برمال وخشب نخيل وأحجار رملية وصلصال استطاع بدر عبد المغني ابن واحة الفرافرة أن يكون فنان عالمي.. بعد أن استغل الطبيعة حوله في رسوماته جعلت متحفه من أهم المزارات السياحية عند الأجانب.. وأصبحت معارضه تطول العالم.. كما يجذب السائحين الأجانب إلي الصحراء البيضاء في الفرافرة لعمل سفاري ورحلات.. ويجري بنفسه اتصالات معهم لدعوتهم لزيارة الواحة.. نتعرف عليه وعلى الصحراء البيضاء في الحوار التالي... * في البداية حدثنا عن الصحراء البيضاء منطقة الصحراء البيضاء الموجودة بمحافظة الوادي الجديد ترجع أهميتها إلي جانب كونها منطقة اشتهرت بسياحة السفاري إلى أنها تعد متحفاً مفتوحاً لدراسة البيئات الصحراوية والظواهر الجغرافية والحفريات والحياة البرية واحتوائها على آثار وأدوات ترجع إلى عصر ما قبل التاريخ، حيث تشتمل على مجموعة من المقابر والكهوف النادرة وبقايا مومياوات قديمة ونقوش منحوتة، وتتميز المنطقة بجمال مناظر الكثبان الرملية والتكوينات الجيولوجية لصخور الأحجار الجيرية ناصعة البياض، وما تحتويه من حفريات متميزة، وتتميز منطقة الصحراء البيضاء بأرضيتها من الطباشير الأبيض حيث ينتشر عليه تكوينات جيولوجية على شكل أعمدة من الطباشير الأبيض الثلجي تكونت بفعل الرياح وتلال شديدة الانحدار مما يضفي على المنطقة وضعاً جيولوجياً وطبيعة نادرة ويقطع منخفض الفرافرة طبقة الطباشير الأبيض التي تعتبر جزءاً من وحدة صخرية واضحة الانتشار تعرف بوحدة الطباشير، فهذه الصحراء تعتبر متحف رباني. * وهل مازال هناك أجانب يأتون إليها؟ يأتي إلي هنا أجانب من جميع أنحاء العالم، وهناك أفواج كانت موجودة منذ وقت قريب، ودائما أجري اتصالات ببعض الأجانب لزيارتنا، فلديّ علاقات كبيرة خارج مصر كونتها بعملي في الفن وفي تنظيم رحلات السفاري في الفرافرة، وأقوم حاليا بالاتصال بجمعية روسية من أجل استقطاب سائحين روس في الفترة القادمة. * ألم تتأثر الواحة بتراجع السياحة في مصر؟ بالتأكيد هناك تراجع، وبالطبع ننتظر أن تهدأ الأمور أكثر في مصر وتعود السياحة وسيكون الإقبال كبير على الواحة مرة أخرى مثلما كان الحال من قبل. * وما الذي تقوم به في الواحة؟ الحمد لله لدي موهبة الفن من عند ربنا بدون دراسة الفن، وأنا من مواليد الواحة وأعشق الفرافرة، وكنت أريد أن أقدم لها شئ، فوجدت أنني أستطيع أن أخدمها بالفن، فأستغل خامات البيئة الموجودة سواء الرملة الملونة والأحجار الرملية والأحجار الطباشيرية وخشب النخل، ولدينا الواحة غنية بالخامات الجيدة التي لم تستغل بعد. * وماذا عن متحفك؟ أقمت المتحف سنة 1992، وأصبح الآن هو أحد أهم المزارات السياحية المعروفة في الواحة، وحرصت على بنائه من الطين الرملي، وهو نفس تربة أرض الواحة، ويتخذ شكل بيت علي نفس طراز البيوت القديمة، ويحتوي علي العديد من اللوحات التي تجسد الحياة في الفرافرة، من بين الأعمال مجسمات من الحجر الرملي وأخري من الطين. * وكيف جاءتك الفكرة؟ عكفت على بنائه سنوات عديدة، وجاءتني الفكرة عندما جمعني لقاء قبل ما يزيد على 25 عاماً مع أحد السائحين الأجانب، والذي أبدى إعجابه بما تضمه الواحة من فنون تقليدية، وبدأت من وقتها في تجميع أعمالي في بيت صغير استأجرته في وسط الواحة، وبدأ السائحون يتوافدون إليه مما دفعني إلى التوسع وإنشاء متحف أكبر يتسع للأعداد الكبيرة التي تأتي لزيارته، وأنشأته لكي تظل الواحة بعيدة عن تيار التحضر الذي يغير من شكل وحياة الواحة وفولكلورها * وما هي أبرز معالم الحياة في الفرافرة التي جسدتها في المتحف؟ الغرفة الأولي من غرف المعرض ال20 تجسد أهم الأعمال التي يمتهنها أهل الواحة، ومنها صناعة الخوص والأقفال وعصر الزيتون الذي تناول الفنان مراحله بداية من تجفيف الزيتون إلي عصره في الخيش، وتجميع الزيت الناتج عنه وتسخينه علي الأدوات الفخارية قبل تخزينه، كما يتناول الحياة اليومية للسيدات متضمنة أعمالهن في صناعة الخبز، وتبدأ من طحن الحبوب في الرحا مرورا بعجنها وخبزها في الفرن، وحرصت علي تجسيدها بنفس شكلها في الواقع، كما ركزت علي أهم عادات وتقاليد أهل الواحة في الأفراح، إذ أجسد في إحدى اللوحات المرسومة بالزيت ليلة الحناء، وفيها أتناول لحظة تزيين العروس وتلطيخ جسدها بالحناء، وفي المقابل تناولت العريس وهو أمام حلاق الواحة تتساقط عليه «النقوط»، وفي أخري ليلة الزفاف، وفيها تظهر فرقة الطبل البلدي والمزمار والحجالة أمام هودج العروس، يحيطها المعازيم حاملين الأدوات المنزلية «جهاز العروس»، والمتحف يحتوي علي مجموعة أخري من اللوحات التي جسد فيها الفنان الصراعات السياسية التي يعيشها الفلسطينيون وأخري وتعكس الصراع الداخلي للإنسان المعاصر، كما أن سور المتحف حفرت عليه العديد من الجداريات، التي تناولت رحلات أهل الواحة في الصحراء والجمالة والرعي في حين يحيط بالمتحف من الخارج صحراء استخدمت فيها وجوه أهل الواحة، وكأنها ثمار علي الأشجار في إشارة إلي العائلة والعلاقات الأسرية المترابطة، التي يتميز بها أهل الواحة. * وهل حدثت تغيرات في الحياة في الواحة بشكل عام؟ كنت أحلم بأن تظل الواحة بعيدة عن تيار التحضر، حتى لا يتغير شكلها، وأسلوب الحياة فيها، وفولكلورها الشعبي، وشعرت بالحزن عندما لم أتمكن من تغيير الشئ الوحيد الذي كان يسبب لي القلق، والمتمثل في التوسع الرأسي في الصحراء عن طريق بناء مباني خرسانية، فهي لا تتناسب مع جو الواحة، ولكني أشعر بالارتياح لأن سكان الواحة الأصليين ما زالوا مرتبطين ببعض عاداتهم الأصلية، حيث الروابط الأسرية مع الأهل والأقارب ما زالت قوية، كما يتضامن الجميع معاً في الأفراح والأحزان، ومن أبرز العادات السائدة والتي يجتمع فيها كل أفراد الأسرة على وليمة يقيمها أحدهم، ثم يقومون بجمع مبلغ محدد من كل فرد منهم، ويهدونه لهذا الشخص، وتسمى هذه العادة "جمعية العيلة"، كما تجتمع الأسر في العيد على "الفتة". * وماذا عن المعارض خارج مصر؟ أقيم معارض عديدة داخل مصر وخارجها، وحصلت على العديد من الجوائز، فتأتيني دعوات عديدة لإقامة معارض خارج مصر نتيجة علاقاتي بالأجانب الذين يأتون إلي الواحة، وعملت معارض في ألمانيا ثلاث مرات، وفي إنجلترا وفرنسا والنمسا، ونشروا عني العديد من المقالات والتقارير في الجرائد والمجلات العالمية، وعندما أقيم معرضي في مصر تحضره شخصيات أجنبية، فقد عرضت 60 لوحة تشكيلية تعبر عن سحر الطبيعة في الوادي الجديد ومدينة الفرافرة والبيوت الصحراوية في معرض "إبداعات الفرافرة" ، وقد افتتحه ألكسندر بالينكو مدير المركز الثقافي الروسي في يناير الماضي. * وما الذي تفعله أيضا في الواحة؟ أنظم رحلات سفاري في الصحراء، وأنظم العديد من الرحلات وخصوصا لعيون المياه الموجودة في الواحة التي يأتيها السياح من كل مكان، وأقيم ورش فنية، فأنا كنت مدرس جغرافيا تاريخ ومن 92 إلي 2010 أخذت أجازة بدون مرتب للتفرغ للواحة، ولكني عدت كرئيس قسم الوسائل التعليمية، كما صممت بيوت عديدة في الواحة على التراث الواحاتي المعروف، كما أنه من هواياتي أيضا إقامة الجداريات، وتأتيني طلبات من كل مكان لإنشائها وفي جميع أنحاء مصر. * وما الذي تكسبه من كل ما تقوم به؟ أهم مكسب لي أن كل ما أقوم به هوايات، كما أني عاشق للصحراء وأحب الإبداع فيها، وأجد الراحة النفسية والهدوء والصحة، وهناك مكاسب مادية بالتأكيد ولكن أهم شئ الاهتمام بالصحراء وبالواحة، وأتمني أن تستغل الدولة إمكانيات الواحة أكثر من ذلك.