اشتهرت مصر برواج رحلات السفاري في العديد من المناطق الصحراوية، لكن يبدو أن حادث الواحات الأخير الذي خلف ضحايا مصريين ومكسيكيين، الذين استهدفتهم قوات الجيش والشرطة بطريق الخطأ كان سبباً في وقف هذه النوعية من الرحلات السياحية التي تستهوي الكثير من السائحين الأجانب، وعلي الرغم من عدم صدور قرار رسمي من الحكومة في هذا الشأن إلا أن الجهات المعنية في السياحة أبلغت شركات تنظيم رحلات السفاري بوقف هذه الرحلات وتغيير البرامج السياحية. الاتجاه الحكومي إلي تعطيل رحلات السفاري يشير إلي اتباع أسلوب بتر العضو المريض في الجسد وليس العمل علي علاجه، ليمتد الحظر من النشر في القضية التي تشهد تحقيقات واسعة بشأن الحادث إلي حظر رحلات السفاري نفسها، إذ يجب أن تكون هناك حلول بديلة لعدم خسارة العملة الصعبة التي تحصل عليها البلاد جراء وجود هذا النوع من السياحة في مصر. وهكذا فإن السياحة لديها ما يكفيها من المشاكل والأزمات والمآسي، ليأتي حادث الواحات، ليقصم ظهرها تماماً، إذ أفقدها أهم نوع من الرحلات التي تدر عليها دخلاً هائلاً، وهي رحلات السفاري في الواحات البحرية والصحراء البيضاء وسانت كاترين وجبل موسي. فقد أعادنا الحادث إلي عام 8002 حين تعرض سائحون ألمان للاختطاف في محمية الجلف الكبير، التي علي إثرها أصبحت خطوات استخراج تصاريح الرحلات للصحراء العميقة متعددة ومن جانب جهات مختلفة، وعزف الكثير من منظمي السفاري عن العمل بها. الأمر الذي قد يدفعهم إلي اتخاذ نفس الموقف خشية حوادث جديدة. في العامين الماضيين مع انتشار الجماعات الإرهابية، وتسللها عبر الحدود، كان هناك تخوف داخلي من تنظيم رحلات السفاري التي تتطلب أن يقضي السائح عددا من الليالي في الصحراء ما قد يعرضهم لمخاطر جمة. لكن ما حدث، أثار تخوفا خارجيا، بعد أن تم تشويه هذا النوع، بأنها سياحة دموية، بعد أن كانت سياحة المغامرات والتشويق. فقامت إيطاليا - علي سبيل المثال - بتحذير مواطنيها الموجودين في منتجعات البحر الأحمر بعدم المشاركة في أي رحلة صحراوية، وأن يكتفوا بالبرامج الترفيهية، حتي لا تُفسد عطلتهم! في الغالب لا تمر مثل هذه التحذيرات مرور الكرام، لأنها تترك علي المدي الطويل طابعا سلبيا في ذهن السائح، تدفعه بألا يقصد صحراء مصر ثانية. وهو ما اتضح حين قامت شركات بإلغاء كل رحلات السفاري هذه الأيام. يقول عبد النبي حلمي، صاحب إحدي الشركات، ل "آخر ساعة" إنه في اليوم الذي وقع فيه حادث "الواحات" قام بالتواصل مع المسئولين في شرطة السياحة ليستفسر عن مدي إمكانية أن يستكمل رحلات السفاري، ليكتشف بقرار رسمي توقفها، ما دفعه إلي تغيير برنامج الفوج السياحي لديه. مضيفاً: "لست علي استعداد أن أنظم سفاري حتي لا يتم إدانتي، لأن التصريحات لا يُعترف بها حال وقوع حادثة". واستكمل أن ما تمر به البلد من أوضاع أمنية مضطربة جعل الشركات السياحية تعزف عن السفاري، رغم احتياجها لها؛ لأنها تجلب السائح الغني من دول المجر والمكسيك والصين، فميزتهم أنهم لا يمتلكون طيران شارتر، ما يدر عليهم دخلاً كبيراً، فيصل تكاليف السائح إلي 008 دولار في الرحلة الأسبوعية.. أما الآن فانحصرت السياحة علي السائح الفقير في شواطئ البحر الأحمر. وواصل: "نحن في أشد الحاجة لرحلات السفاري، وكان من الممكن أن تُحدد لنا الدولة الأماكن الصحراوية التي يستطع أن يُقيم فيها السائح لعدة ليال، لكن المنع العام يترك حالة من الهلع، ليس فقط لدي السائح، بل للبدو أيضاً، الذين لا يمتلكون أي مصدر دخل سوي الصحراء، إذ تم التعامل مع الحادث من الجانب السياسي، لا السياحي، وكل طرف من الجهات المسئولة تنصلت من المسئولية، أبرزهم وزارة السياحة التي تخلت تماماً عن الشركات، ولم تُدافع عن السياحة في مصر، فكل دولة معرضة أن تقع بها حادث، لكنها ملزمة في نفس الوقت بتحسين صورتها، لا بتشويهها أكثر". أما بخصوص الإخطار الذي أرسلته الجهات السيادية بالدولة، إلي الشركات السياحية بمنع رحلات السفاري منذ يناير الماضي، أوضح عبد النبي حلمي أن القرار كان يشمل عدم التخييم في الصحراء، وليس وقف الرحلات. متابعاً: "إن كان هُناك تنسيق حقيقي بين شرطة السياحة والقوات المسلحة والوزارة، لن يقع أي سوء، خصوصاً أن مُنظم الرحلة يُبلغ شرطة السياحة، ويأخذ تصريحاً بالموافقة خلال أيام، وذلك في حالة سفاري الوحات البحرية والفرافرة والداخلة والخارجة، أما في حالة سفاري الجلف الكبير، التي يقضي فيها السائح أكثر من عشرة أيام، يستلزم ذلك تصريحا من حرس الحدود والقوات المسلحة والبيئة وباقي الجهات الأخري". "تصريحات السفاري ليست هينة كما يتصور الهواة". يقول محمد يسري رشاد، صاحب إحدي الشركات ومنظم رحلات سفاري منذ ثلاثين عاما، والذي توقف عن إدراجها في البرامج السياحية منذ عامين، إذ رصد خطوات استخراج التصريح في: "تقديم الشركة لتقرير مفصل يشمل خط سير الرحلة، ومواعيد بدايتها ونهايتها، والبرنامج بشكل كامل، كذلك أرقام جوازات سفر السائحين وتحديد جنسيتهم وعددهم، بجانب أسماء المرشدين السائحين والسائقين، وتسلمها لهيئة تنشيط السياحة باعتبارها الجهة المعنية بالسائحين في مصر، ثم تبدأ الهيئة بإخطار الجهات الأمنية لإصدار التصريحات اللازمة، التي تستغرق حوالي 21 يوما". يري أن السبب وراء وقوع الحوادث، هو العشوائية في تنظيم الرحلة، وتوقف المحترفين عن تنظيمها، فهناك كثيرون لا يدركون الدقة التي تحتاجها السفاري، التي قد تستغرق في أحيان كثيرة ثلاثة أسابيع، فقط يصل الأمر إلي التواصل المباشر بحرس الحدود، واصطحاب عدد من التليفونات اللاسلكية، وتحديد نوع ملابس السائح، والأطعمة التي يتناولها، والالتزام بنوع المركبة السياحية المحددة في التصاريح، لأن التغيير من الأتوبيس إلي عربات الجيب، قد يعرض الفوج للاشتباه، خصوصاً أن الجماعات الإرهابية تستقل الجيب أيضاً، بجانب التزام الشركة بالبرنامج، فمن غير القانوني أن يتم تسلق الجبال دون إخطار المخابرات الحربية وشرطة السياحة، والتزامها أيضاً بعدد السائحين الذي لا يتجاوز ال 51 قائلاُ: "كما أن هناك مناطق محظورة، يجب ألا يقترب منها الفوج السياحي، والتي قد أخطرتنا بها وزارة السياحة بداية العام الجاري، خصوصاً علي الطريق الاستراتيجي الغربي أو جنوب غرب طرق الوحات عند منطقة صحراء البيضاء، التي شهدت الحادث الأخير". بينما يعتقد إيهاب موسي، رئيس ائتلاف دعم السياحة، أنه لا يوجد ما يُسمي بالمناطق المحظورة في رحلات السفاري، وأنه لا يوجد عشوائية في التنظيم، لأن كل منطقة في الصحراء تتولي إحدي الشركات مسئولية جلب السائحين إليها، كما تصطحب الشركة الدليل السياحي، واحدا من أبناء الواحة التي يقصدنها، الذي يوجههم إلي الطرق الصحيحة، وينصحهم في حالة التقلبات المناخية، وليس المرشد هو من يقود الطريق كما يتصور البعض. مضيفاً أن الأمل كان متوقفا علي سياحة السفاري في الواحات البحرية، لكن بعد الحادث الأخير انتكست مجدداً، بل انتكست السياحة كلها، بعد أن تعامل الإعلام الأجنبي مع مصر علي اعتبار أنها "منطقة محظورة". واعتبر أن عدم وجود قيادة قادرة علي إدارة السياحة، سيعرضنا إلي مزيد من الكوارث، إذ لا يوجد تنسيق بين الوزارة والشركات، ولا يوجد متابعة للمركبات السياحية، مثلما كان يحدث من قبل، بل يتعمد المسئولون تشويه سمعة الشركات، متسائلاً: "إن حدث ووقعت الشركة في خطأ، هل تُعاقب بالموت؟". مشيراً إلي أنه منذ 51 عاماً، مدة تنظيمه لرحلات السفاري، كان يتوقف عند المنطقة التي شهدت الحادث، ولم يحدث أن الدولة منعت الوقوف بها.