالناصر، ويعلق الأستاذ سعيد الكفراوي قائلاً: بأمانة شديدة الفيلم افتعل قسوة غير موجودة بهذا الشكل، خاصة في مشهد الاعتداء علي سعاد حسني والذي كان نابعاً من الرغبة في إدانة النظام السياسي السابق، بل يمكن اعتباره ضمن حملة تصفية حسابات بين نظامين، وقتها كانت الأنظمة تتعارك.. وأنا شعرت بأن الفيلم كان يمكنه الظهور فنياً بشكل أفضل لأن المبالغة اضرته، فالعنف كان موجوداً طبعاً ولكن بطريقة مختلفة ، أنا تعرضت لعنف وسمعت صرخات من وراء الزنازين، لكن "أهل اليسار" كانوا الأقل تعذيباً لأنهم يعارضون بالكلمة بلا سلاح او قنابل وأقصي تهمة حقيقة كانت ضبط ماكينة طباعة وكتب عندهم، والمسألة ليست مجرد ضرب وإهانة كما حدث بالفيلم لأن ما يحدث وراء القضبان أعمق بكثير، في مرة كانوا يتساءلون عن أسوأ ما يخاف منه السجين، البعض قال التعذيب وآخرون قالوا الصعود للجبل أو الاهانة أو تنظيف الحمامات، لكن الأعمق من قال "طلوع الفجر" .. لأن بعده تنتظر كل شيء! الثمن بعد هذا الفيلم يعرف الملايين اسم " فرج ".. المخبر الذي اعتدي علي سعاد حسني وكان يمثل قمة أدوات القهر، لكن الغريب أن الممثل نفسه لا يتذكره أي احد.. وكأن المخرج كان مصمماً علي اختيار شخص مجهول ليؤدي مهمة ثم يتراجع للظل، المهمة هي الأصل وليس ضرورياً التركيز علي من يقوم بها، وهذا الممثل اسمه الحقيقي "علي المعاون" ولم يظهر تقريباً في أدوار أخري بعد ذلك، عموماً.. قبل أن تداهمنا كلمة " النهاية " علي تيتر الفيلم .. وبعد 46 عاماً من صدور " الرواية ".. سألت الكاتب الكبير سعيد الكفراوي: هل أنت راض عن الثمن الذي دفعته .. ولو عاد بك الزمن هل كنت كتبت " المُهرة "؟ صمت قليلاً ثم قال: أنا في أحيان كثيرة انسي أن صديق عمري محمد عفيفي مطر مات وأنزل من بيتي وأذهب إلي مقهي البستان لأنتظره.. وعندما يتأخر عن موعده المعتاد أتذكر أنه مات فأرجع للبيت، أنا لم أعرف في حياتي إلا هؤلاء.. 50 سنة لم أغير مكاني ولم اكن جزءاً من سلطة ولم تكن لي وظيفة .. أنا لم أعمل في حياتي أجيرا عند أحد ، فقط عشت فلاحاً مرتبطا بقريتي وزمنها وبشرها الذين كانوا مادة الكتابة ورفقة الحياة ، وطول الوقت انا في صف المعارضة ..حكايتي بدأت هكذا .. وستنتهي هكذا ، نعم إنتاجي قليل ولكنه في برج القبول .. ولا تتبق لي سوي حفنة من سنين لا أعرف عددها ولكنني أشعر باقتراب خطوات الأبدية، أكتب بضمير مستريح وتتغير أمامي أشكال الناس بحكم أنني موغل في العمر.. مازلت أجلس علي مقاهي المثقفين وحولي الشاب الصغير وابن جيل السبعينيات.. كنت سألتني عن الثمن الذي دفعته.. سأقول لك، منذ 5 شهور ضاع جواز سفري بعدما تعرضت زوجتي لسرقة حقيبتها وبها بعض أوراقنا، ذهبنا لاستخراج بدل فاقد.. ومر الوقت وحصلت زوجتي علي جواز سفرها بينما لم يأت جوازي، كلما أسأل يقولون لي " لسه ماجاش"، ثم جاء لي مخبر وذهبت إلي المرور وهناك قابلت ضابطاً برتبة عميد. وقال لي " إيه أخبار قريبك بتاع الإخوان؟" ، قلت له " قريبي مين؟ " .. فرد " اللي كان محكوم عليه ب25 سنة " .. كان يتكلم عن شخص محكوم عليه منذ 51 سنة ومات منذ 20 سنة.. نفس التهمة القديمة التى سألوني عليها منذ 46 عاماً ، وعادوا ليواجهونني بها وعمري 77 عاماً، غضبت بشدة وأنا أقول له " هو أن لسه ليا ملف عندكم؟ " لم يرد عليّ ، ثم حاول إرضائي بلطف وأدب وكان محترما معي، تركته وبداخلي مرارة لا توصف.. باختصار: لو جزء من مصيرك تم سجنه.. سيظل بطحة علي رأسك مهما طال الزمن.. سيلاحقك حتى تموت.