لم يكن من شباب الفيس بوك الذين حركوا الثورة .. وإنما هو شاب بسيط من شباب الصعيد الذين انفعلوا وخرجوا فى المظاهرات من أول يوم للمناداة بالعدالة الاجتماعية وهو الشعار الغائب تماما عن بلاد الصعيد. تصوير: محمود شعبان ..ثم فاجأته رصاصة طائشة من عسكرى أمن مركزى كانت كفيلة بأن تفقده الإحساس بنصف جسده الأسفل .. الشاب كريم معوض على (17 سنة) ابن قرية الحميدات بمحافظة قنا والذى نشأ وسط مناخ من القهر والفقر الشديد فخرج ليطالب بأبسط حقوقه فى أن يجد فرصة عمل وفى أن يشعر بالأمان ولأيام عديدة كان كريم يتظاهر فى ميدان بنزايون الذى يماثل التحرير فى القاهرة والأربعين فى السويس والقائد إبراهيم فى الإسكندرية ولكن لم يشعر بوجوده أحد هو وآلاف غيره فعلى ما يبدو أن الميادين هى الأخرى مستويات.. لكن الثورة حتى الآن لم تغير من واقع القهر والتهميش الذى يعيشه هذا الشاب هو وآلاف وربما ملايين غيره من شباب الصعيد لدرجة أنه لم يحصل على أى تعويض أو أى دعم مثلما حصل غيره من شباب الثورة المصابين بالقاهرةوالإسكندرية وغيرها من مدن النور .. كريم ابن القرية لا يشعر بآلامه ولا بمعاناته أحد والقرية نفسها التى يعيش فيها أصبح يسكنها الخوف والتمرد والبطلجة والنزاع بين القبائل والعائلات وقد استطاعت الشرطة أن تلعب بها لعبة خبيثة فى الإيقاع بين العائلات على طريقة فرق تسد .. السلاح فى كل مكان والسرقة والمخدرات هى النغمة الدالة على قرى الوجه القبلى بأكلمه وعلى ما يبدو أن مانراه فى الأفلام والدراما لا يشكل سوى مشهد واحد من مشاهد مأساوية كثيرة يعيشها هذا القطاع المهمل ولهذا عندما خرج كريم ردد شعارا واحدا وهو "الشعب يريد النظرة لأهل الصعيد". يحكى كريم جانباً من قصته قائلاً: أنا خرجت منذ الأيام الأولى مع الشباب من كل القرى بعدما رأينا فى التلفزيون أن المظاهرات تملأ شوارع القاهرة وفعلاً نظمنا مسيرات كبيرة وطفنا فى شوراع المحافظة ولكن الإعلام لم يكن ينقل هذه الأحداث لدرجة أن الناس فى بحرى كانوا يسخرون من أهل الصعيد لعدم مشاركتهم فى الثورة ولكن إحنا شاركنا وخرجنا وفى مرة كنت بأهتف فقام عساكر الأمن المركزى ضربوا علينا قنابل مسيلة للدموع وبعدين راحوا ضربوا علينا رصاص حى فأصبت برصاصة فى النخاع الشوكى ودخلت مستشفى وعملت عملية وفى النهاية أصبحت مشلول .. لكن كريم الذى فقد نصفه الأسفل يشعر بأن الثورة لم تحقق مطلبه وهو العدالة الاجتماعية فى الصعيد المنسى حيث انشغل مشاهير الثوار بالإعلام وبالصراع على السلطة أو التورتة ونسوا الشعب الفقير البسيط الذى خرج عن صمته من أجل حقوقه .. كريم الذى أصبح عاجزا عن الحركة سألنا عن دور الحكومة وهل ستقوم بتوفير فرص عمل له ولآلاف غيره من الشباب أم لا وهل ستساهم فى علاجه الذى يحتاج لنفقات عالية خارج مصر وهل سيشعر أحد بآلامه أم لأنه بعيد فسيظل هكذا مهمشا.. نأمل أن نجد من يساهم فى دعم نفقات علاجه لزرع نخاع شوكى فى الخارج..