اللهم اغفر لنا .. لحظة واحدة من فضلك .. فالمغفرة تحتاج الى توبة .. والتوبة تعنى الاعتراف بالخطأ .. والندم عليه .. والاعتذار عنه .. والرغبة الصادقة فى عدم الرجوع اليه .. والاعتذار يحتاج الى شجاعة .. والشجاعة صفة لا يملكها الا الاقوياء .. و يقولون ان الفرق بينها وبين الجبن شعرة .. فمثلا لو ان شخصا أضعف منك ضربك .. او شتمك .. وانت تعرف انك لو امسكته تستطيع ان تقتله والناس يعرفون ذلك .. لكنك قررت ان تسامحه فأنت فى هذه الحالة شجاع .. ولو لم تسامحه فانت مفترى .. اما لو اعتدى عليك شخص اقوى منك .. ولانك تعرف جيدا انك لاتقدر عليه فقررت بينك وبين نفسك ان تسامحه .. فأنت جبان .. واذا قررت ان تثأر لكرامتك فأعد له ما استطعت من قوة ثم اضربه على أم راسه .. ولان حضرتك – بحكم العشرة – تعرف اننى لا افهم فى السياسة فاننى استأذنك فى ان افكر معك على طريقة محمد على كلاى الذى كان "يتنطط " كالفراشة ويلدغ كالنحلة .. اطرح عليك بعض الاسئلة ولا اعدك بان تجد عندى اجابات .. وكان الكاتب الكبير مصطفى امين يقول : دور الصحفى ان يطرح اسئلة وليس عليه ان يقدم اجوبة .. والحكاية اننى اندهشت جدا فى الايام الماضية من حالة الجدل التى ثارت بعد قتل اسرائيل لجنودنا على الحدود .. وما تلاها من اسف اسرائيلى مزيف نتج عنه مظاهرات غضب شعبى مصرى تجلت شعبيا فى انزال علم اسرائيل من فوق مبنى السفارة .. وانتهت رسميا باقامة جدار عازل يحيط بمبنى السفارة .. حدث ذلك بالتوازى مع الموقف التركى الشجاع ضد اسرائيل بطرد السفير اعتراضا على ما حدث فى ازمة اسطول الحرية .. فتركيا كانت تصر على ان تعتذر اسرائيل عن عدوانها الهمجى على اسطول الحرية الذى كان متوجها لفك الحصار عن قطاع غزة والذى اسفر عن مقتل 9 اتراك لكن اسرائيل رفضت الاعتذار عما فعلته .. والسؤال الذى شغلنى هو : لماذا كانت تركيا تصر على طلب الاعتذار .. وما الذى يفيده بعد كل ما حدث؟ وعلى الجانب الاخر .. ماذا تخسر اسرائيل اذا قدمت اعتذارا عن جريمة لاتغتفر ؟ الدكتورة ميليسا نوبلز، استاذة العلوم السياسية فى معهد ماساتشوسيتس .. اجابت عن اسئلتى فى كتاب عنوانه (انواع المواطنة ) قالت : الهدف من الاعتذار ليس الاعتذار فى حد ذاته، ولكن ما يحدث بعده فالاعتذار يصبح مفيدا إذا أدى الى تغيير فى السياسات، ويصبح مجرد تكتيك سياسى أو شخصى إذا لم يؤد الى ذلك .. وبناء عليه يصبح الاعتذار الذى كانت تطالب به تركيا والذى تطالب به مصر الان ايضا بلا قيمة حقيقية حتى اذا اعتذرت اسرائيل وهو ما لن يحدث .. ولعلم حضرتك فان جامعة الدول العربية سبق ان طلبت من اسرائيل ان تعتذر للعرب عن شن حرب 1967 لكن اسرائيل رفضت الاعتذار .. اما اشهر الدول التى اعتذرت عن جرائم رأت انها ارتكبتها فكانت المانيا التى اعتذرت (فى معاهدة فرساى) عن دورها فى بداية الحرب العالمية الأولى، ووافقت على دفع تعويضات .. واعتذرت المانيا مرة أخرى بعد الحرب العالمية الثانية عن محرقة اليهود، ووافقت على دفع تعويضات .. وربما لهذا السبب ايضا رفض المتحدث باسم الحكومة البريطانية فى حوار اجرته معه مجلة الشباب منذ سنة تقريبا فكرة ان تعتذر بريطانيا عن فترة احتلالها لمصر لان هذا الاعتذار بهذا المعنى قد يؤدى الى المطالبة بتعويضات عن ممارسات الاحتلال فى تلك الفترة .. هذا على مستوى السياسة التى مازلت مصرا على اننى لاافهم فيها .. أما على مستوى الوطن فقد توقفت طويلا امام فكرة الجدار الذى تبنيه مصر لتحمى به مبنى السفارة .. ذهبت الى هناك قرب الفجر .. وقفت بسيارتى على الجانب الاخر من الطريق .. بينما كان صوت وديع الصافى ينطلق من راديو السيارة باغنية دار يا دار يا دار .. راحوا فين حبايب الدار .. وبدون ان اشعر وجدتنى اردد معه بصوت مسموع : دار يا دار يا دار .. مصر بتبنى جدار ! وفى الطريق الى البيت لم يكن يشغلنى سوى سؤال واحد : هل يجوز ان نطلب من مصر ممثلة فى محافظة الجيزة ان تعتذر عن بناء هذا الجدار ؟ واذا لم تعتذر .. هل نطمع فى طرد السيد السفير الدكتور المحافظ ؟! محمد عبد الله